ترجمة : عبدالله رزق الفصل الثالث انقاذ دارفور عند عودتى لباريس ، فى 25 ابريل ، كان فى بالى فكرة محددة للغاية، بخصوص القيام بعمل لتقديم المساعدة لاطفال دارفور،اذ تتابعت اللقاءات والمواعيد التى قامت بتنظيمها اميليى، خلال غيابى، مع شبكة العائلات،و تواصلت .ومنذ خروجى من مطار رواسى ،وجدتها هناك، لاجل اول لقاء فى باريس مع رئيس مجموعة "ايرجانس دى دارفور"، او طوارئ دارفور.ويسعى هذا التجمع لتعبئة الراى العام لاجل تدخل دولى، ويملك رؤية تكنوقراطية للغاية للمشكلة. ويبدو انه يرى ان حلها يكمن فى الاممالمتحدة. وكأن الاممالمتحدة قد نجحت يوما ،فى انقاذ شعب ما من الخطر.وقد اوضحت لرئيس هذا التجمع وجهة نظرى، تجاه المأساة، التى تجرى حاليا فى دارفور.وحالة العجز والافتقار الى الارادة لدى المجتمع الدولى، للتدخل من اجل انهاء المجازر التى يتعرض لها المدنيون، والجرائم ضد الانسانية، التى يرتكبها النظام الدكتاتورى فى الخرطوم. كما اوضحت له – ايضا - تصورى القائم على تنظيم علمية اجلاء كبيرة لاطفال دارفوراليتامى ، الى الدول الغربية ،لاجل منحهم حق اللجوء ،وفق الاعلان العالمى لحقوق الانسان، ووفق معاهدة جنيف لعام 1951 المتعلقة بحق لاجئي الحرب.فهذه العملية ، تسمح بتحقيق هدفين فى وقت واحد.اولهما وضع يتامى دارفور فى مأمن من المخاطر التى تتهددهم ، وفى نفس الوقت ،وضع المجتمع الدولى فى مواجهة مسؤولياته، تجاه سلبيته التى انتجت هذه الابادة الجماعية. لقد كنا مدركين بشكل تام، لحقيقة ان اجلاء عدة الاف من الاطفال من دارفور، لن يحل المشكلة من جذورها ،وان المهددات التى تواجه الستة ملايين دارفورى، لن تجد حلا لها الا بانهاء الحرب.فالهدف السياسى لهذه العملية، اذن، هو اطلاق حدث ،يتسم باهمية كافية، ليكون عاملا لانتاج رد فعل من قبل المجتمع الدولى. لكن رئيس تجمع "طوارئ دارفور" لم يكن متوافقا مع مبدأ تلك العملية.ففى تقديره، ان ابعاد الاطفال عن مجتمعهم عملية غير اخلاقية، فاجتثاث هولاء الاطفال من جذورهم، من شانه ان يصيبهم بالتروماتيزم. لكن اميلى ،من جانبها ، سألته ان كان من الاخلاقى ، ترك الاطفال يموتون منذ خمس سنوات، مع الاستمرار فى الاعتقاد فى تدخل من الاممالمتحدةبعد مالايقل عن 16 قرارا، اصدرها مجلس الامن الدولى، بقيت ، جميعها، حبرا على ورق. لكنه لم يكن يملك اجابة، ولاحلا بديلا، ليطرحه. ومع ذلك، فقد بقى ،هو الاخر، مقتنعا، بان ذوى القبعات الزرقاء سيتم نشرهم فى دارفور، عام 2007 لوضع حد للحرب، وهو ماسيثبت خطأه التاريخ، فيما بعد. فى وقت لاحق ، بعد الظهر ، قابلت مع اميلى رئيس تجمع اخر، هو تجمع "انقذوا دارفور".وهو مؤيد الى حد كبير لرؤيتنا ولمشروعنا.وقد اقترح علينا- وبدون اى تردد- ان نصدر اعلانا صحفيا مشتركا لاطلاق الفكرة فى اجهزة الاعلام.وقد تكرر نشر الاعلان، فى العديد من اجهزة الاعلام، وفى مواقع الانترنت.فمنظمة ذات عملية كبيرة ،غير مسبوقة ،كعملية اجلاء ضخمة لاطفال من منطقة حرب افريقية، الى بلد غربى تمثل تحديا سياسيا ولوجستيا، ايضا.التحدى الفنى واللوجستى قدرت انه يمكن تجاوزه ، بسهولة. فبتوفر خبرة للعمل على الارض، بجانب فريق كفء للتدخل ، بالاضافة الى القليل من الحس السليم والكثير من الجرأة ،فان مثل هذه العملية قابلة للتنفيذ. اما السؤالان اللذان لم اجد اجابتين لهما حتى نهاية ابريل، فاولهما يتعلق بما سيفعله هؤلاء الاطفال ،واى مستقبل ينتظرهم، وثانيهما يتعلق بكيفية الحصول على دعم سياسى ، لعملية طموحة ترقى لان تكون بمستوى سفلتة البحر أو "تبليطه "،مقارنة بعدم فعالية المجتمع الدولى ، الذى لاشك فى انه لايرضى احدا فى العالم. وقد جاءت اجابة السؤال الاول من الانترنت. فالمعلومات تدور بسرعة بالغة، وفى نفس الوقت،فتجيئ الاجابة من عائلات لها الرغبة فى تبنى اطفال يتامى من دارفور.فالاشخاص الذين استجابوا لندائنا، كانوا كلهم، وببساطة، قد ادركوا ان مشروعنا محدد وفعال، وخلافا لاؤلئك الذين ينتظرون بيأس وصول القوات الدولية. منذ 18 مايو ، حين اطلقنا نداء جديدا اكثر اكتمالا من سابقه، لتعبئة الاسر المتطوعة ، ولاجل استقطاب دعم المانحين لاجل تمويل العملية، لم تكن الاستجابات لتتأخر. فقد بدأت الاسر تتحرك فى مختلف ارجاء فرنسا، وفى دوم توم كما فى بلجيكا وسويسرا وكندا. لقد بدأت الحركة تثمر.كما بدأت تستفز الاخرين ايضا.فقد كانت هناك بعض ايميلات الاساءة، مثلما كانت هناك تهديدات ايضا.ومن عظيم دهشتنا، فان مشروعنا قد انتج احتجاجا من قبل المنظمات المتخصصة ،فى التبنى .وفى الحقيقة، فان هذه المنظمات قد رأت فى مشروعنا لاخلاء الاطفال الايتام من دارفور، تنافسا غير شريف ، مع انشطتهم التجارية. فثمة فهم سائد ، مفاده ان العمل تحت مسمى المنظمات الطوعية او الخيرية، هو من قبيل البيزنيس،وهو احيانا ذو عائد مجز لبعض المنظمات العاملة فى مجال التبنى، ولذلك فان هذه المنظمات مستعدة لعمل اى شى لحماية سوقها. وبناء على طلبها، وكانت دهشتنا كبيرة . كانت اجابتنا صريحة لامواربة فيها : " ان مشروعنا لتبنى اطفال دارفور لايستند الى اطار معاهدة لاهاى، لكنه يتعلق بانقاذ الاطفال من الخطر فى مناطق الحروب ، والذى يمكن ان يتم تسويغه بالحق فى اللجوء، طبقا لمعاهدة جنيف لعام 1951. وقد اكدنا ،بان رئيس "تحالف طوارئ دارفور" ، كان رئيسا لاحدى المنظمات الطبية الفرنسية الكبيرة، التى تتزعم التبنى العالمى فى فرنسا، ومن وجهة نظره، فانه لايتعارض مع الاخلاق ان يتم انتزاع الاطفال من دارفور، مثلما انه لم تكن هناك مشكلة اخلاقية فى انتزاع بضعة فيتناميين او بوركينيين .وقد تركت تلك الاعتبارات الفلسفية والاخلاقية لكبار المفكرين ، وفضلت ان اركز على الواقع ، الملموس، على الفعل. اذ ان هناك خمس سنوات يموت خلالها الناس فى دارفور يوميا. فالحالة المعنوية التى تميز الاطفائيين الانسانيين، هى بالضبط محور الفعل والاتجاه ذو الاولوية. فعندما يحترق منزل ما ، فان العمل الاول والمقدم على الاطلاق، هو اخلاء السكان ووضعهم فى مأمن من النار ، وفى ثانية يتم احتواء الحريق لمنع انتشاره.ومن ثم يجرى العمل على اطفاء الحريق .وفى النهاية ،بعد السيطرة على الموقف، يتم البحث عن اسباب الحريق ، وتحديد الخسائر ، وبعد ذلك يتم اعداد التقارير والتحقيقات والتامين الخ وفق استمارة ،معروفة ،يتم تعبئتها بالبيانات. هذا المنطق الخاص بالتدخل ،لايتعين اتباعه الا بالصورة الصحيحة، لحماية الممتلكات والحيلولة دون امتداد الكارثة. لكن هذا التقدير السليم ليس مكان له فى منطق التدخل الانسانى ولا فى المنطق الاممى.