أقام غاليري الخرطوم في مبنى البرلمان التجاري - شارع البرلمان بالخرطوم معرضه الافتتاحي لمجموعة من الفنانين البارزين من أهل التشكيل ومعرضه الثاني للفنان الدكتور راشد دياب - أسسته مجموعة من الفنانين الشباب بدافع المحبة وعلى نمط رؤية جديدة، تقوم على الإتقان والتجويد والفكر العلمي في العمل الفني- واقع ملحوظ في تقنية وعلوم المعارض. وللحفاظ على هذه الصالة الأنيقة الرائعة لابد أن تتضافر الجهود من أهل التشكيل والمحبين وجهات الاختصاص الثقافي المسئولة عن أمر ضمان استمرارية الإبداع في بلادنا- مجهود يستحق الإشادة والمحافظة عليه- وفي معرض الفنان راشد دياب (همسات النيل) نرى اهتمام الفنان بأدواته وتقديم أعمال جديدة متقدمة كعادته - وزين كتيب المعرض بمقدمة للفنان نرفقها لاكتمال الرؤية. كما ننشر هنا انطباعات الفنانين راشد دياب وحسين جمعان حول هذا الغاليري. .................................................................. (المحرر) (1) راشد دياب قبل أن تسحر فكرة وجودي نفسي كان النيل يهمس في صمتي بصمت الخلود.. علقت بذاكرتي منذ تلك الأزمان صورة النهر.. كنت أذهب لملاقاته وتحسس أنفاسه وروائحه العتيقة متردداً في لمسه، وقانعاً بالنظر إليه وقد فتنتني حشود الألوان المتجانسة على ظهره وأنغام الطبيعة تعزف سيمفونية وجده. كنت أبحث عن سر هذا الجمال الأخاذ وسر تضحيات العطاء المكتنزة في داخله ويغمرني إحساس بالفرح والبهجة عندما ألمح الطير يهبط بخفة وينتقل بين ضفتيه بحرية مخترقاً الهواء المنغَّم بحفيف الأشجار والنباتات المتنوعة الثرة. أتمعن في تلك الرؤية متمنياً أن أكون مثل النيل أنبه الناس بفيضاني وأسرق منه سر الخلود. وأنا صغير تنبهت الى تغيرات اللون المنعكسة في عبور الزمن والفصول.. فنيلي لم يكن أزرق كما علموني كان يحمل كل الألوان، فضياً في منتصف النهار وذهبياً وأحمر عند الغروب، متألقاً في الصباح بلباس العروس مزدهياً بما حوله.. يتدثر دائماً بغلالة من النسيم الحميم ويزمجر بخشوع. كانت الأفكار تطوف بخاطري وتنسج عبر الأيام صور ومشاهد في ذاكرتي من صفاته وطمعه وروحه.. وتجمعت قطرات بعيدة وفاضت لسريانه، وتجمعت في ذهني فيض من سيله. هذه المجموعة من الأعمال من وحي ما أحس به، وما تعلمته منه فهو واهب الوجود ومصدر إلهامي في حياتي. (2) حسين جمعان أصعد تلة.. تلة عالية كثيرة الزخرف، لا أحسُ بنصب، إنتشت روحي بنشوة غامرة.. رؤيتي كل هذا الوجد المتألق لأعمال تضرب خيامها عند نبع الألوان الزاهية.. تشف بثوبها الفردوسي فتجدد خلايا الروح وأدرك أن الحياة تنعم بالسعادة.. الألوان، الإيقاع، الملمس، الصدى، الأبعاد، النسق، التباين، الاستلهام المكلل بحس الرؤية الثاقبة المهمومة باللون المنتقي ولغة السؤال والتأويل فكان لي ألق التمعن للجة النيل وهمسه وأرض برائحة الماء والعشب وبين الحضرة والنور صلاة للقمر وسرير المراعي لجزيرة يسورها الماء. كيف يهمس النيل في معاجم الفصول في أعمال الفنان راشد المنتشية بالمسافات والرمز والأفكار.. تلك التكوينات الهامسة النافرة، المنسجمة، المستقرة، العابثة، الضاحكة. أحياناً بما حولها. يقدم الفنان الزلفى والقرابين والحنين من لهف بسحر النيل سليل الفراديس، لغة تعبر عن شجنه الطفولي والفكري أقرب الى التبتل والضراعة، الشطح والهيام والتقديس، وبين النيل والخيال سر مكنون.. الألوان الفاكهة وتهاليل الندى بنشوة الماء. راشد يعيد صياغة الواقع ويجسده رمزياً في عمله الفني وفقاً لرؤيته.. كائنات وأحداث حاضرة وغائبة- فيقبل الدلالات المتعددة المتنوعة فنتوصل لحقائقها الروحية والنفسية هو إبداع تم إنجازه من أجل ان نتأمله وفق شروطه ووفق تفرده، لأن الصورة تتولد في إحساسه وعقله وتكاد تصبح محسوسة ومرئية فيعيد تركيب صورتها باهتماماته الفكرية والعملية، فنرى همسات النيل في إيقاعات موسيقية تشكل مع بعضها البعض ذلك النغم الرائع! راشد يحرك حواسنا لحقول الألوان الزاهية المشرقة التكوين والرقة بلغة جديدة في مجالنا التشكيلي (mono print) كإرتطام الأعنة بالركض، للروح العذبة من وهج الشواطئ ولطفولتنا الحانية - لو قيض لي أن أعيش فيها - فأدرك أنها يقظة الحلم لهيكل اللوحة الخالدة الجديدة عند الفنان راشد دياب