عادل فضل المولى هل تدفع زيارة السيد أندرو ناتسيوس مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص للسودان في دفع العلاقات "من حالة السيولة" بين الخرطوم وواشنطون إلى الأمام..؟ ربما تكون الإجابة الأولية بنعم، على خلفية الحراك الدبلوماسي الأخير بين البلدين، غير أن كثيراً من المراقبين يشيرون إلى أن ملف العلاقات الثنائية رهين بإحداث نقلة كبرى من جانب الخرطوم، فيما يتصل بملفات مهمة ليس بينها –كما يبدو للعيان– ملف دارفور الذي تطرق عليه واشنطون بقوة من حين لآخر. ولا بأس بالتذكير أن الحراك الدبلوماسي نشط منذ زيارة وزير الدولة بالخارجية السيد السماني الوسيلة لواشنطون الأسبوع الماضي، حيث قال عقب عودته، إن المباحثات التي أجراها هناك كانت "صريحة ومفيدة وإيجابية وجرت بشفافية عالية وسيكون لها مردود ممتاز وجيد على العلاقات بين البلدين"، وأضاف: "لا نتوقع أن يكون ذلك، أي –المردود – ما بين يوم وليلة ولكن استطيع أن أقول إننا أرسينا أساساً قوياً". ونقلت مصادر أن بعض "ثمار" هذه المباحثات الصريحة، التي شملت معظم القضايا على الساحة السياسية في السودان، تمثلت في "تفكير واشنطون في رفع الحظر الاقتصادي المفروض على السودان منذ 1997، مع بدء انتشار القوات الأممية في دارفور خلال أكتوبر المقبل، ورفع اسم السودان من لائحة الدول الداعمة للإرهاب (المُدرج فيه من عام 1993) بعد نجاح الخرطوم في ضبط وكشف خلايا إرهابية كانت تخطط لضرب المصالح الغربية"، وكذلك موافقة واشنطن على إطلاق سراح اثنين من السودانيين المعتقلين بغوانتانامو، وزاد من تفاؤل البعض، ب"حقيقة هذه الحوافز الأمريكية"، التصريحات التي قال بها القائم بأعمال السفارة الأمريكية في الخرطوم البرتو فرنانديز عقب لقائه الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل مستشار الرئيس والأمين السياسي بحزب المؤتمر بعد أن عزا في ضحايا حادثة ود بندة بشمال كردفان، حيث أدان أولاً الهجوم على المنطقة من قبل الحركات المتمردة، وقال إن بلاده "لا علاقة لها بحركات التمرد في دارفور".. كما توقع فرنانديز استمرار الاتصالات بين الخرطوموواشنطن خلال الأسابيع والأشهر المقبلة على خلفية مباحثات السماني الأخيرة، وقال إن بلاده تبحث "كيفية زيادة الثقة بين الجانبين"، ونقلت الأنباء أن المسؤول الأمريكي أعرب عن أمله في أن تكون هذه الخطوة –الحراك الأخير– فرصة ذهبية لتحسين العلاقات". وفي السياق نفسه ستشهد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية الشهر الجاري –على الهامش– لقاء بين نائب وزيرة الخارجية الأمريكية جون نغروبونتي والدكتور لام أكول وزير الخارجية السودانية لبحث الشأن الثنائي.. ومجمل القول هنا إن سطح العلاقات بين البلدين يشهد حراكاً إيجابياً، غير أن كثيراً من المراقبين لا يتوقعون أن يفضي هذا الحراك إلى تطبيع العلاقات –على الأقل– عوضاً عن تطويرها إلى درجة التعاون في ظل غياب (الشروط الأخرى)، إذ أن هذه العلاقة تمثل لغزاً "ظاهره التوتر المعلن وباطنه التعاون إلى درجة بعيدة)، وهو ما يستعصى على كثير من المراقبين فك شفرته بالمعطيات المنظورة. ويقول كولن توماس جنسن المحلل الإقليمي في مؤسسة انترناشيونال كرايزس غروب (آي سي جي) عن هذا الوضع –حالة التوتر المعلن والتعاون الخفي– "إن الولاياتالمتحدة يتجاذبها أمران: هناك قلق حقيقي لدى البيت الأبيض وضغط من الكونغرس بالتأكيد من أجل وضع حد للفظائع في دارفور، لكن الهدف الاستراتيجي الأعلى للولايات المتحدة في القرن الأفريقي هو محاربة الارهاب". ويشير جنسن إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي.آي.ايه) استضافت مسؤولاً كبيراً في المخابرات السودانية في العام 2005 على متن طائرة خاصة لحضور سلسلة اجتماعات لمدة أسبوع في محيط واشنطن بشأن التعاون في محاربة الإرهاب حيث يُصنف السودان ب"الشريك المهم في الحرب على الإرهاب". الأمر الذي يدفع بعض المراقبين للجزم باستفادة الخرطوم من هذه الوضعية في تعاملها مع ملف دارفور رغم التهديدات العديدة التي تطلقها واشنطون وحليفاتها -باريس ولندن- بتوقيع عقوبات على الخرطوم "حال رفضها" للقرار (1706) سابقاً وحالياً "حال عرقلتها" القرار (1769) وهما القراران الصادران عن مجلس الأمن بشأن دارفور، وقد رفضت الخرطوم الأول ووافقت على الثاني، كما هو معلوم. إذاً، لا شأن لملف دارفور بقضية العلاقات بين الخرطوم وواشنطون، إذ أنها لا تعدو أن تكون القضية المستخدمة وفق "التكتيك المرحلي لا الاستراتيجي"، لأن واشنطون –حسب رأي بعض المتابعين- درجت على استخدام "قضية ما" وتوظيفها في علاقتها مع الخرطوم لأهدافها هي، لا وفق مقتضى العلاقات في صيرورتها الطبيعية. جريدة السوداني.