في ممارسات السودانيّين الغالبة فإنّ رمضان هو شهر إستثنائي... فمن لوائحه انّه شهر يعمدون فيه إلى الإستقرار... يقيم السوداني الصائم غالباً شهره في مكان واحد... يلغي فيه بقدر الإمكان قوانين الحركة لنيوتن... حتى إنّ بعض كباتن الطائرات وسائقي القطارات وقباطنة السفن يخططون لأخذ إجازاتهم السنويّة في رمضان! كثيرون وأنا منهم يعمدون إلى أن يكون صيامهم خالياً من شبهة السفر لكنْ تغلبهم الأقدار، فَمنْ هذا المُلاكم شديد العناد الذى يلاكم الأقدار! في تجربتي الحياتية صمت أغلب (رمضاناتي) كعادة السودانيين داخل السودان في عاصمته وداخل مدنه الولائيّة... وبذلك تذوّقت رمضان السوداني لدرجة الإعتياد غير المفضي إلى الإدمان، وهو رمضان في عمومه جاف نهاراً (ممطر) عقب المغرب... لكنْ حملنا الضرب في الارض إلى صوم رمضانات أخرى كليّاً أو جزئيّاً في دول الله على الأرض! أدّيت عدداً من الصوم الرمضاني بمصر، كان ذلك قبل أن يتسلل إليها الإنبعاث الحراري... فكانت من ألطف الرمضانات... رمضان المصري ماركة مسجّلة لخَلْوَة مشروعة مع ألف مئذنة ومئذنة وألف مسجد ومسجد، وألف مسرح ومسرح وألف ليلة وليلة! صمت في ماليزيا (كوالالمبور) ثلاثة رمضانات، لم أتصوّر قبلها أنّ رمضان مجاوراً لخط الإستواء ينتج رمضاناً مستوياً... لا أذكر من الرمضان الماليزي غير انّك تحتاج إلى مظلة واقية من الأمطار، وإلى ساعة مضبوطة في ذلك الجو الغائم للتعرّف على موعد الإفطار، وإنْ لم تفعل ذلك قد تتفاجأ بأنّ موعد السحور قد دنا وأنت لم تفطر بعد! صادفتني ايّام من رمضان بعددٍ من المدن الأوروبيّة، مثلما يحدث معي الآن... الصوم في اوروبا وأخواتها في مظهره الأساسى عليك أن تحمل في يدك اليمنى او اليسرى فانوس رمضان نهاراً، فأنت في تحدٍ دائم للساعة البيولوجيّة لمن هم حولك، تمتنع عن الطعام وأمامك سلسلة من مطاعم هارديز ومكسيم وبيتزا هت، ولا تشرب وفي متناولك معروضات من المياه الغازية والمعدنيّة والملوّنة... وتغض بصرك عن قُبْلة عميقة بين فتى وفتاة بدأت في العاشرة صباحاً وانتهت الساعة العاشرة والرُبع بتوقيت قرينتش!!