عيد سعيد ومبارك على الجميع، وكان الله كشأنه دائما، رحيما بعبده السوداني، فجاء رمضان الأغسطسي في أجواء ربيعية، باستمرار موسم الأمطار، برغم أن السلطات في العاصمة، كانت تصلي سرا صلاة الاستجفاف، لأنها “تُفاجأ” عاما بعد عام بأن هناك “خريفاً”، ولا تتحرك لتصريف مياه الأمطار إلا بعد -وليس قبل- أن تتجمع، تماما كما تُفاجأ بفيضان النيل وفروعه كل سنة، متسببا في التهاب بلاعيم التوربينات المولدة للكهرباء، واحداث تغيير في مياه الشرب.. بالمناسبة سؤال غير بريء: هل يجوز الغسل والوضوء بالماء الذي يدخل بيوتنا؟ تعريف الماء هو أنه سائل لا لون ولا طعم ولا رائحة له، والماء عندنا لونه بين بني وتركواز (بصراحة لا أعرف ما هو التركواز فأنا من جيل لوح الأردواز)، وطعمه طيني، ورائحته مثل رائحة لفة حلة كوكو، وعلى ذمة الفاتح جبرا، فإن في الماء ذاك “حاجات بتمشي”.. والماء الطهور هو الماء “الباقي على أصل خلقته”، وانا متأكد ان الماء الذي يدخل بيوتنا يختلف عن خلقته في بحيرات تانا وفيكتوريا والبرت، فهو أقرب الى شكل ورائحة الماء الراكد (خاصة إذا صحت رواية الفاتح جبرا وأنا شخصيا لا أتشكك في ما يكتبه ويقوله وإن كنت أتشكك في قواه العقلية). كل ذلك لن يفسد على الناس فرحة العيد، ولكن ما يفسده هو قلة الحيلة بينما خشوم العيال مثل البليلة تتقافز منها المطالب “التعجيزية التعسفية”: عيال آخر الزمن يريد كل واحد منهم قميصا او جلبابا جديدا للعيد، بل هناك من يشطح ويطالب بجزمة جديدة.. على أيام طفولتنا لم نكن “نطالب” بمثل تلك الأشياء، فقد كانت تأتينا كحق ثابت، وكان الدبلان هو القماش المفضل لأبناء الذوات بينما كانت الدمورية إجبارية على “أبناء الذين”، والدمورية كان قماشا مغطى ببقع صغيرة تشبه القمل الميت. في أحد الأعياد تأخرت أمي في شراء “جزمة العيد” لي، لأنها كانت تريد أن تدللني، ولم تشأ أن تذهب بي الى سوق بلدتنا جزيرة بدين، بل سوق “كرمة” الذي ينعقد كل يوم أحد، وكان بمثابة السوق الأفرنجي لعموم من يسكنون المنطقة الممتدة من أرقو إلى دلقو.. المهم لم نجد حذاء على مقاسي، وفي أحد المحلات التقطت حذاء وحشرت قدمي فيه حتى كاد ينفجر،.. وبكيت، وما ان عرف التاجر سر بكائي، حتى قدم لي حذاء آخر ضيقا بعض الشيء مقرونا بعرض سخي: ندفع أجرة 5 قروش ونأخذ الحذاء ثم نعيده بعد العيد على حالته الأصلية، بمعنى ان ألبسه يوم العيد داخل البيت وأجلس “مدلدلا” ساقي من على السرير بحيث لا يلامس الحذاء الأرض، ليراني كل زائر بالحذاء الجديد، وبحيث، بالتالي، لا يتسخ.. وغافلت أمي وتسللت من البيت: ما قيمة الحذاء الجديد إذا لم يره أقراني؟ ولكنني كنت حريصا على الالتزام بالتعهد الذي قطعته أمي للتاجر وطفت عددا من الأحياء مرتديا الحذاء في يدي (وكان ذلك النوع من السلوك “العوير” متفشيا حيث كان كثير من الأطفال والصبية يحرصون على حمل أحذيتهم الجديدة في أيديهم لعدة أيام خوفا عليها من الاتساخ) خليل إلياس، رئيس اتحاد الشباب السوداني السابق، رجل حلو الدعابة، وأنصح بقراء كتابه “كوبرهاجن” عن ذكرياته في سجن كوبر، وعايشته في ذلك السجن حينا من الدهر، وكانت ذاكرته مستودعا للطرائف والعجائب، وزعم في ما زعم أن أغنية “جرحي وألمي، وكله يا ظالم من عيونك ديل) أن بها بيتا يقول: أيها الآباء زوجوا الأُنثات/ الزمن بطال والظروف عاكسات.. وبمناسبة خواطر العيد هذه أتذكر أيضا زعمه بأن هناك أغنية تقول: أهم شي الحمام/ ونظافة الأجسام/ والزول يكون بسّام.. رددوا هذا البيت صباح يوم العيد، بس أغلوا الماء قبل الاستحمام.