أيام قلائل مضت على تنفيذ آخر بنود اتفاقية السلام الشامل والتي تم من خلالها إعلان دولة الجنوب الوليدة، وسارعت كلتا الدولتان لإجراء تدابير اقتصادية ومالية شاملة لمعالجة ترتيبات ما بعد الانفصال. وأصدرت دولة الجنوب أول قرار لها بإصدار عملة جديدة، وأعلنت أنها سيتم التعامل بها خلال الأسابيع القليلة القادمة. وفي نفس الوقت سارعت جمهورية السودان بإجراء عدة ترتيبات وإيجاد بدائل عديدة للبترول، سيما وأن السودان الشمالي زاخر بالموارد من زراعة وثروة حيوانية ومعادن وكذلك البترول. وقد أكدت من قبل وزارة النفط بأن السودان سيتمكن من توفير حاجته من البترول والسعي لتصدير ما تبقى عن حاجته للخارج، وكذلك بُذلت كافة الجهود من أجل انجاح برنامج النهضة الزراعية بإدخال أحدث الآليات والتكنولوجيا الزراعية والبذور المحسنة لزيادة الإنتاج والإنتاجية. وفي نفس الوقت كثفت وزارة المعادن كافة جهودها لاستخراج ما بباطن الأرض من معادن، وكانت الفرحة الكبرى بخروج الذهب في كافة بقاع السودان من شماله وغربه وشرقه ووسطه، ووضعت الحكومة احترازات كبيرة. كل هذه التطمينات تهدف لامتصاص آثار الانفصال حتى لا يؤثر على حياة المواطن المعيشية، حيث أكدت الحكومة أنها قامت بتوفير مخزون إستراتيجي من كافة السلع وبأسعار في متناول يد الجميع، وكان أهم ما أكدت عليه هذه الترتيبات أن السودان سيكون مستقراً اقتصادياً دون الحاجة إلى فرض رسوم أو ضرائب. وفي هذا الصدد قال الأستاذ علي محمود وزير المالية إن إنتاج الشمال من البترول يكفي حاجته تماماً، فيما توقع أن يتضاعف الإنتاج اعتباراً من العام المقبل. وكشف عن توفر مخزون إستراتيجي من الذرة يقدر ب(400) ألف طن، مشيراً إلى أن المخزون لأول مرة يفيض عن سعة المخازن لافتاً إلى فتح تصدير الذرة، وأكد وزير المالية استعداد وزارته التام لتقديم التصور المنشود لتحقيق النهضة الشاملة واستشراف مرحلة جديدة، أبرز سماتها توقف الحرب التي أثرت سلباً على الاقتصاد الوطني. وقال نستهدف تحقيق الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة وتطوير المعطيات وحفز الطاقة البشرية لبناء الوطن، مع المحافظة على العلاقات الاقتصادية وكافة أشكال التعاون الخارجي، مشيراً إلى ارتفاع مستوى دخل الفرد اعتباراً من 9/7 الجاري واهتمام وزارته ببناء القدرات المالية المحاسبية للعاملين، وتهيئة بيئة العمل بما يسهم في تأكيد ولاية وزارة المالية على المال العام، وتفعيل جانب التخطيط الاقتصادي الشامل لتحقيق الأهداف المرجوة، وإنفاذ البرنامج الإسعافي والخطة الخمسية المقبلة 2012-2016م. وقال نعول على تأهيل وتطوير الموارد المحلية وتوجيهها لتأهيل البنيات التحتية وتوفير الخدمات. وجدد وزير المالية والإقتصاد الوطني تأكيده بإستقرار الأوضاع الإقتصادية ومقدرة السودان وإستمراره في تقديم موازنة تستوعب المتغيرات الجديدة. وأوضح إن المالية هدفها العام الحفاظ على الناتج الإجمالي والحفاظ على مستوى إستقرار الأسعار وعدم حدوث أي تضخم، بجانب الحفاظ على مستوى معقول في سعر الصرف للجنيه السوداني، وكذلك توفير السلع الإستهلاكية الضرورية للمواطنين. الدكتور بابكر محمد توم رئيس اللجنة الاقتصادية والمالية بالبرلمان قلل من تأثر الاقتصاد بعد الانفصال، وقال إن المرحلة المقبلة تتطلب زيادة الإنتاج في القطاعات المختلفة، وشدد على ضرورة ترشيد الإنفاق وخفض الصرف الحكومي. وطالب بضرورة تفعيل المحاسبة وولاية وزارة المالية على المال العام. بينما أكد عدد من الخبراء الإقتصاديين ما قاله وزير المالية حول ارتفاع مستوى دخل الفرد بنسبة 12% بعد الإنفصال مقارنة بالفترة السابقة، وقال د. محمد الناير الخبير الإقتصادي أن قسمة الناتج المحلي الإجمالي على التعداد السكاني للبلاد قبل 9 يوليو كان (65) مليار دولار مبيناً أنه عندما سيتم قسمة الناتج على (40) مليون نسمة وهى نسبة السكان قبل الإنفصال فإن الناتج سيصبح حوالي (1625) دولار. وأضاف أنه بعد التاسع من يوليو أصبح تعداد السكان في السودان (33) مليون نسمة مشيراً إلى أن قسمة دخل الفرد يتم بقسمة (60) مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي، وأن بعد القسمة على (33) مليون يصبح الناتج (1818) دولار متوسط دخل الفرد، مقارنة بالمتوسط السابق وبإرتفاع (193) دولار للفرد في السنة. وأكد الناير أن كل المؤشرات الإقتصادية بعد الإنفصال تدل على ارتفاع مستوى دخل الفرد فضلاً عن الإكتشافات النفطية في عدد من الولايات والتي بدورها ستزيد من مستوى الدخل. وكان وزير الدولة بوزارة المالية السابق الدكتور مريال أواو يول قد كشف عن ترتيبات إقتصادية جديدة بين حكومتي الشمال والجنوب بعد التاسع من يوليو المقبل لتقليل آثار الإنفصال فيما يتعلق بحسم تصدير نفط الجنوب عبر أنابيب الشمال. وقال إن عملية الإنفصال لاتمثل هاجساً في المسائل الإقتصادية الموقعة بين الدولتين، وتعتبر مسألة سياسية بحتة مبيناً أن هنالك أسس تعاون إقتصادية متفق عليها تتعلق بتجارة الحدود ونقل البضائع، فضلاً عن حركة النقل النهري للبواخر من ميناء كوستى إلى جوبا. وزاد قائلاً: إن هنالك مباحثات مشتركة تجري في أديس أبابا حول قسمة الثروة بعد التاسع من يوليو، علاوة على توفير ضمانات سياسية لتنفيذ البنود المدرجة في الاتفاقية من القيادة العليا. وأبان بول أن حكومة الشمال لديها مقومات إقتصادية وبنيات تحتية وخط أنابيب متكامل، فضلاً عن وجود مصافي للنفط والموانيء الحديثة للتصدير، كاشفاً عن إجراءات لإمتصاص آثار الإنفصال بتقديم وبذل مزيد من الدعم الفني والإقتصادي وإبداء حسن الجوار. وقال الأستاذ أحمد محمد عبدالله دولة رئيس لجنة الشؤون المالية والتنمية بمجلس تشريعي ولاية الخرطوم أنه يجب وضع سياسات إقتصادية جيدة للمرحلة المقبلة والخروج من هذه المرحلة بأقل الخسائر. واكد ان الشمال سيستمر في نمو اقتصادي ملحوظ ما بعد الإنفصال ولن يكون هناك تأثير، وسيتم التركيز على التعدين والجوانب الزراعية والصناعية الأخرى، بجانب المشاركة في المشاريع الضخمة مع الإلتزام بتقليل المصروفات الحكومية والإنفتاح على الدول الخارجية تجارياً من ناحية الإستيراد والتصدير. وأكد دولة أن شمال السودان لن يتأثر بفقدان بترول الجنوب نسبة للإستكشافات النفطية الجديدة والتي ستعوض ما فقد من بترول. وفيما سبق من اراء فإن المرحلة المقبلة تتطلب بذل مذيد من الجهد لامتصاص آثار الانفصال وتبعاته سياسياً واقتصادياً، ويمكن للسودان تجاوز ذلك عبر تفعيل أمثل للبدائل الاقتصادية .