( صلاح شكوكو ) مثلما أننا إنصرافيون في كل شيء فإن أي قضية إنصرافية تأخذ منا زمنا كبيرا .. بل أن هذه القضية تدخل دائرة اهتمامنا فننسج منها وحولها روايات وحكايات تدور بين الناس .. ثم ترتد إلينا من حيث أتت مرة أخري وقد حملت في بطنها أجنة وإنشطارات وزيادات .. وهكذا هي الصحافة الرياضية عندنا .. تهتم بقشور الموضوعان والأشياء وتترك لبها .. تعطي هذه القشور قدرا كبيرا من التركيز .. حتى إذا ما عادت إليها مرتدة صدقتها وأخذت تتعامل معها باعتبارها حقيقة واقعة .. قرأت منذ عدة أيام موضوعا حيرني كثيرا .. موضوع يتعلق بمعسكر المريخ بالدوحة والذين حلوا ضيوفا على أحد الأندية القطرية في مكان معد للضيافة ولعلة فندق أو نحو ذلك .. ولعلني لم أهتم بتفاصيل المكان باعتباره ليس حدثا في ذاته يستحق الاهتمام فالمهم أن تحس البعثة بأنه مكان ملائم للإقامة فيه .. لكن المحير حقا أن القوم بينما كانوا في كنف الضيافة حملت إليهم الخدمات أكوابا رسمت عليها شكل هلال .. مما أثار حفيظة أهل المريخ والذين بصورة أو أخرى اعتبروا الفعل دسيسة موقوتة في قلب معسكرهم .. الى هنا والأمر ( ظني ) ولكل إنسان الحق والحرية في التصور والتخيل والظن ( إلا ما كان إثما ) لكن أن يصبح الحدث قضية يتداولها الناس أو أن ينبري لها إداري حصيف للحديث حولها وتحويلها الى قضية .. هنا تصبح الواقعة إفلاسية خاوية .. ويصبح الأمر ( قلة شغله ) . وكرد فعل للحدث ذاته ترد رابطة أهل الهلال بالدوحة ببيان انبرى لصياغته عصبة من القوم وكأن هناك قضية تستحق هذه المرافعة والمدافعة والتوضيح .. حيث ضخمت القضية وتخمت المسألة وأصبحت ( الحبة قبة ) . هذا الأمر يذكرني بمثليات كثيرة .. فقد تحدث القوم من قبل حول ( الكديسة ) التي صوروها عبر التلفاز والصحف والمنتديات ونسجوا حولها الأقاويل وقولوها مالا تطيق وحملوها أكثر من المواء .. وكذا ( نقالة الهلال ) التي أسموها تندرا ( بعنقريب الغفير ) ولم يسلم إستاد المريح من ذلك إذ ظل ينعت بالحفرة ردحا من الزمان الى أن تحول من حفرة إلى تحفة . كيف تحول هذا الإستاد الحفرة الى قلعة وتحفة زاهية من البهاء رغم أنه مازال حفرة ؟؟ والحفرة تعريفها في لغة :- تجويف في الأرض .. أو حيز سلبي عن سطح الأرض .. إذن هل كانت المؤاخذة على الحفرة في ذاتها أم في البناء القابع فوقها ؟؟ فالحفرة مازالت حفرة لكن المبنى هو الذي تألق فوقها .. مما يعني أننا كنا نتحدث عن الظل بينما الفيل أمامنا . نعم .. لا ضير في أن يتندر الناس حول المواقف كنوع من ( القفشات اللطيفة والظريفة ) .. بل أن هذا اللون من الإستظراف مطلوب جدا .. للخروج من نمطية الأداء الرتيب ومتاهة الشقاق الذي أتحفتنا به الأيام .. لكن أن تصبح هذه الموضوعان مادة تلوكها الصحافة ليل نهار .. فهذا هو الإسفاف عينه . ماذا لو شرب المريخيون بأكواب وأباريق أهدتها لهم أسرة الهلال وفيها مافيها من نقوش الأهلة وألوانهم ؟؟ وممهورة باسم الهلال ؟؟ ثم ماذا لو أن أهل الهلال حملوا شارة المريخ على قمصانهم ؟؟ ثم ماذا لو أن الهلاليين وضعوا نجمة كبيرة زينوا بها صدر قاعتهم الجميلة ؟؟ وفعل أهل المريخ ذات الشيء ؟؟ ماذا كان يمكن أن يضير أهل المريخ لو أنهم سكتوا عن المألوف وتركوا الهلال يزين مئذنة مسجدهم البهي ؟؟ من المسئول عن شحنة الترصد والتحفز والعداء ؟؟ ولماذا تحولت الرياضة التي كان من المفترض أن تهذب النفوس ، إلى وسيلة للفرقة والتحزب والعداء . نعم تحولت الرياضة إلى كل ذلك لأننا خلطنا المواقف .. وبنينا من الحبات قبابا ومن القباب مزارات .. فتداخلت القضايا ,أصبح الموقف برمته ضبابيا .. وقاد الإعلام الناس إلى متاهات غيبت لون الحقائق حتى تخندقت الألوان والجماهير وسمعت الناس الهدير والزئير .. وتحول الإعلام عن دوره المناط به إلى دور كورالي تعيس .. مداده الهتاف ودق الطبول وحمل البخور .. واستعداء الآخرين .. نحن في حاجة ماسة لنتعرف على أدب التنافس والاختلاف والحب .. والى تعلم معاني السماحة والسمو فوق الجراحات والمسالب والمآخذ .. نتعلم أن الرياضة أصلاً كانت لتهذيب النفوس والارتقاء بها إلى مصاف التصالح مع النفس والآخر . متى نتعلم الإهتمام بالقضايا الكبري على حساب المواقف الإنصرافية الآنية التي لا تدوم ؟؟ متى يتعلم أهل الصحافة والتوجيه عندنا أن هناك هموما كبيرة تنتظرهم ؟؟ متى سيدرك هؤلاء أن مقعداتنا مثل الجبال وتحتاج الى عزم الرجال ومواقف الأبطال ؟؟ متى يدرك هؤلاء أن الصحافة في زمن الغفلة قد شربت الجماهير بقيم كرست العداء والتشرذم والبغضاء ؟؟ متى يدرك هؤلاء أن إصحاح البيئة الرياضية يجب أن يكون همهم ؟؟ نعيب زماننا والعيب فينا .... ومالزماننا عيب سوانا .. للكلمة شرف وللمهنة شرف وللرجال شرف .. والشرف قيمة واحدة .. متى نلتف حولها ؟؟ على الكتاب أن يدركوا مكنونات الأبيات التالية :- وما من كاتب إلا سيفنى ..... ويبقى الدهر ما كتبت يداه فلا تكتب بخطك غير شيء ....... يسرك في القيامة أن تراه ملء السنابل تنحني بتواضع ... والفارغات رؤوسهن شوامخ صلاح محمد عبد الدائم ( شكوكو ) [url="mailto:[email protected]"][email protected][/url]