نلاحظ، ويلاحظ معنا المواطن السودانى الحيران، ان الجماعة اياهم يتجنبون ذكر كلمة الديمقراطية فى خطابهم السياسى، فالرئيس عمر البشير يتكلم متشدقا بالمؤسسية والعمل الحزبى ولكنه بدلا من ان يدخل كلمة الديمقراطية يستعمل كلمة شورى، وحزب الترابى يتحدث عن مفارقة حكومة عمر البشير لمبادئ الشورى، وائمة المساجد يلوكون كلمة الشورى، ولا ترد كلمة الديمقراطية على السنتهم، اما الوهابية فحدث ولا حرج، شورى شورى شورى، ويصل الامر ببعض هؤلاء ان يستنكر كلمة الديمقراطية، ويقول نحن عندنا الشورى، ويتبع ذلك بقراءة فخيمة للايات القرآنية التى ترد فيها كلمة الشورى، يقرأها بتقعر وقلقلة يذكرنا بمادة (فن الوعظ) فى الازهر، ثم يجلس منتفخا وكانه قد قال كل ما يمكن ان يُقال فى هذا الصدد. اول ما يمكن تقريره فى هذا الصدد ان الجماعة اياهم لا يؤمنون بالديمقراطية اطلاقا. هم دعاة دكتاتورية تلتحف قداسة الدين، ولا يختلفون عن ديناصورات الديكتاتورية التاريخية امثال خروتشوف وهتلر والفاشى موسولوينى. وهم ايضا، لا يختلفون عن الديكتاتوريات المعاصرة مثل صدام حسين والقذافى والاسد، وهم ليسوا افضل حالا من حكام السعودية. حكومة البشير (او المؤتمر الوطنى) وجماعة الترابى (ايا كان اسمهم الجديد) وابائهم (الاخوان المسلمين) وابناء عمومتهم (الوهابية) الذى يستنجد بهم حاليا الرئيس البشير، وبقية المتأسلمين الذين يطمحون للاضواء والمناصب من ائمة مساجد، ووعاظ، من الذين يحلمون بالثروة، والجاه والزوجات المثنى، والثلاث، والرباع، كل هؤلاء الذين اذاقوا المواطن السودانى الحيران مرارة الفقر والمرض والخوف، لا يؤمنون بالديمقراطية، التى هى افضل انظمة الحكم، والتى تمارسها كل الشعوب التى استطاعت ان تحقق الكرامة والحرية وحكم القانون ومبادئ العدل. الديمقراطية هى افضل وسيلة لمحاولة ان تكون الحكومة منتخبة من الشعب بحق، وان تكون اعمالها مراقبة بواسطة الشعب ونوابه الحقيقيون. الديمقراطية هى حكم الشعب بواسطة الشعب من اجل مصلحة الشعب. فبالديمقراطية كل (مواطن سودانى حيران) له الحق فى اختيار من يمثله فى البرلمان، يختاره بملء ارادته من غير ترغيب، او ترهيب، وله الحق فى ان يسحب ثقته من ممثله، وان يجمع التوقيعات فى دائرته لسحب الثقة من ذلك النائب، وله الحق فى ان يتصل بممثله فى كل لحظه ليشكو له ظلم الحكومة واجهزتها التنفيذية من شرطة وامن وخلافه. وفى الديمقراطية السلطة تكون لنواب الشعب الذين يكونون البرلمان، ليوافقوا او يعترضوا على تعيين الوزراء، ويمكنهم استدعاء اى مسئول حكومى لاستجوابه، كما يمكنهم سحب الثقة من اعضاء الحكومة. وفى الديمقراطية تكون الصحافة حرة، فلا يعتقل صحفى لمقال كتبه، ولا تٌصادر جريدة بواسطة جهاز الامن. فالصحافة تسمى السلطة الرابعة ، وذلك لانها صوت الشعب. فى الديمقراطية الحكام ووزرائهم ليسوا فوق الشعب، وانما هم خدام الشعب، الذى اختارهم، والذى يمكنه ان يعزلهم. ثم يمكن ان نقول ان الجماعة اياهم لا يعرفون ما هو نظام الشورى الذى امر به الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم عمل بها الخلفاء من بعده ثلاثين عاما، لم تزيد، كما تنبأ بذلك النبى صلى الله عليه وسلم، فعندما استعلن النور الالهى بظهور الاسلام فى القرن السابع، دخلت قيمة الشورى كنظام حكم، وجاء القرآن ينظم كيفيتها، فكان النبى صلى الله عليه وسلم يشاور من يختارهم، ليعلمهم اسس الحكم الجديد، فاذا اصابوا فالحمد لله، واذا جانبوا الصواب، عزم وتوكل على الله. فالشورى هى وسيلة لتربية مجتمع بدائى، كان يعتمد فيما مضى على رأى زعيم القبيلة أو الملك. فى نظم الشورى التى اتبعها خلفاء النبى صلى الله عليه وسلم من بعده، كان هناك فئة مختارة يستشيرها الخليفة، وله الحق فى ان يخالفها، متى ما راى ان رايه هو الاصوب، كما فعل سيدنا ابوبكر ، رضى الله عنه، فى حروب الردة، التى حفظت لنا الاسلام، ولو ان سيدنا ابوبكر رضى الله عنه اتبع راى الشورى لما حارب المرتدين. وفى نظام الشورى حدد سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه اسماء ستة من كبار الصحابة ليتشاوروا ويحددوا الخليفة من بعده، ولم يكن هناك حق لفرد من الامة ان يغير ذلك. فى الشورى ليس هناك حق (للمواطن العادى) فى ان يختار الرئيس، وليس له حق فى ان يسحب ثقته من الرئيس وليس له حق فى ان يعزل الرئيس، وفى الشورى فان الحق فى اتخاذ القرارات يكون للرئيس وحده، فهو يختار المستشارين، ويملك الحق فى مخالفتهم متى ما راى ذلك، وهم لا يملكون الا اتباع ما يراه الرئيس. كانت الشورى، بصورتها التى تحدثنا عنها، افضل انظمة الحكم فى تلك الفترة، اذا ما قيست بمقاييس تلك الفترة من تاريخ البشرية، قبل الف واربعمائة عام. وهى مرتبطة بنور النبوة وبالقمم من طلائع مجتمع الاصحاب التى نهلت من ذلك النور، وتربت على هديه. تلك القمم التى تنازلت عن الدنيا وزينتها، فلقد تنازل سيدنا ابوبكر رضى الله عنه عن كل ماله، وتنازل سيدنا عمر عن نصف ماله، وتنازل سيدنا عثمان عن جزء كبير من ماله. اما اليوم فان المتحدثين باسم الدين، اولئك الذين يطنطنون بانهم (اهل الحل والعقد) فانهم ابعد الناس عن حمل امانة الشورى، فهم لا يعرفون من الدين الا القشور، ولا يعرفون من الدنيا الا القشور، خسروا الدنيا والاخرة. ولقد تنبأ النبى صلى الله عليه وسلم بهذا الزمان الذى اصبح فيه (شراركم وعاظكم) الذين يقولون ما لا يفعلون. اليوم يوم الديمقراطية، فكل انسان مسئول، وله الحق فى ان يختار الحاكم، وله الحق فى ان يختار من يمثله، وله الحق فى ان يقول رايه، فليس هناك حجر على احد كما ليس هناك حق زائد لاحد. لماذا نريد الديمقراطية؟ لاننا نعتقد ان القرارت يجب ان يتخذها غالبية الناس، وليس فقط من يطيب لهم ان يحشروا انفسهم فى دائرة اهل (الحل والعقد). لماذا نريد حرية الراى؟ لان التاريخ ملئ بقصص العظماء الذين كفرهم المجتمع فى زمنهم، فما من امام من ائمة المسلمين العظماء، الا وانكره بعض الناس فى زمنه، فمنهم من سُجن، ومنهم من ضٌرب، ومنهم من قٌتل. وما من مفكر عظيم، او فيلسوف الا وانكره معاصروه، ثم، بالاضافة الى ذلك، حرية الراى ضرورية للحكام انفسهم، حتى لا ينفر من حولهم اصحاب الراى، واصحاب العقل، فيجدوا انفسهم محاطين بالمبخوسين من نصيب العقل والاخلاق.. فيا ايها الذين يتحدثون باسم الاسلام: تحدثوا عن الديمقراطية فهى افضل انظمة الحكم، كما ان قيم الدين الاسلامى العليا تنادى بها. (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ). ودعوا ذر الرماد فى العيون بترديد كلمة الشورى، دون فهم، فليس بينكم من هو مثل الذين استخلفهم الله ورسوله على المسلمين، بل يمكن القول بان ليس بينكم من يستحق ان يكون من اهل الحل والعقد، دع عنك ان يكون خليفة الله ورسوله على المسلمين. ابوبكر بشير الخليفة 7/2/2012