المتأمل ملياً في سلوك الجامعة العربية خلال الأشهر الأخيرة, أي خلال ما يسمى بثورات الربيع العربي, يلحظ وبلا شك أن هذه الجامعة المشبوهة متجردة تماماً من كافة الشعارات والأهداف والمبادئ التي طالما تغنت بها منذ تأسيسها المشئوم. هذه الجامعة المبنية على باطل, ما فتئت تكرس الاستعمار أمراً واقعاً فوق الأرض العربية, وما انفكت تستجدي تدخل أسيادها الإمبرياليين, وما تريثت للحظة عن خدمة ربيبتها الغالية (إسرائيل). هل وصل الحال بتلك الجامعة الشمطاء, إلى حد المجاهرة بخطاياها المأفونة, ومثالبها المقززة في حق الثلث مليار عربي. هل وصل الحال بتلك الجامعة إلى هذا القدر من الوقاحة, وقلة الحياء!!, أي والله صدق من قال (إن لم تستحي فافعل ما شئت)!!.
عندما وقعت ما تسمى بالثورة الليبية, لم تتريث الجامعة العربية عن استجداء تدخل الناتو المستهجن والغير مبرر, ورفضت حينها تلك الجامعة أن ترسل ولو مراقب واحد إلى الأراضي الليبية, كي يتقصى الحقائق ويستكشف بواطن الأمور آنذاك. لم تقم الجامعة العربية وزناً لنظام العقيد معمر القذافي, الذي كان محاصراً بالبوارج الحربية الاستعمارية من الشمال وبالصحراء الخاوية من الجنوب, وبنظامي حكم ساقطان لتوهما بفعل الربيع العربي من كل من الشرق والغرب. نعم لقد بدا نظام القذافي حينها بلا حليف قوي, أو حتى قريب جغرافياً من الأراضي الليبية. تلك العزلة التي وقع فيها نظام العقيد معمر القذافي, كانت العامل الذي حفز الجامعة العربية على الإستقواء على النظام الليبي, وذلك باتخاذها قرار الاستجداء بالتدخل الغربي الاستعماري في المسألة الليبية. ونتيجة لذلك القرار الأرعن والغير مسئول, سقط آلاف الليبيين ضحايا لغارات الناتو الحاقدة, وهجمات عملاء الناتو على الأرض, وها هي ليبيا اليوم قد وصلت إلى ما وصلت إلية من فوضى وخراب, وبالتأكيد ينتظرها مستقبل مبهم ومصير مجهول.
عندما انتقلت الأحداث إلى سوريا, توقع الكثيرون أن الجامعة العربية سوف لن تتورع في طلب التدخل الاستعماري الغربي في سوريا. لكن الجامعة العربية ولحد اللحظة, تبدو خائفة مرتعدة من التعاطي مع هكذا قرار. نعم فالحالة السورية تختلف جملة وتفصيلاً عن نظيرتها الليبية, كيف لا ونظام بشار الأسد محاط بهالة كبيرة من الحلفاء الإستراتيجيين والضمنيين, ابتداء من إيران وصولاً إلى شيعة العراق, وصولاً إلى حزب الله وغيره من المنظمات الموالية للنظام الإيراني, ناهيك عن الدعم الكثيف واللامحدود الذي يلقاه نظام الأسد من روسيا والصين, بل روسيا بالتحديد. لذلك تقف الجامعة العربية, وكذلك الخبيثة (تركيا) خائفتين مرتعدتين من مجرد اتخاذ خطوة تصعيديه ضد النظام السوري, الذي يبدو مدججاً ومتخوماً بالتحالفات والقوى المؤازرة والمساندة له دولياً وإقليمياً, وهذا هو ولا شك وجه الاختلاف بين نظام بشار الأسد, ونظام العقيد معمر القذافي إبان سقوطه.
عندما جاءت الجامعة العربية بالناتو ليضرب ليبيا, كانت حجتها هي وقف سفك بحر الدماء و(وقف قتل المدنيين على يد كتائب القذافي !!). لكننا الآن نرى في سوريا دماءاً أكثر بكثير من تلك التي كانت تراق في ليبيا, وفي ذات الوقت لا نرى خطوة جريئة من جانب الجامعة العربية ضد النظام السوري على غرار تلك الخطوة الوقحة التي اتخذتها الجامعة ضد النظام الليبي السابق.
هذا يبين للجميع ويؤكد وبلا شك أن الجامعة العربية, لديها ازدواجية شديدة في المعايير, وذلك نابع من عمالتها المفضوحة للغرب الاستعماري, ونابع من فقدانها الشديد للأخلاق والأمانة والشهامة, بالفعل هي جامعة جبانة, والدليل على ذلك هو استضعافها لنظام القذافي المفتقر للحلفاء, وفي المقابل خوفها من نظام الأسد المتخم بالحلفاء والأنصار الخارجيين. نعم هذه الجامعة المأفونة تخاف ولا تستحي !!.
ملاحظة: أنا هنا لست مع التدخل الأجنبي في سوريا, بل أتمنى أن يحل السوريين مشاكلهم بأنفسهم. تطرقت في مقالي هذا للمسألة السورية, وعقدت مقارنة بين, تعاطي الجامعة العربية مع هذه المسألة ومع المسألة الليبية إبان سقوط نظام القذافي, فقط من أجل توضيح ازدواجية هذه الجامعة الشمطاء, وقلة حيائها.