توفيق منصور (ابومي) : المغرب الرباط من وقت لآخر أتناول عبر (smc) سيرة بعض الأسماء التي تؤثر في مسارات العالم سلباً أو إيجاباً خاصة وقد أصبحنا نعيش حقيقة في عالم كالقرية بحيث إذا وقع أي حادث صغير لشخصيةٍ مؤثرة يصعد سعر البترول أو يتغير سعر الدولار ويتأثر الإنسان العادي حتى لو كان في الإسكيمو !! هذا وقد سبق أن تناولت السيد (ثاباتيرو) رئيس وزراء إسبانيا ومحاولاته الجادة والملموسة للتقارب والتفاعل مع العالم الإسلامى والعربي وبعدها (وولفويتز) الرئيس الجديد للبنك الدولي وتاريخه العدواني بخاصة تجاه العرب والمسلمين وبالأخص العراق , و هنا أتطرق في هذه السانحة لرئيس الوزراء الجديد في فرنسا (دومينيك دوفيلبان) .. وبداية أقول أن الشعب الفرنسي قد سجل صوت لوم بطريقة غير مباشرة لحكومته وذلك برفضه للدستور الأوروبي , وقال لحكومته بكل هدوء (نحن غير راضين عن مسار الدولة) , فالشعب الفرنسي كثرت مقارناته لنفسه مع الدول القريبة منه مثل السويد وبدأ يشعر بأنه أضحى في درجة متخلفة , وبدأ يشعر بأن معظم دول أوروبا تنطلق وفرنسا تتراجع .. هذا وقد وجد الشعب الفرنسي ضالته في الوسيلة التي يقول بها كفى ! وكانت الضحية هي الدستور الأوروبي وبعض الرموز الفرنسية , وقد أحدث هذا الأمر زلزالاً سياسياً عنيفاً سوف لن تتوقف في تقديري آثاره وتداعياته في القريب المنظور .. وهنا أشير لما سطره الدكتور (بوشعيب) في (العلم المغربية) حيث كتب : (لقد كان استفتاء يوم الأحد بفرنسا بمثابة الصاعقة على فرنسا وأوروبا معاً , خاصة وأن تسع دول وعلى رأسها ألمانيا وإيطاليا واليونان وبتعداد يقدر ب (450) مليون نسمة قد صادقت على الدستور الأوروبى , حيث اهتز الرأي العام الأوروبي بسبب هذا التصويت الفرنسي السلبي نظراً لكون فرنسا هي إحدى الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي والساعية إلى إقامة الوحدة الأوروبية , كما أنها إحدى الدول التي ساهمت بشكل كبير ببرلمانييها وخبرائها لمدة ثمانية عشر شهراً في إعداد وتدوين مشروع الدستور الأوروبي بحوالي (450) فصل دستوري مشبعة في معظمها بمبادئ الثورة الفرنسية وقيم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كقيم الحرية والمساواة والمبادرة الحرة والعدالة الاجتماعية) (انتهى) .. وعلى العموم أرجو أن أشير بأن هناك الكثير من التحليلات والتخمينات لقضية رفض الدستور الأوروبي من قِبَل الفرنسيين , وهناك في نفس الوقت اندهاش كبير للذي حصل ! أو عدم فهم للذي حصل ! أو تساؤل لِمَ حصل ؟! وقد تضاربت التحليلات , فهناك من أشار إلى أن اليسار قد رفض الدستور الأوروبي باعتباره ليبرالياً وأنه أي الدستور لم يهتم بالمشاكل الاجتماعية المعقدة والمتفاقمة , وهناك من يربط الرفض فقط بقضية العطالة في فرنسا ومقارنتها بالنجاحات التي حققتها بريطانيا في هذا الصدد , وهناك من يربط الأمر بتخوف الفرنسيين من أن الدستور سيجر عليهم مستقبلاً جيوشاً من الأيدي العاملة المنافسة الأوروبية , ولكن الحقيقة هي أن الرفض قد نتج عن الكثير من الحساسيات المتباينة وذات المرجعيات المختلفة والتي أدت إلى تخوف الشعب الفرنسي من الدستور ورفضه !. و لكن ومع هذا وذاك شاء القدر أن يأتي ب(دوفيلبان) كرئيس جديد لوزراء فرنسا وذلك مباشرة عقب هذا الزلزال السياسي وما تمخض عنه من تقديم استقالة للرئيس السابق (جان بيار رافران).. ويبقى السؤال من هو (دوفيليبان) ؟؟ . (دومينيك دوفيلبان) هو ذاك السياسي المحنك الذي يحمل شهادة في الآداب والحقوق ودرس في العديد من معاهد الدراسات السياسية الفرنسية ويُعد من النخب الفرنسية المتميزة , فهو من مواليد الرباط بالمملكة المغربية في (14/11/1953) .. هذا وقد كان يشغل الرجل قبل هذا التكليف منصب وزير الداخلية لفرنسا , وقد سبق للرجل أن شغل منصب وزير الخارجية لفرنسا .. وجميعنا لا ننسى مواقفه المشرفة ضد التدخل الأمريكى في العراق مما أكسبه الكثير من الاحترام والتقدير عبر العالم خاصة وأن الرجل متحدث فصيح ولبق ومتمرس .. والرجل يؤمن بالحلول السلمية وبإعطاء دور أكبر للأمم المتحدة وله مقولة شهيرة وهي (من يريد حقيقة إحلال السلام عليه بالأمم المتحدة فهي تشكل قلب الشرعية الدولية).. و(دوفيلبان) من الشخصيات اللصيقة والمتفاهمة والمتعاونة مع الرئيس (شيراك) . هذا وقد سبق ل(دوفيلبان) أن كان مساعدا ومستشاراً ل(شيراك) و كأمين عام لرئاسة الجمهورية وذلك لمدة سبع سنوات ثم ظهر بقوة على السطح بعد إعادة انتخاب شيراك في (2002) كوزير للخارجية .. (دوفيلبان) الأرستقراطى النشأة والدبلوماسي في تصرفاته وتعامله سبق أن أدى الخدمة العسكرية في سلاح البحرية الفرنسي ومن ثم ولج وزارة الخارجية الفرنسية كدبلوماسي (1980) و أصبح مستشاراً في شؤون الشرق الأوسط (1984-1987) ثم تولى لفترة قصيرة قسم الإعلام بالسفارة الفرنسية بواشنطن .. والرجل يفهم العقلية الأمريكية عن طريقي الاطلاع والاحتكاك , كذلك فإن الرجل أيضاً شاعر وكاتب وله مجموعات شعرية والعديد من الدراسات الهامة , وله كتاب بعنوان (مآثر نابليون) , ومن هواياته الرياضة والتاريخ والآداب . وهنا أقول بأن (شيراك) قد أتى ب(دوفيلبان) كهدية للشعب الفرنسي مغلفة بأمنيات طيبة لأجل الإصلاح وذلك لتهدئة الخواطر والتأمل في كيفية إرضاء فرنسا , فكما أسلفت فإن الشعب الفرنسي غير راضٍ على الكثير من سياساته وأوضاعه ووجد ضالته في الاستفتاء ل(يغيظ) حكومته وينبهها!. فالشعب الفرنسي يعتقد بأنه قد تخلف عن بقية شعوب قارته وأن مشاكل الفقر والبطالة تتفاقم وتتزايد يومياً وأن الكثير من المصانع والشركات قد أغلقت أبوابها وبأن هناك الكثير من المشاكل الاجتماعية التي تنتظر الإصلاح وتنتظر القرارات القوية والجريئة وأن هناك الكثير من الإصلاحات الدستورية والاقتصادية التي يجب أن تنظر لها الدولة بتعمق وبتحرك سريع .. وعموماً فإن الرفض الشعبي الفرنسي للدستور الأوروبي قد قتل الدستور بشكله الحالي , إلا اللهم إذا أُدخلت فيه بعض التعديلات والتي ستأخذ زمناً ليس بالسهل وستدخل الكل في أوروبا في متاهاتِ الشطب والجدل والتغيير والتبديل .. كذلك يجب الإشارة إلى أن الدستور الأوروبي سوف لن يدخل حيز التنفيذ ما لم توافق عليه جميع الدول الأوروبية وأن (شيراك) قد وضع نفسه في مأزق حقيقي كما يؤكد ذلك الكثير من المراقبين , وأن الأمر ربما تكون له تداعيات ربما تصل لشخص الرئيس نفسه , وأن الرئيس (شيراك) كان من الممكن أن يتفادى هذا الأمر بعرض الدستور للتصويت عليه عبر البرلمان وليس الاستفتاء !. وفي هذه السانحة نشير إلى أن الدستور الذي رفضه الفرنسيون يتكون من أربعة أقسامٍ رئيسية وتتمثل في (أولاً) تعريف للأهداف والقيم والواجبات وآلية اتخاذ القرار وتسمية أجهزة الاتحاد , و(ثانياً) تعريف القوانين الأساسية على مستوى الاتحاد , و(ثالثاً) طرق عمل الأجهزة في الاتحاد الأوروبي والسوق المشتركة وتنقل المواطنين والتبادل التجاري , و(رابعاً) أحكام عامة وكيفية أجراء تعديل مواد الدستور وآليات التنفيذ . وأخيراً ورجوعاً ل(دوفيلبان) الذي أتي به (زلزال رفض الدستور الأوروبي) من قِبَل الفرنسيين أقول بأن هذا الرجل يمثل شخصية ممتازة يمكن للسودان أن يخلق معه علاقات بناءة وثابتة وذات ثقل , خاصة وأن بلاده لها كلمتها ووضعها العالمي والعلمي والاقتصادي المؤثر وبلادنا لها الكثير من المشروعات الطموحة وخاصة المتصلة بالسلام والاعمار إضافة لمواردنا الضخمة والمتنوعة التي يسيل لها لعاب فرنسا ..