عندما يستهدف المجرم أقرب الأقربين اليه، أهله الذين يجري في عروقهم الدم نفسه فيسفك هذا الدم. بعد أن انتهى أحد المواطنين من أداء صلاة الفجر سمع طرقاً على باب منزله الذي يقيم فيه بمفرده، رفع الغطاء من فوق بدنه الواهن ونزل من على السرير وكان يعاني من آلام في ساقيه زاد منها برد الشتاء القارس. فتح الباب. وجد حفيده «ع» فسأله بلهجة سيطر عليها الخوف واللهفة: خير يا ابني ما بك؟ جئت في هذه الساعة؟ هل حصل لأمك مكروه؟وبطريقة تمثيلية يجيدها الحفيد راح يبكي ويؤكد لجده ان الذي دفعه للحضور في هذا الوقت هو مرض والدته وإنها بحاجة الى أي مبلغ حتى تذهب الى المستشفى، أدخل العجوز حفيده الذي كان برفقة صديق له في مثل سنه وأجلسهما في حوش المنزل وأعد لهما كوبي شاي ودون ان يراه الشابان اتصل تليفونيا بابنته فوجدها بصحة جيدة وسألها عن ابنها فأخبرته أنها لم تره منذ يومين. وقاحة الحفيد جلس الرجل العجوز مع حفيده وصديقه وكانت رائحة الخمر تفوح منهما فعرف ان سبب هذه الزيارة هو حاجة الشاب الى المال لشراء المخدرات، فأخذ يلومه ويوبخه على تصرفاته واستهتاره وأخبره ان أمه قلقة عليه وانها ليست مريضة وهي التي ردت عليه لدى اتصاله بها، وما ان قال الجد ذلك حتى تغير لون الشابين، وتطاير الشرر من أعينيهما، فقد انكشفت حيلتهما ونظرا الى العجوز بوقاحة وعدم احترام، وطلب الحفيد من جده ان يعطيه ما معه من نقود، ولكن الجد الذي لم يصدق ما سمعه لطم حفيده على وجهه الذي أمسك بيد جده وجذبه بشدة وساعده صديقه في توثيقه وربطه بحبل كان يحمله بين طيات ملابسه. ووسط دهشة وذهول العجوز أخرج الحفيد سكيناً وراح يهدد جده بالقتل إن لم يدلهما على مكان النقود التي يحتفظ بها، بكى الرجل وسالت دموعه ليس خوفاً وإنما حسرة على ما يراه من عقوق وجحود، وبصوت واهن مرتعش قال: النقود في الدولاب خذ منها ما تشاء وأذهب في حال سبيلك واتركني أنام ربنا يهديك. نوم أبدي ورغم حصول الشابين المستهترين على النقود لم يتركا العجوز لينام وانما جعلاه ينام إلى الابد. فبعد أن حصلا على «المال» سددا اليه طعنات قوية مميتة في الصدر فانفجرت الدماء ولكنهما لم يتوقفا فانهالا عليه طعنا حتى لفظ انفاسه الاخيرة وتركاه غارقاً في الدماء وانصرفا مسرعين عائدين الى منزل صديقه حيث كانا يقضيان فيه معظم الليل وسط الدخان الازرق وزجاجات الخمر. وقبل عودتهما اشتريا كمية من المخدرات وبعض الاغذية المحفوظة ولم يتذكرا الرجل العجوز الذي قتلاه بعد ان اعطاهما كل ما معه من نقود وفي اليوم الثاني كانا سعيدين. الكشف عن الجريمة بعد ان غادر الشابان منزل القتيل بحوالي ربع ساعة جاءت اخت الضحية وطرقت الباب ولكن انتظارها طال ولم يفتح أخوها الباب. فشكت الشقيقة في الامر فطرقت باب الجيران باثة شكوكها، فاتصلوا بالشرطة التي جاءت وفتحت الباب لتجد العجوز غارقاً في دمائه وجاء رجال المعمل الجنائي لفحص محتويات الجثة وحولت إلى الطب الشرعي فأكد ان الوفاة حدثت نتيجة تهتك الرئتين واثبت التقرير اصابة الجثة ب «51» طعنة من مطواة، ودلت أكواب الشاي التي كانت موجودة على المنضدة في الحوش ان المجني عليه قد تناول الشاي مع شخصين يعرفهما وانهما وراء الحادث. محاولة الهروب كان قد تصادف ان جاراً للعجوز كان مستيقظاً عند دخول الشابين منزل الجد وكان قد عاد من المسجد لتوه بعد اداء صلاة الفجر ورأي الشابين يدلفان الى المنزل وكانت هذه الشهادة هي الخيط الذي قاد إلى الشك فيهما إلى جانب البصمات التي رفعت من اكواب الشاي. ولم تتمكن الشرطة من القبض عليهما لأنهما سافرا الى خارج المدينة حيث قضيا عدة ايام لدى صديق لهما وكانا يعرفان أن الأمر قد ينكشف وان الشرطة ستبحث عنهما ولذلك قررا الابتعاد عن الاماكن التي يمكن ان تبحث فيها الشرطة عنهما، ولكن النقود تبخرت ولم يبق معهما شيء ولم يجدا عملا ولم يستطيعا ان يعيشا بدون الكيف والمخدرات فعادا إلى مدينتهما. وبعث الحفيد صديقه الى أمه يطلب منها نقوداً فوعدت بتوفيرها في اليوم التالي وأبلغت الشرطة بما حدث وبمراقبة من جاء ليستلم النقود تم القبض عليهما. اعتراف ومحاكمة لم ينكر الشاب ما حدث، بل أخذ يعترف تفصيليا بالجريمة وكيف اتفق مع صديقه على تنفيذ الجريمة والخلاص من جده الذي كان يحتفظ بأمواله. واكد الصديق اقوال الحفيد وبعد تسجيل الاعترافات تم تحويلهما إلى النيابة التي أمرت بحبسهما على ذمة القضية تمهيداً لمحاكمتهما.