في كل صباح من صباحات أيامنا المنصرمة تهبط علينا فاجعة من عثرات الانقاذ في تخومها المترعة بفيض من الإخفاق يهد أكتاف الوطن ويقعد به عن النهوض مما يقوده إلى الوراء ملايين السنوات بعيداً عن اللحاق بركب الدول المتقدمة. ولعل أكثر الاحزان مشقة على النفس وقت أن ترى وليس معصوب العيون، وأن كان ذلك منذ زمن قديم، يوم أن حاضت غمامة وراء الصحراء والغابة وإنقشعت سماء بلادنا منبتتة بعد كمون عن حسكنيت الاسلام السياسي على امتداد المليون ميل مربع من الوطن الجميل وقتها وعلى حواف سلة غذاء العالم مفرخاً أطول حرب اجتماعية يشهدها الزول السوداني الجميل في حنينه ومشاعره وقيمه واقتصاده وسياسته وكل ما يتصل بنهر النيل العظيم والارض الحبلى بالخير للعالم. ومن ركام الإهمال ودس الأنوف في الرمال كما فعلت بعض البيوت السياسية الشبقة بحجال السلطة هبطت علينا تمسات الزيجات السياسية الوقحة التي تنضح بناصية الإمتلاك والتملك محيلة البلاد برمتها إلى إمبرطوارية وحاكورة يديرها أسياد جدد على المشهد السوداني محتمين بخشية العثانين التي فسخت جلدنا الأسمر إلى مسخ مشوه وحولتنا جميعا إلى فقراء ومساكين وحثالة من الفاقد الوطني ينتهي يومنا البائس الممتليء ولو بسوء ظن صفيق نحدث فيه أنفسنا كل فجر يوم بأن الانقاذ الفاسدة ستذوب في فركتها وشملتها وجرتقها المدخور في خباء نساء القبيلة. يلاحظ المراقب للمشهد السياسي المنمق بجدائل القبيلة جملة من الحقائق الماثلة والتي توضح بجلاء ما نشير إليه مؤخراً في كرنفال فاتحة تدشين أعمال السلطة الانتقالية في دارفور المكرورة والمشروخة بين الحين والآخر في متوالية هندسية تراوح مكانها ولا تزال بين (مماحكة الجرون والقرون ونشوق ودمر المرحال) بعيداً عن وضع الأصبع على الجرح كما يفعل المداوي. لأن الأمر ببساطة لا يعدو كونه أحد منمنمات السلطة التي تعيد إنتاج نفسها من قبوء الفشل كل يوم كلما تصاعد بخار إلى جسد حسناء من حانوتها، سوف تزف قريباً إلى عريسها الفخ كحدث يشغل سافل المدن وعاليها في ثرثرات متصلة لا تهدأ أمواجها الدائرية وشيمة أثر شيمة تتلاطم كنثيث المطر الهاطل. بالطبع إن حل المشكلة لا يمكن أن يأتي من نفس العقلية التي أنتجتها كما يقول (انشتاين). وذلك الحال ينطبق على مغاوير وداخة الانقاذ المشغولون بفض بكارة موارد البلد وحرائره كل لحظة وحين بكل بفظاعة وتشفي، وما زالوا في الدرب سادرين وسايرين على صراط ضلالتهم يتخيرون النطيحة من النصيحة بسلاسة وقيافة. فالمهم في الموضوع، هو صعود د. التجاني السيسي وشباب حركة التحرير والعدالة إلى منصة مسرح الدم السائل والمسخن بالموت والحرب والدمار والحريق والرصاص والكوارث والاختطاف والاغتصاب والقتل والتشريد، كحدث يزيد من الجرح الدامي ولو إلى حين إنتهاء أزمة أقذر حرب صنعها الاقتتال المرير بين حفظة القرآن الكريم أهل السلطة لتسنم مقودها في مسار عقيم لم ينتخب لنا إلا التدخل الخارجي السافر في شأننا الكبير. وهكذا تتوالي متحركات القتال في القبول ولن ينته الأمر ويقتصر على السيسي وبنادقه، فالقوافل ماضية وتترى في الطريق مزينة بالخيل المسومة طالما الانقاذ تمسك بتلابيب تفاصيل الزيجات القارية كأمساكها بدفة قيادة تجديد مصاهرة القبائل لطى سجل كراسي السلطة بين إبطيها ويديها كما تفعل وفعلت في باكر مهدها يوم كانت صناعة تقاويها الترابية رائجة كفقه ضرورة لا يتعارض مع النصوص العقدية لعبور يم الأهوال والحرب الدينية التي خدعت وخضعت بها نفسها حتى تستظل بحور السلطة الفاتنات وغنائمها الممدودة. في ذلك اليوم الكالح والعبوس والذي يشهد على تزايد مصائب أهل دارفور كانت العبارات حاضرة بقوة وتتقاذف بين الأفواه ككرة من الثلج البلوري المصنع من نفخة النفط ونفحة النصوص لمن أسهموا في صنع سلام دارفور المائع. عبارة (قطر الخير) كانت حاضرة عبر عن شكرها الرئيس (شكراً ما قَصّرتو وتستاهلو كل خير)، والشر كان نقيضاً للعبارة إذا تعمقت بنظرة ثاقبة فيما يجري الآن على شاشات التلفزة المغسولة بكيماء إشعال الحروب، وكما لم تتقاصر همة والي شمال دارفور عثمان كبر هو الاخر في الاطراء والثناء الكذوب وهو يستعير من الشعر أكذبه لدعم مشروع (البترودين) الممتد صوب الوحل: (ليت الرياض تعيرني ألوانها - لا صوغ منها للأمير خطابا). نعم .. نعم سيدي كاتب السلطان كان الإحساس غامراً بالنصر في الآتيان وجلب حاشية السيسي التي ولغت بشكل أو بآخر في الدماء التي لا تزال تجري في أودية دارفور بفعل تلك النصوص وهؤلاء اللصوص. فالمشهد اكتمل بحضور (عريس القارة) الرئيس التشادي إدريس ديبي بطل اخر الزيجات السماوية التي ستصنع سلام دارفور المؤقت وتضع حدا لهزة دوار الكرسي المتزحلق لبعض الوقت، فعبارات الثناء التي كالها الرئيس لم تأت عفو الخاطر طالما أم العروس في ذلك الخباء تصنع لابنتها ما تشاء من مضادات (كراع عنقريب وما شابها من لزوجة ولذة) حقا في عرفهم (حبيبنا وقريبنا والمننا وفينا). بلا شك أن العبارة وضحت ووضعت خطوط المرحلة التي دخلت فيها العلاقات إلى حيز الإنتاج والتصدير والتي هى أيضا مؤقتة في رمال الواقع بين السودان وتشاد عبر الصناعة الترابية الفجة وجغرافيتنا الترابية المتفسخة والمنسلخة إلى أضداد من التنافر والتجاذب في أغرب حالة عضوية لبلد مات بسكتة الهتاف الأجرب. وفعلا جاء دبي في عقر دارنا متبرجاً برداءنا الوطني كأهل البيت تماماً وهو يزهو بإحساس المنتصر في حدود امكانات علاقة الزواج التي ربطته باحدى حسان قبائل البلد وهى علاقة فحل موصولة وستصل كما شاء لها ماذونها بين الخرطوم وإنجمينا بالقدر الذي سيبعد انجمينا عن مشاريع التنميط الجديدة وخارطة المنطقة السياسية عموما، وفي ذلك كان محقاً ديبي وكان مثل أهل البيت تماماً، وبذلك سيمنح صك الدخول إلى نادي البترودين كلاعب إقليمي جديد يصل ما بين الثوار هنا وهناك ضمن خصيان القطيع الأفريقي المتمسح بجلباب الكيان العربي، وحتما سيمر من هنا كنزق ووحم يصيب أمشاط ومشاط العروس. وهكذا يحتمي (العريس المجرتق) بسفح تلك الزيجة المدعومة لتوطيد أركان السلطة وأن كان إلى ضيق عسر من الوقت حتى تمر عاصفة الحركات المسلحة إلى أودية النسيان كم يظن ويظنون في مشتهاهم. وبهذا تزفنا الأيام إلى وهم كبير كل يوم بحزمة من الإحباط طالما نتنفس الضباط وحفنة من أثرياء الغفلة والكوراث وزفر القول والفعل، ويفتح الباب على مصراعيه على علاقات تموت لحظة إنعقادها وحبلها السري معقود بيمينها كخاتم العروس وعلاقات تجانبها جلائل الاعمال الصادقة والوطنية الني نفخر بها ونتمناه لبلادنا دوما في أحلامنا البسيطة. وستمر الأيام ونحن على ذات الأوضاع نجتر الأوهام والأكاذيب ونغازل بنات أفكارنا على حجر علاء الدين (الفيسبوك) التي تملأ هواء بلادنا زخومة على مضض ونتجرع مرارتها طالما (عيال أم كريش) يقتاتون على أعقاب البنادق ويسندون ظهورهم على حيامن الذات وخرابها وصقيعها. وتمضي الانقاذ رغم ذلك على نحو عقدين من الزمان وأكثر من ذلك في محاريب الفشل بكل جدية وعناد في تعبئة حناجر شعبنا بالهتافات الضالة والشعارات النامصة مثلما تملأ زكائب أفنديتها بالنساء المدهونات بزيت البلد، وكأن ذاكرة الشعب سيشغلها ذلك العريس المجرتق فقط إلى دهر من الزمان وتتناسي وتتشاغل عن أوجاعها وأمراضها وفقرها وجوعها وسقط متاعها وسقوط نساءها في وحل العيب. لكن الحقيقة أن سادة الانقاذ قد أخطأوا للغاية لهو مؤشر يدل على عدم إدراكهم ما آل إليه الحال في البلاد عموما من مسغبة مست شغاف القلوب وجوف البطون وسقوط مريع أفضى بنا إلى فقر مدقع في كل القطاعات والمسارات حتى عقولنا تقيحت وتقرحت من فرط فراغها. في مطلق الأحوال، يلازمنا شعور عدس الطاهية .. حين يدرك متى ينضج الحساء!! وحينها هل سيكون حديثنا عبر الرصاص السائل كما ماثل الآن؟