كتاب «عالم الجمال والنقد الحديث» هو من تأليف الكاتب الشهير عبدالعزيز حمودة الذي اشتمل على «أربعة عشر» فصلاً.. بدأها بطرحه بعنوان «كلٌ وجزء» ثم تناول الشكل والمضمون ثم تأتي عناوينه الجاذبة لعناية القاريء «كل عمل فني وحدة كاملة» كروتشي والقوانين الفنية». «مواطن الجمال والقبح في الفن»، ثم «الفن والغايات العملية والأخلاقيات» - ثم وأتبعه ببحثه الذي جاء بعنوان «علم الجمال اليوم - موريس فيلبسون - وأعقبه بطرحه الشيق بعنوان «علم الجمال والنقد»، ثم «هارولد اوزبورن» ويتناول من بعده «ما حققه ت.س إليوت.. ف.أ ماتيس - ثم يأتينا بالرؤية المجنحة ل «ستانلي هايمان» ويعرج بنا الى «ما وراء الواقعية والمثالية»، ثم الثقافة والمجتمع «ران موند ويليامز» ويختتم كل أولئك بباب عنوانه «إيهاب حسن والخروج من مصر». نتوقف معه قليلاً عند «مواطن الجمال والقبح في الفن» حيث يبدأ بالقول: «ألا يقلل من تأثير القبح والإحصاء الناجح لعناصره تماماً كما يفسد تأثير الإحصائي المماثل لعناصره» ذلك هو رأي اليسنج، في الجمال والقبح الفنيين - الشيء الجميل يمكن أن يتغير تأثيره في العمل الفني، والشيء القبيح من الممكن ان تتغير درجة تأثيره من القبح الى جمال فني عن طريق الوصف والتعبير الناجح عن ذلك القبح، ويرى المؤلف انه لا تكاد نظرية «كروتشي» في الجمال تختلف عن هذا في كثير أو قليل فهما يتفقان في أنهما لا يجدان ضرورة أو حتمية لأن يكون الشيء الجميل في الواقع جميلاً في العمل الفني، إلى هنا فهما متفقان.. ولكن الفيلسوف كروتشي يذهب الى أكثر من ذلك فهو يرى أن كل تعبير - كتعبير وليس شىئاً آخر - جميل لأن التعبير حينما لا يكون ناجحاً لا يكون تعبيراً. ويرد كروتشي على هؤلاء الجماليين الذين يقولون إن الشيء الجميل هو الذي يولد السرور أواللذة للسمع والبصر أو الحواس العليا يرد كروتشي عليهم قائلاً بأنه من الواضح ان الحقيقة الجمالية لا تعتمد على طبيعة الإنطباعات لأنه لو كان الأمر كذلك حقاً لترتب عليه القول، بأن الجمال يوجد خارج العمل الفني، وأنه يجب بالضرورة ان يكون جميلاً أيضاً إذا ورد في عمل فني. ما أكثر النقاد الذين كانوا يعتقدون في صلاحية نواحي معينة من الطبيعة ليعبر عنها تعبيراً جمالياً، وفي الوقت الذي تحرم فيه نواحي أخرى من هذا التعبير لمجرد تمتع الأولى بجمال طبيعي خارج الحقيقة الجمالية الفنية. المشهد الجميل وحده هو الذي يصلح مادة أو خامة فنية، أما المشهد القبيح فهو أبعد الأشياء عن الحقيقة الجمالية. لقد كتب سير جورج كلوسين في نفس الفترة التي كان كروتشي يلقي فيها مجموعة المحاضرات التي جُمعت بعد هذا لتكون كتاباً، كتب يقول: قد يقع الاختيار على منظر طبيعي فقير وضيع ويصور في صدق، أي ان الصورة قد تتفق مع فكرة الرسام ولكن مهما بلغت عظمة ما حققه الفنان فإن الصورة تكون فقيرة ولو كان الأمر كما يقول السير كلوسين لاستبعدنا أعمالاً فنية تعتبر روائع في الحقل الجمالي من ميدان الفن على أنها قبيحة فقيرة لعدم تناولها لشيء جميل في الأصل. ثم ان المشهد الطبيعي قد يكون جميلاً جداً في عين إنسان في لحظة ما، ويكون قبيحاً جداً في عين إنسان آخر في نفس اللحظة، بل انه قد يكون جميلاً في عين الإنسان الواحد في لحظة ما وقبيحاً في لحظة اخرى تبعاً لتغير مزاجه وأهوائه. قد يكون الإنسان سعيداً فيبدو منظر المطر ومشاهد الطبيعة تحته في أبدع صورها وقد يكون كئيباً مهموماً فيبدو كل شيء في نفس المنظر مفعماً بنفس الكآبة والحزن ولا نريد ان ندخل هنا في مناقشات عن نسبية الجمال الطبيعي، ولكن المهم ان الجمال الفني في العمل الفني لا يرتبط تقديره بالأهواء والأمزجة بنفس الدرجة التي نراها في تقديرنا للجمال الطبيعي. أضف الى ذلك ان تعليق الجمال أو القبح الفني بالجمال أو القبح بالجمال أو القبح في الواقع «خارج العمل الفني» يعني أننا نربط بين العمل الفني والقيم الأخلاقية بطريقة غير مباشرة، ولكنها أقوى من أية دعوة مباشرة يقوم بها قسيس أو شيخ، فأنا في عالم الواقع لا أستطيع أن اعتبر جميلاً أي مشهد يتنافى مع قيمي الأخلاقية، فإذا أوقفنا الجمال الفني على الجمال الواقعي لابد ان يدخل في تقديرنا للأول نفس المعايير والمقاييس التي دخلت في تقديرنا واستجابتنا للثاني أي أننا أدخلنا القيم الأخلاقية في تقديرنا لعمل فني يجب ان يكون تقديره منفصلاً عن أية قيم لا تنبع منه هو، ومنه هو فقط كعمل فني. * قال الكاتب المؤلف د. عبدالعزيز حمودة يحدثنا عن دوافعه لتأليف هذا الكتاب: «في النقد الحديث هو إيمانه بأن النقد ليس مجرد إبداء الرأي بل هو جهد جاد لكي نرى العمل الأدبي كما هو على حقيقته، فهو يرى أن النقد الموضوعي هو وحده الذي يستطيع ان يحدد قيم الأعمال الأدبية ويصلها ببعضها البعض بحيث يحيل أدب الأمة الى جسم حي متكامل أو مجرى يتدفق دون توقف ويتصل فيه الماضي بالحاضر، والحاضر بالماضي.. والنقد الموضوعي في رأيه هو وحده أيضاً الذي يستطيع ان يربي ما يسمى بالذوق أو بمعنى آخر يخلق القدرة على التمييز بين ما هو فني وما هو غير فني. ويقول المؤلف: وفي هذه المرحلة المهمة من حياتنا التي نجتازها اليوم نحن في أشد الحاجة الى تبني النظرة الموضوعية لا في الفنون والآداب فحسب، بل في جميع أوجه النشاط الأخرى، ولذلك يقول: نحن نعتبر هذه المساهمة المتواضعة من جانبنا في خلق وعي موضوعي في الفن والنقد واجباً يحتمه علينا اعتبار خاص وهو أننا ننتمي الى الجامعة ونقوم بالتدريس فيها، وقال: - نحن نؤمن بأن الجامعة مسؤولة عن تبني القيم الموضوعية ونشرها ليس داخل حجرات الدراسة فحسب بل وخارج الجامعة أيضاً. ويقول د. عبدالعزيز حمودة أيضاً: - نحن نؤمن بأن كل دراسة من الدراسات الجامعية لا يمكن ان تكون لها قيمة حقيقية ما لم تتصل بحياتنا حاضراً ومستقبلاً وما لم تهدف الى ان تصيب منها الأمة العربية نفعاً أكيداً.. بإختصار ما لم تصب في حياة هذه الأمة. وقال: لذلك فنحن وأكثرنا ممن توفروا على دراسة الآداب الغربية وتدريسها قد آلينا على أنفسنا ان ننقل ما اكتسبناه من خبرات الى أمتنا ولغتنا العربية فهذا هو في رأينا الطريق الطبيعي الذي يجب ان تسير فيه دراسة الآداب الأجنبية. ثم تحدث عن سعيه في تلك الدراسة التي ضمها كتابه هذا «علم الجمال والنقد الحديث»: «النظرة الموضوعية في الآداب والفنون مثلها في كل شيء آخر مطلب عسير المنال لا يكتسب إلاَّ بالدراسة والممارسة، ومن أجل هذا نسعى في هذه الدراسات الموجزة الى تقديم نظريات أدبية ومناهج نقدية تربط بينها جميعاً النظرة الموضوعية عسى أن تحقق شيئاً من الفائدة.