يعتبر أبومروان بن حيان بين مؤرخي الأندلس اصدقهم رواية وأبلغهم أسلوباً وأبرعهم نقداً.. فقد اسفرت البحوث عن العثور على قطع مخطوطة من تاريخه الكبير وضع امام الباحثين والعلماء والمحللين مادة غزيرة من تراث هذا المؤرخ البارع امكن في ضوئها تقدير أهمية هذا التراث بالنسبة لتاريخ الأندلس بصفة عامة وبالنسبة لتاريخ العصر الذي عاش فيه ابن حيان.. وهو عصر إنهيار الخلافة وعصر الطوائف بصفة خاصة هذا فضلاً عن خواص منهجه التاريخي واسلوبه النقدي. وابن حيان ولد بقرطبة سنة (773ه) أي (789 ميلادية) تسعمائة سبعة وثمانون ميلادية وكان أبوه خلف بن حيان من وزراء المنصور بن أبي عامر وكانت قرطبة غدت يومئذ اعظم مركز للدراسات الممتازة بالأندلس وأضحت جامعتها الشهيرة منذ أواخر عهد الحكم المستنصر وأوائل عهد المنصور اعظم الجامعات الاندلسية وهناك درس ابن حيان الحديث والادب واللغة تلميذاً لعلماء شوامخ امثال ابوحفص عمر بن نايل المحدث، وأبو عمر ابن أبي الحباب النحوي صاحب ابي علي القالي وابو العلاء صاعد بن الحسن البغدادي نزيل قرطبة واخذ عنه كتابه (الفصوص) كانت نشأته الارستقراطية وعلائق أسرته بالاوساط العليا تتيح له حسن الاطلاع والوقوف على شئون الدولة ودراسة مختلف التيارات السياسية.. وشهد ابن حيان في شبابه سقوط الدولة العامرية وما تلاه من ترنح الخلافة الأموية. ثم انهيارها. وقيام دولة الطوائف في بداية القرن الخامس الهجري ولا ريب ان هذه الاحداث المثيرة التي مزقت وحدة الوطن الأندلسي قد اذكت مخيلة ابن حيان وصقلت قلمه وأمدته بكثير من التعليمات وبكثير من التعليقات الصائبة والملاحظات النقدية القوية التي تقرأ في معظم ما كتبه عن حوادث عصره.. أشهر كتب ابن حيان هو كتابه «المقتبس في أخبار أهل الأندلس» وهو تاريخ للاندلس حتى عصره أي إلى عصر الطوائف.. الكتاب كان ضائعاً ولكن بطول البحث تجمعت منه عدة قطع مخطوطة جمعت من المكتبات المغربية.. وبهذا الجهد أصبح من المتاح ان تعطي هذه الأجزاء العديدة فكرة واضحة عن كتاب (المقتبس) وهو بلاريب أقيم ما في تراث ابن حيان التاريخي، وقد اشتهر ابن حيان في عصره بصدق الرواية وبلاغة الاسلوب مما يجعلنا نرى على ضوء معاييرنا المعاصرة ان ابن حيان يقدم إلينا أقيم الروايات وانفسها واحفلها بالتعليقات النقدية وان اسلوبه التاريخي يتسم بروح علمي ونقدي بارز.. ويكاد ابن حيان ان يضارع مؤرخي المشارقة المسلمين.. المسعودي وابن الاثير وانه يجمع في اسلوبه القوى بين بلاغة العرض التي يمتاز بها المسعودي وبين روح التحقيق والنقد التي يمتاز بها ابن الأثير. وابن حيان يعني عناية خاصة بايراد الوثائق الرسمية المهمة وهو يورد لنا منها عدة وثائق لا نجدها في أي مصدر آخر من مصادر التاريخ الأندلسي مثل كتاب الحكم بن هشام عن (ثورة الربض) وكتاب الناصر في الحملة على ابن مسرة وتعاليمه الالحادية وكتابه عن موقعة الخندق وغيرها وهي وثائق لم تتوافر إلاَّ في تراث ابن حيان المخطوط. ابن حيان كتب غير (المقتبس) مؤلفين آخرين هما (المتين) وهو ايضاً تاريخ للأندلس تبالغ بعض الروايات في وصف ضخامته وتصفه بأنه يقع في (ستين جزءاً) وكتاب (المآثر العامرية)، أي أخبار الدولة العامرية. وهو ايضاً مؤلف ضخم يقص فيه ابن حيان سيرة المنصور بن ابي عامر وتفاصيل غزواته وله فوق ذلك كتاب «البطشة الكبرى» وهو رسالة تتضمن تفاصيل سقوط دولة بني جهور امراء قرطبة الذين خدمهم ابن حيان ولم يصلنا شيء عن هذه المؤلفات الاخيرة غير بعض الشذر التي نقلها الكتاب والباحثون المتأخرون. عاش ابن حيان اكثر من تسعين عاماً وتوفي في اليوم السابع والعشرين من شهر ربيع الأول سنة (964ه) الموافق (13 أكتوبر عام 6701) أي في «الف وست وسبعين» ودفن بمقبرة (الربض) في جنوب شرقي قرطبة وعلى مقربة من (نهر الوادي الكبير) وكانت مثوى العظماء والكبراء.