مرة أخري... وزارة الخارجية الأمريكية, بقيادة جون كيري هذه المرَّة، تجدِّد وضع السودان في قائمة الإرهاب. خلال فترة التسعينات نشطت منظمات «الإغاثة» العسكرية الأجنبية، في نقل السلاح والجنود والمعلومات الإستخبارية، وإشعال حرائق الحرب الأهلية في جنوب السودان وجبال النوبة وجنوب النيل الازرق وشرق السودان....ثم أخيراً في غرب السودان. في نفس اللحظة، بموازاة ذلك، خلال حقبة التسعينات، نشطت المنظمات المتخصصة في حرب الدعاية ضد السودان. حيث تم «بَروَزة» صورة السودان في «أطر» جرائم التطهير العرقي والمذابح والإغتصاب والتعذيب وممارسة الرق والإضطهاد الدّيني والإرهاب وإنتاج السلاح الكيميائي. في نفس اللحظة ، بموازاة ذلك خلال حقبة التّسعينات، أصدرت واشنطن في عهد الرئيس بيل كلنتون قرارات الحظر التجاريّ ضد السودان في نوفمبر 1998م. وقبلها في عهد كلنتون أيضاً، وضعت السّودان في قائمة الدّول الراعية للإرهاب في أغسطس 1993م. وفقاً لسجلات الكونجرس، ابتداءً وضِع السودان في قائمة الدّول الراعية للإرهاب، كان قراراً سياسياً بدون حيثيّات، ولم يزل. واشنطن وجدت الشجاعة السّياسيّة، وقامت بتطبيع علاقتها بجمهورية الصّين الشعبيّة، منذ زيارة الرئيس ريتشارد نيكسون العاصمة الصينية بكين. ذلك بعد أن كانت واشنطن تخطّط في عهد الرئيس آيزنهاور، لاغتيال الرئيس الصيّني ماوتسي تونج. أمريكا وجدت الشجاعة السياسية، وقامت بتطبيع علاقاتها بجمهورية ڤييتنام، التى استخدمت ضدها كل الأسلحة بمافيها الأسلحة الذريَّة، وأبادت الملايين من الڤييناميين. كان ذلك بعد حرب طاحنة قتِل (76) ألف جندي أمريكي، يشهد عليهم اليوم نصب تذكاري في العاصمة واشنطن. أسعفت الشجاعة السياسية واشنطن ، فاعتذرت ل «غواتيمالا» عمّا ارتكبته بحقها في الخمسينات. لكن في حالة السودان، خانت واشنطن شجاعتها السّياسية فوضعت السودان مجدداً للعام العشرين، في قائمة الدّول الراعية للإرهاب . ذلك بعد أن خانها ضميرها ، عندما وضعته في تلك القائمة للمرّة الأولي في أغسطس 1993م . وزير الخارجية الامريكية السيد جون كيري، ربما لم يزل يعيش في جلباب غريمه السّياسي بيل كلنتون. حيث كان جون كيري عام 1992م أحد مرشحى الرئاسة الأمريكية داخل الحزب الديمقراطي . غير أن (كيري) سقط وفاز (كلنتون ) بترشيح الحزب للرئاسة. لكن من الواضح اليوم أن جون كيري لا يزال غير قادر على أن يتخلّص من عبء التراث الخاطئ الثقيل ل (قرينه) الرئيس بيل كلينتون ، بالرغم من أن (كيري) في المناظرات السياسية خلال منافسات سباق الرئاسة داخل الحزب الديمقراطي، كان يقول عن غريمه (كلنتون): إن كلنتون (حبَّة فول سودانى) يسهل كسرها!. بعد وضع السودان بدون حيثيات في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وبعد تجديد وضعه في تلك القائمة للمرَّّّة العشرين، أين هذا الارهاب الذي يقوم السودان برعايته؟. كم طوله وحجمه وارتفاعه ومساحته؟. ومَن هم شخصياته وأين موقعه؟. لماذا مثلاً لم تقصف الصواريخ الأمريكية ، التى أرسلها الرئيس كلنتون من البحر الأحمر ودّمرت مصنع الشفاء للأدوية في أغسطس 1998م ، لماذا لم يرسل تلك الصواريخ الثمانية عشر من طراز (توماهوك) لتدمِّر معسكرات «الإرهابيين» الذين يقوم السودان برعايتهم؟. أين وجدت أمريكا « إرهاب السودان» في البرّ أم البحرّ أم الجوّ؟. «الإرهاب السوداني» موجود فقط في «الذهن الأمريكي»، وليس في الواقع السوداني. «الإرهاب السوداني» يمثِّل إحدى الأساطير التى اخترعتها السياسة الأمريكية. ويعبر عن افلاس قانوني وسياسيّ وأخلاقي. متى تجد واشنطن الشّجاعة السياسيّة لرفع اسم السودان من قائمة الدول الرّاعية للإرهاب؟. سودانياً لن تحصد واشنطن من وضع السودان في تلك القائمة سيئة السّمعة، غير الغضب وفقدان الإحترام ونقص المصداقية. إذا كانت واشنطن ترى أن ابقاء اسم السودان في تلك القائمة ، يمثل ورقة ضغط، لتغيير تركيبة الحكم وخلخلة الثوابت الوطنية، عليها أن تقوم بمراجعة ذلك.