وجدت التغييرات السياسية الأخيرة بالسودان ترحيباً كبيراً علي المستويين الإقليمي والدولي ، وسارعت العديد من الدول للترحيب بالتغيير والتأكيد علي دعم ومساندة الحكومة الجديدة في الفترة الإنتقالية القادمة. وكانت بداية البشريات لعودة السودان للمجتمع الدولي، هي مسارعة الحكومة الألمانية لإعلان دعمها اللا محدود للسودان وفتح آفاق التعاون الإقتصادي للإستفادة من الموارد الإقتصادية التي يتمتع بها السودان، وتقديم مساعدات إنسانية للسودان بقيمة “15” مليون يورو، وإستعداد ألمانيا لإستئناف التعاون التنموي مع السودان والذي كان متوقفاً لفترة طويلة. وجاء الإعلان الألماني لدعم السودان خلال زيارة وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس، الذي وصل للسودان مؤخراً برفقة وفد يتكون من (30) من كبار الشخصيات بينهم (9) يمثلون أكبر الشركات الألمانية، وهي الزيارة التي أعطت إشارة قوية لإندماج السودان مع الأسرة الدولية، نسبة لما تتمتع به ألمانيا من أهمية ومكانة كبري في المجتمع الدولي، حيث تحظي بالعضوية غير دائمة بمجلس الأمن، ونفوذها الكبير وسط دول الإتحاد الأوروبي. وقد أكد هايكو خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، أنه سيقوم بنقل ما شاهده من تطورات في السودان لإجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي ستنعقد نهاية الشهر الجاري بنيويورك حتى يعلم المجتمع الدولي بحقيقة الأوضاع بالسودان. فيما أقر حمدوك بأن التحدي الإقتصادي كبير ولكنه أكد إمكانية معالجته، وقال إن البلاد بحاجة إلى معالجة تدهور سعر الصرف ووقف التضخم وإعادة الثقة بالقطاع المصرفي، مشيراً إلي أن حكومته تهدف على المدى الطويل إلى زيادة الإنتاج في البلاد لتعزيز الإقتصاد وخلق بيئة ملائمة للإستثمار، مشدداً علي ضرورة إزالة السودان من لائحة الدول الداعمة للإرهاب مبشراً بأن هنالك مؤشرات بحصول تقدم في سبيل ذلك قريبا. ويتطلع السودان للعودة بقوة للعالم الخارجي عبر البوابة الألمانية، حيث تعتبر زيارة الوزير الألماني للخرطوم أول زيارة لوفد أوروبي بهذا المستوى الكبير منذ تسعينيات القرن الماضي، الذي شهد دخول السودان لعزلة دولية تامة أدت إلى تدمير الإقتصاد الوطني وحرمانه من الاستثمارات الأجنبية، وهو ما أشار إليه الوزير الألماني بأن السودان يواجه تحديات إقتصادية وأمنية وإن مجموعة أصدقاء من أجل السودان التي تم تشكيلها مؤخراً تعمل لحشد الدعم الدولي من أجل إدماج الإقتصاد السوداني في الإقتصاد العالمي، وتضم المجموعة دولاً هامة في المحيطين الإقليمي والدولي مثل “أمريكا، بريطانيا، ألمانيا، النرويج، السعودية، مصر، الإمارات، قطر وإثيوبيا”. ودعا وزير الخارجية الالماني حكومة السودان لمضاعفة الجهد من أجل رفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب بإعتباره من أكبر العوائق أمام السودان في التعاون مع المجتمع الدولي، كما أشاد بالشجاعة التي تحلى بها الشعب السوداني في ثورته الأخيرة، مشيرا الى السلمية التي إتسمت بها مقدماً التهنئة بنجاح الثورة نيابة عن الشعب والحكومة الالمانية . فيما لم تتأخر الخارجية السودانية بالترحيب بالضيف الكبير، حيث قال السفير محمد عبد الله التوم مدير الإدارة الأمريكية والأوروبية بوزارة الخارجية، فى تصريحات صحفية، عقب إستقباله للوفد بمطار الخرطوم الدولي برفقة وكيل وزارة الخارجية السفير عمر دهب: إن السودان يرحب بزيارة وزير خارجية ألمانيا، والتى تعتبر أول زيارة لمسؤول ألمانى رفيع منذ عام 2011، مؤكدا أن هذه الزيارة لها مغزى فى إطار جهود ألمانيا بشأن قضايا الاقتصاد والسلام بالسودان. ووصف المراقبون العلاقة بين البلدين بأنها تتميز بالطابع الإستراتيجي نسبة للإعتبارات المتعلقة بالدور المؤثر للسودان في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي الذي يتماشي مع سياسة ألمانيا الوقائية لتفادي اندلاع النزاعات عبر تعزيز السلام والأمن والحوكمة الرشيدة، كما إهتمت المانيا بملف التسوية في دارفور وتعاونت مع الخرطوم في ملفات الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب في الفترة السابقة. ويأتي الترحيب السوداني بزيارة الوفد الألماني إستناداً للإرث التأريخي للعلاقات بين البلدين والتي تعود مسيرتها إلى حقبة ما بعد الاستقلال في العام 1958م، وأشار الخبراء والمهتمون بالعلاقات السودانية الألمانية بأن برنامج التعاون التنموي مع السودان الذي أعلن الوزير الألماني إستئنافه كان يتضمن في ذلك الوقت مساعدات إقتصادية وفنية من ألمانيا، فضلاً عن الدعم للتلفزيون السوداني، وإنشاء مصانع للسكر ومحطات للكهرباء والطرق ومراكز التدريب المهني.