يقول العارفون إن القانون يحكم العلاقات المتغيرة بين مؤسسات المجتمع وبين ظاهرات الواقع، التي تتسم بالتفصيل والتنوع والتعقيد. والدين يضبط أخلاق وسلوك المجتمع، ويشرع لضمانات العدل فيه. لهذا، تقوم الرابطة بين القانون والدين على منهجية تعبر عن حاكمية النص التشريعي على إلتباسات الواقع، وتشير إلى دوره في التأسيس لآليات البناء المجتمعي، والتنمية بأشراط القسط على الأصعدة المختلفة، إذ يعتبر القانون علماً اجتماعياً، موضوعه الإنسان، الذي يجعله الدين يضبط سلوكه مع نظائره، ويقوم أعماله وردود أفعاله. وهدف القانون ضبط الجماعات الإنسانية، حتى لا تترك العلاقات بين الأفراد، عائلية أو اقتصادية أو سياسية، فوضى ينظمها كل واحد منهم وفق رغبته ومشيئته. وتحقيقا لهذه المعاني المتلازمة، دعا سمو الأمير الحسن بن طلال إلى نشر ثقافة الوعي القانوني بين جميع الناس، من خلال التركيز على برامج التعليم ووسائل الإعلام المختلفه. واكد سموه، في افتتاح مؤتمر «الدين وحكم القانون في الشرق الأدنى»، الذي نظمه المعهد الملكي للدراسات الدينية، بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية، بعمان برعاية سموه، يومي 27 و28 فبراير المنصرم، أكد على أهمية انعقاد المؤتمر والقضايا التي يتناولها، قصدا لتحقيق التفاهم والتعاون المنشود بين الشعوب، داعيا إلى إيجاد قانون عادل بمعايير موحدة توائم بين الدساتير والقوانين المختلفة بما يمكن الإنسان من القيام بواجباته على الوجه الأكمل، بغض النظر عن لونه أو جنسه أو عرقه. وقال سمو الأمير الحسن إنه منذ أحداث الحادي عشر من أيلول بدأت الأمور تتغير وبدأنا نلاحظ إن الاجندة الأمنية تتغلب على مختلف الأمور الأخرى على مستوى العالم. مشددا على أن «الأمن الحقيقي هو الأمن الذي يحرر الإنسان من كل أنواع الجوع، بما فيها الجوع للاستقرار والأمن والحرية عبر التمكين القانوني»، ومتفقا في ذلك مع ما قال به الفيلسوف اللاهوتي الفرنسي جاك بسوت «حيث يملك الكل فعل ما يشاءون لا يملك أحد فعل ما يشاء، وحيث لاسيد، فالكل سيد، وحيث الكل سيد فالكل عبيد». لذا كان لا بد للمجتمع من نظام يحكم العلاقات بين الناس ويفرض الأمان في المجتمع، لا أن يفرضه سيد بقوة القمع المادية. ويلاحظ أن هذا الفهم لدور القانون الاجتماعي قد كشف عن تحولات جوهرية أوجدها الأساس الديني للاجتماع البشري، خاصة الإسلام في منطقة الشرق الأدنى، ونهض بأعباء تطويرها النظام السياسي، ممثلا بمؤسسات التشريع. وأشر المؤتمرون لجانب أساسي ومهم في مسار التجربة الإنسانية حيث بينوا أن هذا النظام قد أوجد فضاء واسعا للحرية والتنمية وحماية حقوق الإنسان، منجزا بذلك العديد من التحولات الإستراتيجية، التي يعود فضلها إلى السلطة التشريعية باعتبارها الجهة المنوط بها استطلاع حاجة المجتمع والعمل على تشريع القرارات والبت بالخطط والمشاريع، إضافة إلى دور المشاركة السياسية، التي يجسد مصداقيتها وعمليتها ويمنحها المعنى القاصد للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وأعاد سمو الامير الحسن التأكيد، على الحقيقة التي مافتئ يرددها، وهي أن الأديان السماوية الثلاثة تشترك في القيم الإنسانية والأخلاقية، مبينا ضرورة أن يتضمن أي نظام ناجح ثلاثة ركائز رئيسية هي؛ الحريات بمفهومها الحديث، وقدسية الحياة البشرية، وبناء وإنشاء قوانين للحرب،مع التأكيد على كل ما يمكن للسلام في الأرض، ويشيع الطمأنينة بين الناس. فالتشريعات القانونية تعد مرآة تعكس حقيقة المجتمعات، ثقافة، وأعرافا، وتقاليد، فمن خلالها نستطيع التعرف على النمط السياسي والاقتصادي والاجتماعي لأي مجتمع لا سيما المجتمعات ذات الاتجاهات الأيديولوجية التي تحكمها تشريعات تصدر عن هذه الاتجاهات، وتصب فيما يحقق الفلسفة الفكرية للاتجاه السائد. ولقد أثارت الآراء الجريئة والمعمقة اهتمام المشاركين في المؤتمر بإجالة النظر في كل ما طرح من أوراق ثرة المادة، وحفزت الحضور لنقاش بالغ الأهمية حول ما يتعرض له الدين الإسلامي خاصة من محاولات النيل والتحريف وغرض التشويه، بما في ذلك وصم الدين الحنيف بالعنف، واستباحة حقوق الناس، مسلمين وغير مسلمين، من قبل جهات مغرضه خارجية، تسهل مهمتها حماقات ارتكبها من بين ظهرانينا من أساؤوا للدين ورسالته النبيلة ومعانيه العظيمة. وعند بحث المشاركين عن الغايات في المذاهب القانونية المختلفة وجدها أنها متنوعة، وربما تختلف فيما بينها وتتعارض؛ مما جعلهم يبحثون عن الغاية الأسمى فيما عند المسلمين من مثاليات الدين، لتكون هي المرجع عند تعارض الغايات القانونية الوضعية الأخرى. لقدكان هدف المؤتمر، الذي شهدت إنتظام فعالياته الجمعية العلمية الملكية الأردنية، مناقشة موضوع علاقة الدين بالقانون، وما اعترى هذه العلاقة من علل أربكت المعادلة السلمية التي تمكن القانون من أن يستنير بأفضل قيم العدالة والمساواة المتضمنة في صميم الشريعة السماوية، دون أن يؤدي مثل ذلك التفاعل المتحرك، لأي شكل من أشكال الجمود، الذي لا هو من صفات الدين ولا من صفات القانون، كما كان الهدف تشخيص بعض مواقع الخلل ومصدر العلل والبحث عن الوسائل اللازمة لتجاوز آثارها البغيضة. وهكذا يبتغي المسلمون المتدينون في الإسلام ما لا يرجون في غيره، فإذا كانت الشريعة الإسلامية، حسب الإعتقاد الديني، تهدف لبناء مجتمع أمثل، فالتساؤل يمتد إلى ما هو الهدف العام لهذا المجتمع، ويتفحص الغاية الأسمى لدستوره ولقوانينه؟ وبتعبير آخر؛ ما هو الإطار العام للمجتمع الإسلامي، ذلك الإطار الذي يتناول بالإضافة إلى الجانب التشريعي للمجتمع، الحقول التربوية والاخلاقية والعرف والعادة؟ والإطار العام للمجتمع إنما يعرف إذا أدرك الناس من هو الإنسان؟ وما هو سر وجوده في هذه الدنيا؟ وما هو هدف حياته؟ وما هو مصيره؟ وكيف يعيش عيشة فاضلة راضية؟ بل إذا عرفوا ما هي الكائنات ولماذا خلقت؟ لأن الإنسان جزء منها في بيئة كاملة متكاملة. لهذا، نظر إلى الوصايا الأخلاقية التي تتصل بالفقه على أنها أساس ركين للقانون، ودُرِسَت القيم الفاضلة كنظريات تتعلق بالحياة. كما دُرِسَت الأحكام التشريعية كأهداف، لأن الدنيا في إعتقاد المسلمين، بنيان رصين يعضد بعضه بعضاً. وكذلك الأمر فيما يرتبط بالموضوعات الاجتهادية، التي تحتاج إلى خصوص النظر بسبب شدة غموضها وعمق صلتها بالحكم؛ مثل عمليات الاقتصاد والمصارف والعقود الجديدة، بل وفي مثل طريقة إحقاق العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة، ومع الإستيعاب المتقدم للمتغيرات الاقتصادية الهائلة، وفهم مسؤوليات الدولة الحديثة والعلاقات الدولية الثنائية والجماعية، وما يتصل بها من أنظمة سياسية واقتصادية وبيئية واجتماعية وثقافية. وقد أمن المشاركون في المؤتمر على أن فهم حُكم القانون في هذه الأمور بحاجة ماسة إلى اجتهاد في فهم فقه قيم الشريعة، والحكمة المقصودة منها، أي ما يعرف بمقاصدها. حيث يسهل بهذا الفهم تمييز المجتمعات المحكومة بنظام الإسلام القيمي، والملتزمة بحكم القانون، وتلك التي أدمنت الاجراءات الإستثنائية والمحاكم العسكرية، وقوانين الطوارئ، والتي تؤدي إلى تعطيل كل التطبيقات العملية لحكم القانون، والإصرار على إعدام كل مظاهر التدين في المجتمع، سواء كانت هذه المظاهر عقدية أو أخلاقية، فكرية أو سلوكية، فردية أو مجتمعية، أي إلغاء فكرة العدالة في الإسلام بوصفها جسراً يأخذها تجاه حكم القانون.