هواجس وشائعات جوبا خرجت للرئيس أمس وفى خاطرها توجس اللحظات الأخيرة، وشائعات تترامى هنا وهناك مفادها أن المؤتمر الوطني وحكومته في الخرطوم يضمران أمراً لعرقلة الاستفتاء وجعل نتيجته بؤرة لاشتعال جديد.. الرئيس خاطب هذا الهاجس وهو يقول: ناس باقان ديل مفتكرين إننا (حندك) في النهاية، قبل أن يفتح صفحة جديدة في مسار العلاقة بين الشمال والجنوب أعلت لغة تصالحيه متفائلة تتبنى خيار السلام وتلعن شيطان الحرب. الاستقبال في جوبا كان رسمياً وشعبياً، صفوف المواطنين تراصت على جانبي الطريق المؤدي من المطار إلى مدخل المدينة، الفريق سلفاكير ميارديت وأركان حربه من قيادات حكومة الجنوب والجيش الشعبي كانوا في مقدمة المستقبلين، الجميع خرجوا لاستقبال البشير، بعضهم كان يلوح بأعلام وشعارات انفصالية صارخة ومجموعات صغيرة كانت تدعو للوحدة التي كان صوتها مخنوقاً بعض الشئ في حاضرة الجنوب. أهداف الزيارة الإنطباع المبدئي لتفرس الوجوه والشعارات والهتافات يمنحك الإحساس بأن ظلالاً من الريبة تحوم حول أهداف الزيارة التي تسبق الإستفتاء بأربعة أيام، لكن الرئيس كان موفقاً في توجيه خطابه باتجاه كوامن الظن ومواطن الشكوك، فالخطاب التاريخي الذي وجهه للقيادات السياسية والتنفيذية بحكومة الجنوب من داخل قاعة المؤتمرات الأنيقة داخل المبنى الرئاسي بجوبا أكد على أن الحكومة ماضية في ترتيبات إكمال (تقرير المصير) عن قناعة استندت على أن الوحدة بالقوة لا تعني إلا مزيداً من القتل والتشريد والدمار. رسالة مهمة الرسالة المهمة التي حملها الخطاب أدركت حقيقة مهمة مفادها أن المواطن الجنوبي الذي خرج لاستقبال الرئيس بكثافة حرستها الأجهزة الأمنية بعناية وتدقيق كان ينتظر ما التزم به البشير وهو يقول أن نتيجة الاستفتاء ستكون محل احترام وتقدير باعتبارها خيار المواطن الجنوبي. وأكد على أن الشمال لن يكتفي بقبول النتيجة فحسب، ولكنه سيمضي باتجاه توفير الدعم الذي تطلبه الدولة الجديدة حتى تكون قوية لأنه سيكون حريصا على جار قوي ومتماسك، وختم هذه الرسالة بقوله: (ليس هنالك أولى منا بتقديم الدعم لدولة الجنوب). تعزيز الثقة البحث عن تعزيز الثقة بين الشمال والجنوب عبر تأكيد التزام الدولة بتطبيق السلام وصولاً إلى حق تقرير المصير كان من ضمن الإشارات المهمة في خطاب الرئيس البشير الذي ذكر أن الإنقاذ تبنت - تقرير المصير - عن قناعة وأنها لن تنصب (صيوان عزاء) إذا حدث الانفصال لإيمانها بأن السلام الذي كان ثمنه وحدة البلاد لابد أن يدوم. الحدود الناعمة الرئيس عمد خلال هذه الزيارة إلى طمأنة الجنوبيين على ممتلكاتهم وأرواحهم وأموالهم في الشمال، والتشديد على أن حدود الشمال والجنوب لن تتحول إلى (حيطة) تفصل بين المواطنين، وإنما ستكون (حدوداً ناعمة) تتيح حرية الحركة والتنقل واستمرار التداخل المبني على علاقات تاريخية. دعوة السودانيين لتقديم (الدرس الثاني) للعالم المتربص بأمن البلاد وتقديم صورة تخذل الإعلام الباحث عن القتل والتمزيق والكوارث في السودان.. البشير كان يستشهد بتجربة الانتخابات التي أخرجها الشعب السوداني إلى بر الأمان دون أن يجد الباحثون عن الأزمات أية صورة تغذي حرصهم على مشاهدة القتل والتنكيل، البشير دعا السودانيين ل (خذلان الفضائيات) مرة أخرى. برداً وسلاماً رسائل البشير في جوبا تضمنت (ما نزل برداً وسلاماً) على كل من في القاعة وهو يشدد على أن الانفصال سيكون سياسياً ورسمياً، وأن الشعور بالانتماء الوطني لدى الجنوبيين والشماليين سيجعل من التواصل قائماً بين البلدين. ويدعو الحركة الشعبية لحوار مسؤول حول القضايا التي يمكن أن تحقق المصالح المشتركة وتحافظ على المنافع المتبادلة بين الطرفين مع الاستشهاد بتجربة الاتحاد الأوروبي التي رجحت التوحد حول المصالح بعد سلسلة من الحروب الطويلة. علاقة جديدة خطاب الرئيس في جوبا دشن لعلاقة جديدة بين الشمال والجنوب وهو يستصحب الإجابة على الأسئلة الصعبة ويتجاوز مرارات الخلاف المتطاول مع شريك نيفاشا الحركة الشعبية وينظر بحكمة اقتضتها الأمانة التاريخية والمسؤولية الوطنية التي اختارت له أن يكون في مواجهة الاستحقاق التاريخي للجنوبيين، البشير قال لمن في القاعة: (إن الراجل بيمسكو من لسانو) في سعيه للتأكيد على أن الحكومة أوفت بما وعدت وأنها حريصة على الالتزام بالعهود والمواثيق. القراءة الأولى في الوجوه التي وفدت إلى مطار جوبا كانت تكن تقديراً كبيراً للبشير باعتباره القائد الذي امتلك الشجاعة لتوقيع اتفاقية تمنح الجنوبيين حق تقرير المصير، مقدم الاحتفال الذي خاطبه البشير تكفل بالقول إنابةً عن الجميع إن المواطنين الذين تراصوا على جانبي الطريق الرابط بين المطار والقصر الرئاسي كانوا يرددون شعارات متباينة، الغالبية العظمى كانت تدعو للانفصال وتحمل أعلاماً مكتوب عليها (انفصال) - وآخرون يطالبون بالوحدة ولكن بمختلف تطلعاتهم كانوا متفقين على ضرورة استقبال البشير باعتباره رمزاً منح السودانيين انجاز السلام ووصل به إلى محطته الأخيرة. ابتسامة سلفا الاستقبال كان حميماً وابتسامة سلفا كادت تعلو قبعته أثناء حديث الرئيس، بينما انتبه كثير من الحاضرين إلى أن كلمات الرئيس دوزنت مزاج باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية وجعله يمارس التصفيق في أكثر من مرة. الطقس السياسي منذ لحظة استقبال وفد الرئيس بمطار جوبا كان احتفائياً ومرتباً على نحو دقيق، لكن الشكوك كانت تدور حول أهداف الزيارة، بعض الهواجس الجنوبية التي تتهيب كل ما من شأنه تأخير إرادة الناخب الجنوبي، لكن لو قدر لهذه المجموعات أن تودع الرئيس بذات الكثافة لتغنت بخطابه زمناً طويلاً ولربما طلبت منه البقاء في الجنوب. باي باي حشود الانفصاليين التي التقيتها بجوبا كانت ترفع شعارات مكتوب عليها (باي باي) مع الإشارة للإنفصال، دخلنا جوبا وهذه الروح تتقمص المدينة تماماً، لكن نهاية الزيارة شهدت توارى هذه الأعلام التي امتص خطاب البشير احتقانها وهيأ العلاقة لتفاهمات قادمة. الرئيس أكد أن تطبيق اتفاقية السلام تم تنفيذه بمستوى فاجأ المراهنين على انهيار الاتفاقية تشكيكاً في نوايا المؤتمر الوطني، هنالك خلفية تاريخية سردها الرئيس وهو يستدعي ذكريات الحرب في غرب النوير حينما كان يتقاتل وجهاً لوجه مع رياك مشار، البشير قال إنه جاء من الميدان إلى القصر الأمر الذي جعله يستصحب كل مآسي الحرب ليبدأ فور تسلمه السلطة في بلورة رؤية واضحة لتحقيق السلام. رغبة الجنوبيين الروح التي انتظمت أجواء الشريكين في جوبا أمس، جعلت الرئيس متفائلاً بإمكانية حل أزمة أبيي وتجاوزها قريباً وجعلته يذهب في استعراض مستوى تنفيذ الاتفاق الذي قال إن المؤتمر الوطني ألا يزايد عليه، وانه ماضٍ على تنفيذه حتى النهاية، ويؤكد أن الحكومة في الشمال ستكون أول المهنئين بالدولة الجديدة. اذا اختار الجنوبيون الانفصال احتراماً لرغبة المواطن.. البشير كان يقول إن الحرص على السلام جعل الحكومة تخاطر بالوحدة، وانتقد محاولات المزايدة على مبدأ تقرير المصير، وقال أن القوى السياسية كافة أقرت هذا المبدأ. كلمة الجنوب السيد سلفاكير ميارديت النائب الأول لرئيس الجمهورية، رئيس حكومة الجنوب كان موفقاً في انتقاء عبارات تناسبت مع نوايا المؤتمر الوطني تماماً وهو يرحب بالبشير ويؤكد أنه عارض أصواتاً كانت تنتقد زيارة البشير لجوبا قبل الاستفتاء بأيام... سلفا لم يشأ الكشف عن هؤلاء.. لكنه تكفل بالرد عليهم والقول بأن من حق البشير زيارة جوبا قبل وبعد الاستفتاء باعتباره رئيس كل السودان. وقال سلفا للرئيس: مرحباً بك وسنرحب بكل ما تقوله، قبل أن يفاجئ البشير الجميع بهذا الخطاب التاريخي الذي خفف من حدة التوتر ومنح علاقات الشريكين أفقاً جديداً.. حزمة تطمينات الساعات الخمس التي أمضاها البشير في جوبا بدأت بمباحثات مع سلفاكير ركزت على ضرورة إخراج الإستفتاء بشكل سلمي وأهمية تأمينه وتأمين الشماليين في الجنوب، والجنوبيين في الشمال، كما أن المباحثات تطرقت لوجود مسلحين من دارفور في جوبا، الفرصة كانت مواتية وسط الأجواء المشحونة بالنوايا الطيبة لفتح هذا الملف على مصراعيه.. سلفا أكد التزامه للبشير بعدم السماح بأن يكون الجنوب عمقاً لأي نشاط مسلح يستهدف الشمال ومثل هذه التعهدات التي ستحفظ نقاء العلاقة بذلها البشير لرئيس حكومة الجنوب على نحو رشح التعاون المستقبلي لصعود متواصل في ظل الوحدة والانفصال. الزيارة تضمنت كذلك لقاءً بالقيادات التنفيذية والتشريعية، وآخر بمنظمات المجتمع المدني التي غمرت البشير بكثير من التقدير والاحتفاء.. كان واضحاً إهتمام الرئاسة بهذه الزيارة بالنظر إلى القيادات التي رافقت البشير، فقد ضم الوفد الفريق بكري حسن صالح وزير شؤون الرئاسة ووزراء الداخلية والدفاع والرعاية والضمان الاجتماعي، إلى جانب الفريق مهندس محمد عطا مدير جهاز الأمن والمخابرات وعدد من مستشاري الرئيس وكبار المسؤولين (على كل) فإن زيارة الرئيس إلى جوبا دشنت لعلاقة جديدة بين الشريكين، كما أنها فتحت صفحة بيضاء من غير سوء بين الشمال والجنوب لأنها خاطبت بحكمة مطلوبة هواجس الشريكين وعمدت على طمأنتها إزاء مخاوف أبرزها الإنقلاب على نتيجة الاستفتاء ومستقبل الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب. الرأي العام