الخرطوم (smc) عاد التوتر من جديد ليكون هو سيد الموقف في العلاقة التي تربط الحكومة والمنظمات الأجنبية العاملة في المجال الإنساني في دارفور اثر استدعاء المسئول القطري لمنظمة (أطباء بلا حدود) السيد بول فرومان بوساطة نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة لطلب توضيحات وحقائق حول تقرير أخير نشرته المنظمة تشير فيه إلى حدوث (500) حالة اغتصاب في دارفور. وظلت العلاقة بين الحكومة وهذه المنظمات تتسم على الدوام بالتوتر والشد والجذب. بعد أن تخرج المنظمات عن خارطة الطريق المرسومة لها من قبل الحكومة وبموافقتها هي ، فخذ مثلاً – قيام الحكومة بطرد مدير منظمة اوكسفام (Oxfam) قبل أكثر من ستة أشهر بسبب تقارير أوردتها المنظمة تقول فيه إن الحكومة قصفت مواقعها في دارفور بالطائرات! وتبدو إن لائحة الاتهامات الحكومية ضد هذه المنظمات طويلة جداً فهي تشمل القيام بأعمال تجسسية لصالح جهات عديدة والتبشير الكنسي ، ونشر تقارير كاذبة والأكثر من ذلك ، دفن نفايات نووية في مناطق دارفور! وربما كانت أكثر الاتهامات توتراً هو قول الحكومة إن المنظمات وبدلاً أن تصرف المعونات الكبيرة التي تستقطبها على (أصحاب الوجعة) في دارفور فإنها تصرفها على موظفيها وأداريها وسياراتها ، ودونكم تصريحات اللواء عبدالرحيم محمد حسين وزير الداخلية ، ومبعوث رئيس الجمهورية الشخصي الأخيرة وهو في دارفور حيث قال بالحرف الواحد:(إن الأممالمتحدة ومنظماتها استجلبت أكثر من (550) سيارة للموظفين لكنها لم تفعل شيئاً بالمقارنة مع ما فعلته الدولة). وطبقاً لمصادر واسعة الإطلاع في وزارة الشئون الإنسانية ، المهنية بالعمل الإنساني في دارفور إن (7) من كل (10) دولارات تذهب إلى شئون إدارة المنظمة ، بينما تذهب (3) دولارات إلى النازحين واللاجئين ، وتضيف هذه المصادر إن الراتب الشهري لأحد الموظفين السودانيين يصل إلى (35) ألف دولار! ولم يندهش د.صفوت فانوس أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم عندما أخبرته بالمعلومات السابقة بل أعتبرها أمراً طبيعياً في ظل هذا الوضع الذي يحاول كل فرد أو جهة أن تجد لها موطئ قدم لأجندتها المعلنة والخفية. إذاً ، هل تقوم الحكومة بقفل باب هذه المنظمات بعد الصراع الشديد الذي أصابها منها ، عملاً بالمثل الشعبي الشهير (الباب البجيب الريح سدو وأستريح!) كثير من المراقبين والخبراء يعتقدون أن ثمة أمر ما يجب أن يفعل ولكن ليس بالطريقة التي ذكرتها آنفاً ، وإنما بعملية (استبدال وإحلال) موزونة تقوم فيه المنظمات الوطنية بالجلوس في مقاعد المنظمات الأجنبية بالتدريج ، بعد تقوية عودها وشكيمتها. فعلياً ، وعلى أرض الواقع عرفت أن عدو المنظمات الوطنية المسلحة بلغ (2000) منظمة بينما تبلغ الأجنبية (198) منظمة تعمل أغلبها في دارفور ، بينما تبلغ ميزانية الأولى من الدولة (5) مليارات للعام الحالي ، في حين إن ميزانية منظمة واحدة من الثانية تبلغ أضعاف هذا المبلغ لنفس هذه الفترة! وتبدو الصورة أكثر وضوحاً عندما ندرك أم المردود الحقيقي لهذه المنظمات وأن أكثر عددها ضعيفاً في أدائها في مناطق دارفور وهذا الضعف ناتج لأسباب عديدة أهمها أنها محصورة داخل نطاق المدن . وأن نظرتها العامة لا يتجاوز نظرة الدولة نفسها في العمل الإنساني كما ذهب بذلك أحمد حسين ، وهو يشغل منصب مدير الوحدة الأوربية بوزارة التعاون الدولي الذي يضيف إن الخلط الذي تمارسه هذه المنظمات بين الأيدولوجيا والسياسية في عملها جعلها حقيقة الأداء . وفي هذا الصدد يؤكد صلاح عمر مدير إدارة المنظمات بوزارة الشئون الإنسانية أن انعدام المؤسسية داخل المنظمات الوطنية واعتمادها على شخص أو شخصين في أداءها. فيما تذهب وداد عيدروس ، وهي نشطة وخبيرة في مجال المنظمات إن انعدام التمويل الكافي ، وهيمنة مفهوم (الشللية) جعل هذه المنظمات لا تقوم بواجبها ، ولو على الحد الأدنى. بالطبع لا تتناطح عنتر تان ، إن المنظمات الوطنية ذات مردود حقيق حيال أزمة دارفور ، وهو ما ذهب إليه إبراهيم محمد إبراهيم وزير الشئون الاجتماعية والناطق الرسمي باسم حكومة غرب دارفور في تصريحات سابقة افتقار الامكانات الحقيقة ، والدعم اللوجستى ، وقلة الخبرة جعل بصمتها غير واضحة على المواطن البسيط هناك ، بالرغم من أنه أستثنى منطقة الشهيد الزبير الخيرية. حسناً! أعتقد من الأفضل أن نتساءل هل ثمة إمكانية ما يجعل المنظمات الوطنية قوية ومؤسسة بطريقة منهجية وتدار برؤية واضحة ومدروسة ، وبعبارة أخرى ، ما الذي يمكن فعله للمنظمات الوطنية حتى تسحب البساط من أمام أقدام المنظمات الأجنبية؟ والصورة لا تبدو قاتمة تماماً عندما نستعجب معنا المعلومات التالية: فالدولة نفسها كانت قد تساءلت نفس هذا التساؤل وسعت للإجابة عليه عملياً وهو مؤشر طيب في حد ذاته . فحسب صلاح عمر أنه وزارة الشئون الإنسانية. وضعت خراطيم طويلة لتمرير مياهها عليه فلجأت أولاً إلى الإعفاءات الجمركية عن هذه المنظمات بالإضافة إلى سن قوانين جديدة تواكب ما استجد من معاملات لهذه المنظمات الأمر الآخر ، هو ما ذكره أحمد حسين بأن وزارة التعاون الدولي طرحت بالتعاون مع مفوضية العون الأوربي عطاءاً للمنظمات الأجنبية والوطنية على حد سواء ، لتعرف مدى استعداد هذه المنظمات للعمل القادم ، فتقدمت (72) منظمة منها (25) منظمة وطنية ، واستوفت (14) منها للشروط الموضوعة وناقشت رصيفاتها الأجنبيات. الحدث الثالث ، والأكثر أهمية في تقوية المنظمات الوطنية هو تواثق (1200) منظمة على ميثاق جديد ، وبمبادرة خاصة منها ، للتصدي للعمل في الفترة القادمة فترة السلام والتي تحتاج إلى مجهودات كبيرة بطبيعة الحال. ووفقاً لعبدالرحمن أبو دوم ، وكيل وزارة الشئون الإنسانية ، الذي كان يتحدث في (منتدى الاستكتاب الوطني) التابع للمركز السوداني للخدمات الصحفية الأسبوع الماضي ، إن المشروع الذي ابتدرته هذه المنظمات والتي أسمته (ينبوع الخير) هي حصرية على هذه المنظمات ، وأن أي استقطابات الدولة بأي حال من الأحوال. ويعتقد حسبو عبدالرحمن ، وهو مفوض العمل الطوعى بالوزارة إن تحويل اتفاق نيفاشا الأخير والموقع بين الحكومة والحركة الشعبية من اتفاق سياسي على الورق إلى اتفاق اجتماعي على الأرض هي مسؤولية هذه المنظمات ، ويضيف وفي إطار هذا السياق ، فإن الوزارة جلست مع مسؤولى الإغاثة والتعمير بالحركة الشعبية للتوافق على عمل مشترك في العمل الطوعي والإنساني بعد تحديد الأولويات المطلوبة في مناطق الجنوب والشمال على حد سواء. ثمة إشارات أخرى ، لا تقل أهمية في عملية (سحب البساط) وضرورية وإمكانية تحقيقه ، الأول هو تبنى رئيس الجمهورية بنفسه هذا المشروع (ينبوع الخير) وكونه أول متطوع فيه ، وإعلانه ليوم 11/6 في كل عام هو يوم للتطوع وهي إشارة أكبر من كافية لتعطى الانطباع أن الدولة ، وعلى أعلى مستوياتها ، مهتمة ومقتنعة بهذا الأمر الحيوي والإشارة الثانية ، وليست الأخيرة تدخل في حيز المطلوبات ، وهي منح المانحين التي وعدوا بها في أوسلو للجنوب ، وفي أديس أبابا لدارفور ، والتي تفوق مبلغ (5) بليون دولار ، ستصب في مواعين هذه المنظمات الوطنية إن كانت مستعدة جيداً وبالشكل الذي ذكره الخبراء في هذا التقرير ، إذا تم إيفاء المانحين لوعودهم بطبيعة الحال.