أعلن نائب رئيس جنوب السودان رياك مشار في بيان الثلاثاء 20 ديسمبر عن مقتل القائد العسكري لمتمردي جنوب السودان جورج أطور في اشتباك مع جنود الجيش الشعبي. وذكر مشار أن الإغتيال وقع خلال اشتباك بين دورية حدودية للجيش السوداني الجنوبي وعناصر كانوا يرافقون أطور بمنطقة موروبي كاونتي. ودعا مشار أنصار الزعيم المقتول الى القبول بالهدنة والعفو، المعلن عنهما، وأشار إلى أن جثته ستسلم الى اقربائه لدفنها، كما دعا جميع الذين انتفضوا ضد الحكومة الى تسليم اسلحتهم، والانضمام الى عملية السلام والتنمية. لكن هل عملية إغتيال أطور تطرح عدداً من الأسئلة في ظل الظروف التي تشهدها دولة الجنوب منذ انفصالها عن الدولة الأم والاشارة هنا لحركة الانشقاقات وبروز كيانات مسلحة تهدد وجود الحركة الشعبية في هرم السلطة. يعتبر من القيادين البارزين في الحركة الشعبية وزميل سلفاكير في الحرب ضد الشمال التي دامت لأكثر من عقدين، وكان يتولى قبل انشقاقه نائب رئيس هيئة الأركان للتوجيه المعنوي في الجيش الشعبي الجنوبي. وقد أعلن أتور تمرده عقب الانتخابات الأخيرة حيث كان مرشحا لمنصب حاكم ولاية جونقلي الغنية بالنفط، واتهم أطور الحركة الشعبيىة وقتها بالتزوير، وقاد على إثرها حربا ضد قوات الجيش الشعبي، وكان قائداً لكبرى الجماعات التي تقاتل الحركة الشعبية بالجنوب. وأشترط ثلاثة شروط لإيقاف الحرب ضد الحركة الشعبية من بينها إلغاء نتائج الانتخابات، وقيام حكومة قومية تحضر للاستفتاء، وقال أطور إنه أجبر على خوض الحرب، وكان من المؤمنين بوحدة السودان في دولة عادلة وديمقراطية، وأعلن أته إذا لم يتحقق ذلك، واختار الجنوبيون دولة لهم.. فإن ذلك لن يكون خياره. من أقواله التي ام تداولها على نطاق واسع قوله "كنت أحارب ضمن صفوف الجيش الشعبي لتحرير السودان، منذ إنشائه عام 1983، من أجل 4 أهداف هي تحقيق الديمقراطية في السودان، والعدالة والحرية والمساواة". وحول الانتخابات التي مثلت نتائجها خيبة أمل كبير بالنسبة له يقول "كنت مرشحا لمنصب والي ولاية جونقلي.. لكن هذه الانتخابات لم تكن حرة أو نزيهة في الجنوب.. فقد جاءت مزورة. وهناك مجموعة صغيرة بداخل الجنوب تريد أن تحتكر السلطة، قامت بالتزوير لصالحها. ورغم أن كل الدلائل تشير إلى فوزي فإن النتيجة جاءت معاكسة.. وحاولت التحرش بي، فأرسلوا مجموعات مسلحة من أجل القبض علي دون أن أعرف سببا لذلك. وبما لي من أنصار ومؤيدين داخل الجيش الشعبي، رفض هؤلاء ما يحدث لي وقامت مجموعة منهم بالتمرد على قرارات قيادة الجيش الشعبي.
تشير العديد من التقارير إلى أن الانتخابات التي جرت في أبريل 2010م كشفت حجم ما تنوء به الحركة الشعبية من اختلافات واختلالات قبلية ومؤسسية في داخلها، مما أحدث تصدعاً وشرخاً عميقاً في داخلها، فقد خرج الكثير من قياداتها على المؤسسية ورشحوا أنفسهم كمستقلين بعد ترشيح غيرهم في مختلف المناصب. لكن المستقلين حزموا أمرهم وترشحوا للمناصب على جميع المستويات رافضين تخطيهم في الاختيار باعتبارهم الأحق أكثر من غيرهم، وأنه تم تغليب البعد القبلي والعلاقات الشخصية في عملية الاختيار. ومن ذلك فقد تم ترشيح كوال مانيانق في جونقلي بدلاً من جورج أطور الذي يرى أنه الأحق من مانيانق، وهو ما أفرز لاحقاً تمرد أطور. وتكرر الأمر في شمال بحر الغزال التي اعتمد مرشحاً لها الفريق فول مولونق أدن مقابل المرشح المستقل داو أطور الذي يرى أنه ينطلق من قاعدة شعبية قوية أكبر. وهناك انجلينا تينج زوجة رياك مشار نائب سلفاكير وابنة والي ولاية الوحدة السابق توماس كوما، فقد ترشحت مستقلة في وجه تعبان دينق الذي يحظى بدعم سلفاكير. وقد لاحظ المراقبون أن مشار انحاز إلى زوجته ولم يتردد في المشاركة في حملاتها الانتخابية رغم عدم رضاء الحركة الشعبية عن زوجته. ويقال أن انجلينا حظيت بمساندة اللواء قلواك قاي الذي ينحدر من (جقي) أحد عشائر النوير التي تعتبر الأقل عدداً بين العشائر الأخرى، وإن كانوا يتمتعون بالشراسة والقوة. ولعل شعور الحركة بأن قاي من عشيرة مضطهدة هو ما دفع لإقصائه من الجيش الشعبي وتعيينه نائباً لمدير السجون في ولاية الوحدة مما اعتبره تهميشاً ولد في نفسه الغبن. وهناك أيضاً ديفيد ياو ياو أحد أبناء المورلي الذي يقود حالياً حرباً شعواء ضد الحركة بالتحالف مع جورج أطور فقد كان يمني نفسه أن يكون عضواً في برلمان الجنوب عن دائرة البيبور، لكن الحركة ابعدته مما جعله يشكل فصيلاً مثّل هاجساً ومهدداً أمنياً للحركة وحكومة الجنوب. تشير العديد من التقارير الدولية حتى قبل الانقصال إلى أن الأوضاع بجنوب السودان تبعث على الصدمة، وتناقلت الصحف ووكالات الأنباء تصريحات لوكيل الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الاغاثة والشؤون الانسانية جون هولمز التي أبدى فيها قلق المنظمة الدولية من ما أسماه بالدمار الهائل والخسائر البشرية والعنف القبلي في جنوب السودان على الرغم من جهود جيدة قال ان الحكومة المركزية في الخرطوم تبذلها لتحسين الأوضاع. وبعد الانفصال لا تزال التقارير تعكس الأوضاع المأزومة وكان آخرها تقرير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة الذي حذر من أن دولة جنوب السودان تواجه أزمة غذائية حادة بسبب عدة عوامل من بينها عدم انتظام هطول الأمطار واضطرابات الأسواق وارتفاع أسعار الغذاء. وقال المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي كريس نيكوي في بيان وزعه مكتب البرنامج بالقاهرة الاثنين 19 ديسمبر "إن موجة شديدة من الجوع على وشك اجتياح جنوب السودان نتيجة لفقد المحصول واضطراب الأسواق، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بمقدار الضعفين أو الثلاثة أضعاف في بعض المناطق مما جعل مئات الآلاف من الأطفال عرضة للإصابة بسوء التغذية في مرحلة نمو رئيسية في حياتهم". وأضاف أنه إزاء هذا الوضع يكثف برنامج الأغذية العالمي عملياته لدعم نحو (2.7) مليون شخص يعانون من الجوع، كما تزامن فقد المحصول الذي نتج عن عدم انتظام هطول الأمطار مع ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية مما أدى إلى تفاقم الصراع واضطراب الأسواق وارتفاع الطلب على السلع من قبل العائدين والنازحين. وأشار البيان إلى أن العجز في الحبوب على المستوى الوطني يقدر بنحو (400) ألف طن للعام القادم، وذلك وفقا لأحدث التقديرات الصادرة عن برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو). وأوضح أنه لحماية عقول وأجسام الأطفال خلال الأيام الأولى من الولادة فإن البرنامج سيوفر مواد غذائية تكميلية مقواه لأكثر من (500) ألف طفل وامرأة حامل وأم مرضع كجزء من عملياته القائمة في جنوب السودان. قبل مدة ليست طويلة استدعى المجلس التشريعي بدولة جنوب السودان وزيري الشؤون الإنسانية والزراعة للمساءلة القانونية حول تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية بدولة الجنوب يوم الأربعاء الماضي. وقال رئيس كتلة المعارضة بالمجلس أنرو أكونج في تصريح صحفي إن نواب المعارضة داخل البرلمان قاموا باستدعاء الوزيرين للتقصي حول الأوضاع الإنسانية والأمنية المتردية، مشيراً الي أن الاستدعاء جاء عقب استفحال المجاعة وتدهور الأوضاع الإنسانية نتيجة للصراعات القبلية بولاية جونقلي الأمر الذي أدى لارتفاع نسبة أعداد اللاجئين، وقال إن دولة الجنوب تشهد ارتفاعاً وغلاء حاداً في الأسعار بالولايات الجنوبية العشر، مشيراً إلى أن تورطها في دعم الحرب الدائرة بولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق بجمهورية السودان ساهم في حدوث حالات المجاعة التي تفتك بمواطني الجنوب. وعزا الوزيرين أسباب المجاعة والنزوح للتغييرات المناخية الطارئة وتأخر موسم الأمطار بجانب عدم وجود الإمكانيات لترحيل اللاجئين. وإزاء هذا الواقع الذي يشهده الجنوب فهل إغتيال جورج أطور سينهي الانشقاقات ويحقق الاستقرار بدولة الجنوب؟!! http://smc.sd/news-details.html?rsnpid=19617 http://smc.sd/news-details.html?rsnpid=20727 http://smc.sd/news-details.html?rsnpid=25045