تلعب الدبلوماسية الشعبية دوراً كبيراً في التواصل بين البعثات الدبلوماسية العاملة في السودان ومختلف أطياف المجتمع السوداني، وذلك دون حواجز أو بروتكولات تمنع هذا التواصل انطلاقاً من انفعال الدبلوماسيين بالعادات والتقاليد السودانية المنفتحة. ودرج بعض الدبلوماسيين على تنظيم زيارات راتبة وعقد لقاءات مع المواطنين ومشايخ الطرق الصوفية خاصة في شهر رمضان ومشاركتهم إفطاراتهم بصورة جماعية كان آخرها ما قام به المستشار السياسي والإقتصادي بسفارة الولاياتالمتحدة الإسبوع الماضي وبرفقته (15) موظفاً من السفارة بالإفطار في مسيد أحد الطرق الصوفية ومشاركة المواطنين إفطارهم في حيّ الكلاكلة جنوبيّ الخرطوم . وبدأ إهتمام الدبلوماسيين الأمريكيين بهذا الجانب الشعبي القائم بالأعمال في السفارة الأمريكية السابق ستانفورد عندما زار في العام (2011م) خلاوي الشيخ ود بدر في أم ضواً بان ، كما زار مجموعة من الخلاوي بالجزيرة . ويري عبد الرحمن أبوخريس الأستاذ بالمركز الدبلوماسي بوزارة الخارجية أن هناك رأياً راسخاً وسط السياسيين الغربيين بأن الطرق الصوفية يمكن أن تكون البديل للجماعات الإسلامية المتشددة والمتطرفة ، فهم يرون تاريخياً أن هذه الطرق ليس لها تطلعات للوصول للسلطة رغم أنها تكون مشاركة بشكل ما ، ولكن إهتمامها ينصّب في نشر الإسلام ولم تبرز منها أي دعوة للعنف والتطرف . ومؤخراً نشر السفير الإيطالي بالخرطوم فابريزيو لوبيسا صورة له مع إبنه وهما يرتديان الزي الشعبي السوداني وذلك علي حسابه في تويتر ، وهذه ليست المرة الأولي التي يظهر فيها مسؤولون أجانب بالزي السوداني لا سيما خلال شهر رمضان وهم يشاركون السودانيين الإفطار الرمضاني ، فقد ظهر مدير العلاقات العامة بالسفارة الأمريكيةبالخرطوم كيث هيوز قبل أيام وهو يرتدي الزي السوداني في الإفطار الرمضاني مع مجموعة من السودانيين . وقبل أن ينشر تغريدته : "لماذا صُمت؟" علي صفحة بلاده في فيسبوك ، لا يعرف أحد أن مدير قسم الشؤون العامة بالسفارة الأمريكيةبالخرطوم كيث هيوز كان صائماً حينما شارك في دعوة إفطار وجهت له من بعض السودانيين ، وتفسيراً لصيامه قال هيوز : أحاول دائماً أينما كنت فهم الممارسات الدينية لجيراني ، لكن في السودان أنا "فضولي بشكل خاص" ، وتابع : بعد أن عشت هنا لفترة تقارب العشرة أشهر أرغب في الإقتراب من الأشخاص الذين أراهم كل يوم لفهمهم ومساعدتهم علي فهمي أنا كأمريكي ، لهذا السبب صُمت وقبلت دعوات الإفطار خلال شهر رمضان ، ولقد ساعدني الأمر في التواصل مع السودانيين روحياً وكأشخاص . ومؤخراً لبي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس وعدد من المندوبين الدائمين بنيويورك دعوة إفطار بعثة السودان الدائمة بالأمم المتحدة ، وقال السفير عمر دهب مندوب السودان الدائم بالأمم المتحدة أن تلبية الأمين العام للأمم المتحدة لدعوة الإفطار مؤشر جيد لتوطيد العلاقات ، وأشار إلي أن الدعوة شملت الممثلين الدائمين لمنظمة التعاون الإسلامي والإتحاد الأفريقي ومنظمة الهجرة الدولية ، وأبان دهب أن الإفطار عكس الأجواء السودانية والمأكولات الشعبية التي تنتظم السودان خلال شهر رمضان المبارك . ونجد أنه لا يوجد دبلوماسي أمريكي توفده واشنطن إلي الخرطوم حتي يجد نفسه مندمجاً مع الشعب السوداني بمختلف أطيافه ويتواصل معهم دون تعقيدات أو خوف ، علماً بأنه قبل مجيئه قيل له أنه ذاهب إلي بلد يرعي الإرهاب وإنّ عليه أن يكون حذراً ، لكن سرعان ما تتبدل تلك الصورة لدي وصولهم ويجدون أنفسهم أصدقاء للسودانيين ويتبادلون معهم الزيارات ولا يتواني بعضهم عن إرتداء الزي السوداني ، وبدموع الحزن يغادرون لدي إنتهاء فترة عملهم ويصيغون مفردات مؤثرة تُعبر ضمنياً عن ظلم بلادهم لهذا الشعب المسالم . "أنا حزين جداً ولكن كانت فترة ممتعة وممتازة" ، هكذا إستهل السفير البريطاني السابق بالبلاد مايكل آرون حديثه إلي الشعب السوداني من المتحف القومي في الخرطوم ، وأضاف إن السودان مختلف من قبل ثلاثين عاماً إلا أن الشعب ما زال محتفظاً بما عاصره خلال وجوده قبل (30) عاماً من عادات وتقاليد ، وقال آرون إن من بعض أفضل ذكرياته كانت حضور حفلات الزفاف السودانية والذهاب إلي مباريات كرة القدم ومشاهدة مصارعة النوبة والسفر إلي معظم أنحاء السودان ، وتابع : عندما يسألني أحد ما إذا كنت متشائماً أو متفائلاً بشأن مستقبل السودان أقول دائماً إنني متفائل بسبب الشعب وهو أهم ثروة للسودان . وعلي ضوء ذلك يتضح لنا أنه من الطبيعي جداً أن يتجول السفير الأمريكي وغيره بملابسه الرياضية في شوارع الخرطوم ، فضلاً عن تلبية دعوات المناسبات والإفطارات الرمضانية من دون حراسة ، وهو ما يشير إلي وجود إختراق ضمن الدوائر الدبلوماسية إلي تمتع السودانيين بالحميمية وإستعدادهم لقبول الآخر والتعايش معه ، فضلاً عن وجود حالة من الطمأنينة العالية نتيجة لتوفر مناخات من السلام والأمن .