سونا يعاني المجتمع الاسلامي من اشكال عديدة من التطرف السلوكي الاجتماعي خلال تعاملاته اليومية وهي انماط من السلوك تتنافى ووسطية الاسلام وخيريته من مثل المبالغة في كل شيء في المأكل والملبس وفي الترفيه بوسائله المختلفة ، وفي الحزن والفرح وصولا الى التطرف في اعتناق الافكار في مواجهة افكار اخرى مما يغيب المرونة النفسية والذهنية اللازمة لتقبل افكار وسلوك الاخرين، ونقف من خلال هذا التقرير قليلا لنتلمس معانى الوسطية فى الاسلام وضرورته فى سلوك المؤمن فى الوقت الذى يكثر فيه مظاهر الغلو والاسراف والتطرف وتتجلى أكثر خلال شهر رمضان ما بين اسراف في مشاهدة الفضائيات أو لعبة معينة أو الغلو في زهد الدنيا وتركيز الجهد الانساني في العبادة بشكل اقرب الى الرهبة في حين انه لا رهبة في الاسلام، وحتى عندما جاء الأمر الالهي بالاعتكاف في المساجد فقد تحدد ذلك بالعشر الاواخر من شهر رمضان. و تنطلق الوسطية في الاسلام من القيم والمبادئ التي ترتكز على خيريتها مصداقا لقوله تعالى (كنتم خير أمة اخرجت للناس)، وخير الامور اوسطها وانه من ابرز ملامح هذه الخيرية هي حب الخير للناس جميعا والتمسك بطاعة الله ورسوله ، وذلك لا يتم بدون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يقود الى اصلاح الدين والدنيا، كما ان الوسطية هي دليل الخيرية ومظهر التميز في الماديات والمعنويات، ففي الامور المادية نجد ان افضل حبات العقد أواسطه، وفي الامور المعنوية نجد التوسط دائما خيرا من التطرف، وان ابرز ما يميز وسطية الاسلام هو التوازن بين الامور الروحية والاخرى المادية، وجمعه بين الاصالة والمعاصرة وحسن التعامل مع المتغيرات. وان هذا المنهج من شأنه ان يحقق للانسان طمأنينة القلب والحياة الطيبة التي تملؤها السكينة. و الاسلام يرفض ثقافة الكراهية والعنصرية فالاسلام دين جاء بالاساس لانقاذ البشرية جمعاء مما كانت تتخبط فيه من صنوف الفساد والفرقة والانحلال، وعلى ذلك فان المجتمع الاسلامي الصحيح والوسطي هو الذي تنعدم فيه النزعة العنصرية التي تمزق النوع الانساني الواحد الى عروق واجناس و ألوان حيث تأبى شريعتنا اي شكل من اشكال التعصب أو اضطهاد جماعة لاخرى بسبب عرق أو لون أو دين، كما ان المنهج الحضاري للاسلام يقيم علاقات بين ابنائه على أسس من التسامح والعدل والبر والرحمة. والقرآن الكريم في كثير من اياته المحكمات قد أكد علي أهمية الحوار، وقامت عليه الدعوة منذ خلق البشر، وقد علم القرآن اتباعه أدب الحوار كما في قوله تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن) لان الاسلوب الهادي هو الذي يستميل قلوب المخالفين ويجعلهم يستمعون للرأي الآخر بقلوب مفتوحة. ولابد من التأكيد على أهمية ان يبذل الدعاة المعتدلون في الفكر جهودهم خلال شهر رمضان لتمكين وسطية الاسلام في نفوس وسلوك المسلمين وان يتم تكريس هذه الوسطية لتصبح فعالا معتادة، خاصة وان منهج الحوار مع الحضارات كان هو سبيل الدولة الاسلامية في التعامل مع الشعوب التي تحت لوائها وهو منهج يتسم بالحرية والتسامح والسلام والطمأنينة وعلينا العمل على تمكين واكد الكثير من علماء الاسلام داخل السودان وخارجه على ان وسطية الامة تأتي من خيريتها، وان هذه الخيرية قد أخرجها الله تعالى بمشيئته، فارادة الله تعالى هي التي جعلت من عباد الحجر زعماء للبشر ومن قبائل متناحرة الى أمة واحدة متماسكة ذات حضارة سادت العالم، وهذا يعني ان الامة الاسلامية مطالبة بادراك حقيقتها كقائدة للامم بما انها هي خير أمة وان كانت هذه الخيرية مشروطة بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك من منطلق ان التفاضل بين الناس معياره التقوى والايمان بكل تجلياته في السلوك الانساني الذي يكرس لقيم العدل في الارض، كما ذهب العلماء بان القيمة تضيع عندما تكون شعارا فاقدا اهمية تحويله الى سلوك، ولذلك نجد رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول (لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). وعلى ذلك فان الامة لها منهج عرفها القرآن بأمة الوسط، والأمة الشاهدة على الناس وهذا يعني ان الشهادة على العالم لا تتم الا بالمنهج الذي جاء به الرسول ويشهد علينا بتبليغه لنا يوم القيامة منهج الخيرية والوسطية الذي اذا فقدته الامة الاسلامية او انقطعت عن مصادرها فانها تتفكك وتتشرذم الى قبائل وعشائر وطرائق عدة. كما ذهب علماء الازهر بان المنهج الوسطي في الاسلام يعني تفعيل القوة البشرية وتوقيتها روحيا لتطبيق شريعة الله قولا وسلوكا على الارض بما يحقق السلام الاجتماعي والامان فالاعتدال والوسطية يقود الى مجتمع متماسك البنيان قوامه فضائل الاخلاق وما يترتب عليها من تنامي الشعور بالمسؤولية تجاه النفس والاهل والوطن. ويوصي العديد من العلماء بضرورة ان نستثمر جميعا شهر رمضان المبارك في الدعوة الصحيحة لمنهج وفكر الوسطية وان تتكامل جهود الدعوة والتوعية في المساجد والمدارس والنوادي خلال رمضان مع جهد التوعية على الفضائيات العربية والاسلامية، وهي الفضائيات التي يمكن ان تلعب دوراً مهماً في نشر قيم وسطية الاسلام اذا نحت الاثارة جانبا واخلصت النية في خدمة الاسلام والمسلمين وخدمة الانسانية جمعاء عندما تنتشر مقاصد الشريعة الاسلامية لتتحول الى سلوك رشيد والى علاقات طيبة بين البشر يسودها التسامح والاستقرار والتعاون والتكافل، وهنا لايمكن ان نعاني من اي شكل من اشكال التطرف الفكري او الارهاب بل سيقتلع من جذوره اذا احسنا غرس منهج الوسطية في نفوس الناشئة وحتى الكبار.