للرائع دوماً اسحق الحلنقي اغنية للفنان صلاح مصطفى يقول مطلعها: مشي أمرك يا قدر انت احكامك مطاعة لو حصل نحن افترقنا والليالي الهم أضاعا لمسة الذكرى المعاي تبقى زاد روحي ومتاعا مشي امرك ياقدر اجمل ما في هذا المقطع قول الشاعر إن الذكرى تتحول الى زاد ومتاع يستصحبها الانسان في رحلة الحياة وقريب من ذات المعنى قول محمد عوض الكريم القرشي: الذكرى للحبان أجمل اشارة هي للقلوب مرآه وللحب منارة وقبل هؤلاء ذهب أحمد شوقي امير الشعراء في جارة الوادي إلى ذات المعنى في قوله «والذكريات صدى السنين الحاكي» ولا ادري ان كانت لتلك العبارة الشائعة ايام شبابنا التي تجدها مكتوبة في الجدران المدرسية «اذكرونا ان للذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان» صلة لما ذكره الشاعر بعبارة اخرى هل هذه العبارة ترجمة سودانية لما قاله أحمد شوقي؟ ولكن يبقى تصوير الحلنقي هو الابدع واذكر ذات مرة اتصل بي صديقي الدكتور عبد العظيم محمد صديق من امريكا التي طالت غربته بها وقال لي إنه عندما تنط عفاريت الغربة في رأسه ويشعر بالضيق والانقباض يلجأ إلى الذكريات ويشغل شريطها في ذهنه وبالفعل اخذ عبد العظيم يعدد لي مواقف من المرحلة الثانوية والجامعية اللتين درسناهما معاً، أدهشني بدقة التفاصيل التي اوردها وعندما قلت إنني قد نسيت تماماً الكثير من هذه التفاصيل، قال: لي لانك لم تحتج إليها وانا في الغربة اضطر اضطراراً للوصول إلى آخر جراب الذكريات واخراج كل محتوياته والتأمل فيها وبهذا تصبح الذكريات زاداً ومتاعاً بحق وحقيقة، ينبغى السؤال هل يتذكر الانسان الأشياء الجميلة وينسى غير الجميلة في اغنية لابراهيم عوض تقول: «الذكري الجميلة لو تعرف معناها ?? لادنيا بتزيلها ولا الآخرة بتمحاها» فالشاعر يربط رسوخ الذكرى وبقائها بجمالها، ولكن لذات ابراهيم عوض اغنية تقول «اليوم البمر وين نلقاهو تاني» فهنا المعنى اشمل فاي يوم يمر على الانسان سوف يتحسر عليه مهما كان شكله لانه لن يعود وسيمضي معه العمر، وسؤال آخر ما الذي يبعث الذكري في الانسان؟ هل لحظات الضيق والعنت، كما قال صديقنا عبد العظيم أم اللحظات الجميلة كما جاء في اغنية عبد الحميد يوسف: «اذكريني يا حمامة كلما هطلت غمامة» يبدو لي ان استدعاء الذكريات يمكن ان يرتبط باللحظات السعيدة وغيرها. إذن الذكريات تعطي للحياة الماثلة التي يعيشها الانسان حالياً قيمة اضافية، لانها سوف تتحول إلى رصيد ومتاع سوف يستفيد منه الانسان في مقبل ايامه بعبارة اخرى ان اللحظات الحالية والتدافع اليومي في حياتنا ينبغي عدم الاستخفاف به. لانه سوف يتحول الى مخزن في الدماغ سيلجأ إليه الانسان حتماً في يوم ما، فالحاجة للذكريات أمر حتمي وذلك لسبب بسيط وهو ان الانسان اذا لم يمت مبكراً سوف يدركه الكبر والعجز «أكان الموت خلاك الكبر ما بخليك» فالانسان يفقد كل يوم جزءاً من قدرته عندما يتخطى مرحلة الشباب فقواه الجسمانية تضعف واستمتاعه بملذات الحياة يضعف لذلك يحن لايامه السالفة ويخرج جراب الذكريات ويبدأ في الالتهام منه، فعندما نجد شخصاً طاعناً في السن يتحدث عن الغناء ايام زمان والكورة ايام زمان والرجالة ايام زمان فانه يحن الى شبابه ايام كان يستمتع بهذه الاشياء لذلك فاننا نقول لاهلنا في بلاد الغربة وإلى الشعب السوداني الفضل بصفة عامة هونوا عليكم فان الضيق والعنت الحالي سوف يتحول الى ذكرى تقتاتون بها عندما تبدأ الجوارح في الاستقالة من الحياة تدريجياً. وكل جمعة والجميع بخير.