(النسيم لا يصل للممرات البعيدة، وشجرة واحدة لن تكون غابة). هذا ما يقوله الصينيون ويعملون على تجاوزه، لذلك مدوا أغصانهم لتظلل مساحات شاسعة من العالم عبر مبادرة الحزام والطريق التي تقوم على مبدأ التعاون بسلام بين الشعوب، لأجل التنمية والتطور والنماء. بالأمس تحولت الأنظار إلى مقاطعة قانسو ومدينة دونهوانق الواقعة شمال غرب جمهورية الصين الشعبية لمتابعة فعاليات المنتدى الإعلامي لمبادرة الحزام والطريق لعام 2017م الذي أصبح حدثاً عالمياً ومنصة تنطلق من خلالها المبادرات والرؤى لتحقيق النهضة والرخاء في كل الأرجاء. هذه المرة تجددت (روح طريق الحرير) بمشاركة (303) صحافيين واعلاميين مثلوا (126) دولة من قارات الدنيا، ليكتسب المنتدى اهتماماً متزايداً في كل عام. ترعى المنتدى الاعلامي السنوي لمبادرة الحزام والطريق صحيفة الشعب، وهي أكبر صحيفة يومية في جمهورية الصين، والأكثر تأثيراً وانتشاراً في العالم. وتشارك (الإنتباهة) في هذا الملتقى سنوياً، حيث كنا حضوراً هذه المرة برفقة رئيس قسم الشؤون الدولية الاستاذ المثنى عبد القادر لتغطية هذا الحدث الذي جذب اهتمام كبريات الصحف ووكالات الأنباء، فصارت الدول الاوروبية والآسيوية تدفع بكبار ممثليها دعماً وتعريفاً للمبادرة التي اطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013م، وحققت نجاحاً منقطع النظير على أرض الواقع. رسمت (دونهوانق) الدهشة على وجوه ضيوفها وهي تفتح خزانة أسرار (كهوف موقاي) وتبث فيهم سحر (بحيرة الهلال) وتسمح لهم بالتجول في دهاليز وغرف قصر الإمبراطور الذي يعود تشييده لآلاف السنين. مقاطعة (قانسو) تجمع بين ثقافة النهر الأصفر ومواويل المزارعين وتنوع مهارات تجار طريق الحرير وحكمائه، وتحتضن (7) معالم تراثية عالمية شكلت مع طبيعتها ذات الغابات الكثيفة والجبال المغطاة بالثلوج والرمال، لوحة استثنائية حازت على إعجاب الزوار حتى سموها متحف العجائب الطبيعية. حققت مدن المقاطعة قفزات تنموية هائلة بفضل تنفيذ مشروعات مبادرة الحزام والطريق، وانسابت حركة التجارة وتدفقت رؤوس الأموال بصورة غير مسبوقة. وصحبت ذلك اصلاحات كبيرة في البنى التحتية، وتم افتتاح خطوط حديدية وجوية جديدة، إلى جانب مناطق للتجارة الحرة ومعرض (دونهوانق). كما أنشئ اتحاد للسياحة في طريق الحرير. وصلت حركة البضائع والتبادل التجاري بأوجهه المختلفة إلى المدن البعيدة عبر المطارات والموانئ البرية والبحرية، وتم تدشين (6) ممرات اقتصادية مع دول مجاورة أسهمت في تنشيط الأسواق ودرت أرباحاً شجعت على الاستمرار. حسنت مبادرة الحزام والطريق من آليات النقل والمواصلات وبلغ عدد رحلات القطارات (4) آلاف رحلة، وصلت إلى (11) دولة و (29) مدينة عالمية. وتم التوقيع على (16) اتفاقية ثنائية مع (15) دولة، أثمرت فتح (353) خطاً لشحن البضائع. عززت المبادرة روح التعاون المشترك، فتجاوبت حكومات الدول الصديقة معها على كافة المستويات، وفتحت نوافذ جديدة مرت عبرها الكثير من الفعاليات والاتفاقيات، وخلقت مفاهيم وأفكاراً تحولت إلى تجارب واقعية أثرت في المجتمعات وحققت قفزات تنموية هائلة. المنتدى الإعلامي لمبادرة الحزام والطريق فرصة ذهبية لأي صحافي للقاء قادة الاعلام في العالم لاكتساب مزيد من التجارب والخبرات. وللتشاور والتفاكر حول مستقبل الصحافة الورقية في ظل التطور الكبير للإعلام الجديد. ممثل (الديلي ميل) البريطانية قال في كلمته إن الصحافة الورقية لم تطور ادواتها، لذلك استسلمت وتنازلت عن بعض أراضيها لوسائط التواصل الاجتماعي، ولكن هذا لا يعني زوالها، بل ستظل عنواناً للمصداقية والرصانة التي يفتقدها الإعلام الرقمي. هذه النظرة الواقعية التي يرى بها قادة الإعلام المستقبل المهني تفرض على الصحف الورقية بمختلف لغاتها وتوجهاتها وسياساتها التحريرية أن تسعى لاستعادة مجدها وبريقها بمواكبة ايقاع العصر، والابتعاد عن التقليدية بابتكار أدوات جديدة وقوالب صحافية أكثر تشويقاً تشبع بها رغبات القراء وتعيدهم للمكتبات بصفوف متراصة لمعانقة الصفحات وما فيها من أخبار وقضايا وتحقيقات. تظل الصحف (رغم جور الزمان عليها) منارات سامقة ترسم خريطة طريق التنمية والسلام، وتسهم في تنوير المجتمعات ونهضتها سياسيا واجتماعيا وثقافيا وفنيا ورياضيا. * التالي