( صلاح شكوكو ) درس بليغ يقدمه المنتخب العراقي وهو يفوز بكأس القارة الأسيوية وبجدارة وإقتدار .. فقد نسف جسور الرافدين كل نظريات المحللين الذين كانوا يبنون تحليلاتهم على الإستقرار ويراهنون أن الأستقرار السياسي والإقتصادي هو الوسط الذي يتيح قدرا كبيرا للإنتصارات والتفوق .. فالمنتخب العراقي قد أحرز نصرة في وسط مليء بالمرارات والإحتراب .. بل في وسط يعاني من الفوضى السياسية والتقتيل والتمزق والتشرذم والتشيع والتكفير . بل أن الحياة اليومية نفسها أضحت جحيما لايطاق .. بل أضحى الإنسان نفسه هدفا للموت بسبب أو بدون سبب .. بل أن أكثر من ( 15 ) شخصا في بغداد قد لقوا حتفهم وهم يحتفلون بأحدى إنتصارات الفريق بسيارة مفخخة . أما تجانس الفريق نفسه فحكاية تروى في بطونها آلاف الحكايات .. لأن الفريق العراقي يتشكل من كل الوان الطيف السياسي .. بكل تناقضاته الواقعية التي عجزت من أن تقدم نفسها كبديل مقنع .. مما يجعل هالة الإستغراب تستحوذ على الجميع . ففي ظل هذا الواقع العجيب .. وبين أسنة الرماح جاءت إنتصار العراق .. التي أشاعت الفرح في هذا الواقع الحزين ليجد الناس فسحة للفرح وللتغني للوطن بعد أن عجزت القيادات في تحقيق أي قدر من ذلك . كابتن الفريق العراقي وهدافه (( يونس محمود )) كان قد صرح لأحدى الصحف الماليزية بأنه لا يملك إلا هذا القميص الوحيد الذي يرتديه ويقوم بغسله يوميا للمباراة التالية .. بينما الآخرون يرفلون في مباهج الرفاهية . في هذا الواقع المجنون يحق لنا وللجميع أن يسأل عن الدافع الذي جعل هذا الفريق أن يقهر الآخرين وأن ينتصر ؟؟؟ وكيف إستطاع هؤلاء أن يقهروا الحزن وأن يصنعوا كرنفالا للفرح .ز ويقدمونه كبديل للمعاناة اليومية ليتحول العراق الى مسرح كبير للفرح ؟؟ الجواب ببساطة وهو هذا الواقع ذاته هو الذي أحسه العراقيون وهم يتدثرون الوطنية .. ولعل شعلة الوطنية فيهم هي التي صنعت المستحيل وحولت الحزن العميم الى فرح كبير . هذا المشهد ينسف نظرية الظروف من أساسها .. ويؤكد أن هناك عوامل أكثر أهمية من الإستقرار والإمكانيات التي نحملها أكثر مما تستحق .. إذ ليس بالإمكانيات وحدها يمكن أن نصنع النصر ... ولو كانت الإنتصارات تتأتي بالمال لإستحوذ الخليج على كل البطولات . بل أن الساسة العراقيون قد تسابقوا على الإحتفاء بالفريق .. بل أن الكثيرين قد تسابقوا لتنصيب الفريق كرئيس للجمهورية بإعتباره الجهة الوحيدة التي إستطاعت أن توحد الشعور القومي وأن تشحذ الهمم نحو الوطن . أما المدرب البرازيلي العجوز (( جوفان خابيرا )) مدرب المنتخب العراقي الذي كان عقده مع الفريق لمدة شهرين فقط .. فقد إستحق التقدير لسب واحد هو هذه المغامرة التي قام بها حيث قبل المهملة في هذه الظروف .. فلو أخفق لتسودت صفحاته بينما هو الآن يجد الإحترام والإشادة من الجميع . ونحن بدورنا نود أن نجري إسقاطا للحالة العراقية في بلادنا التي تعاني ألوانا من التناحر والتشرذم والإنقسام السياسي .. والبلاد مقبلة على إنتخابات مصيرية وإستفتاء مصيري أيضا .. وحالة من الوهن الإحتقان السياسي . فهل يستطيع لاعبونا أن يوحدوا أطيافنا السياسية لتكون بنكهة السودان .. وأن يكون السودان في حدقات العيون من خلال الفوز بكأس الدورة الأفريقية القادمة بغانا .. أم أن مشاركتنا ستكون مجرد تواجد مادي ومشاركة ولن تتعد ذلك ؟؟ أمنية نتمنى أن تلامس تراب الواقع العجيب .. صلاح محمد عبد الدائم ( شكوكو ) [email protected]