"ميتا" تهدد بوقف خدمات فيسبوك وإنستغرام في أكبر دولة إفريقية    بورتسودان وأهلها والمطار بخير    المريخ في لقاء الثأر أمام إنتر نواكشوط    قباني يقود المقدمة الحمراء    المريخ يفتقد خدمات الثنائي أمام الانتر    مليشيا الدعم السريع هي مليشيا إرهابية من أعلى قيادتها حتى آخر جندي    ضربات جوية ليلية مباغتة على مطار نيالا وأهداف أخرى داخل المدينة    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دولة المؤتمر الوطني الافتراضية virtual state

عندما تقرأ ما يكتب الطيب مصطفى وشركاه، مثل شقيقه في الرضاعة سعد أحمد سعد لا تتمالك نفسك من الضحك والسخرية منهما، فهما من أكبر المروجين لدولة المؤتمر الوطني الافتراضية. ولقد ذهبا بها عريضة عندما أخذا يتوهمان بدولة إسلامية افتراضية رغم أنف الشعب السوداني...!!
ولعل من الصدف أن نذكرهما لعل الذكرى تنفع المؤمنين - وهما هما من سخر ويسخر دوما من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أن الإسلاميين بقيادة روح الله الخميني لجئوا إلى عمل استفتاء حقيقي على مسمى الدولة الجديدة في 30 مارس 1979م وتوجهاتها الإسلامية في مواجهة خصومهم السياسيين الليبراليين، ولم يلجئوا للخداع أو للكذب كأن يدخل أحدهم القصر والآخر السجن أو اللجوء لاحقا لأجهزة الأمن لترويع الناس الآمنين، وكان موضوع الاستفتاء وقتها للجواب على السؤال التالي: هل ترغب في جمهورية إسلامية أم لا؟ وكانت نتيجة التصويت على الاستفتاء 98.02% لصالح قيام "جمهورية إسلامية"، والتي أعلنت رسميا في الأول من أبريل من نفس العام!! ولم يكن هذا الشعار أجوفا، فكلمة "الجمهورية" تعني سلطة الشعب أو دولة الشعب nation state. وعليه، طبقا للاستفتاء، لا يمكن لأحدهم أن يروج بعد هذا الاستفتاء ل "نظام ملكي" بناءا على كلمة "جمهورية”، كذلك لا يمكن أن يكون الدستور الإيراني إلا دستورا "إسلاميا” طبقا لمسمى الدولة الذي تم الاستفتاء عليه.
ولصياغة دستور "الجمهورية الإسلامية" كونت لجنة مشكلة من كافة الفئات السياسية للشعب الإيراني وطبقاته، ولم تصغه مجموعة الخميني وحدها أو فئة بعينها كما فعلوا في السودان – ولكن أعضاء لجنة الدستور اختلفوا في قضية ولاية الفقيه والقانون الجزائي الإسلامي!! وبعد الانتهاء من صيغة الدستور عملوا عليه استفتاءا شعبيا للمرة الثانية في 24 أكتوبر 1979م ونال موافقة الشعب الإيراني، وبعدها أخذ الدستور حظ التنفيذ والتطبيق في الثالث من ديسمبر1979م ..!!
وقد يحلو للطيب مصطفى وسعد أحمد سعد جهلا بتاريخ الإسلام وبتاريخ المسلمين أن يهزؤوا بالجمهورية الإسلامية الإيرانية على أنها دولة طائفية!! وهذا ليس صحيحا على الإطلاق!! ما قام به الإيرانيون هو السعي لإقامة "دولة الإمام علي" القائمة على عناصر العدل والحرية والمساواة التي رفضها العرب الطلقاء من بطون قريش رفضا مطلقا وقاتلوها بأسنانهم حتى مزقوها إربا. السعي لإقامة دولة الإمام علي العادلة التي تستمد من القرآن منهاجها وشرع الله وسنة رسوله الحقيقية هو ما قام به كافة أئمة أهل البيت الواحد بعد الآخر بأسلوب جماهيري حقيقي. وتكشفت ملامح دولة الإمام علي بشكل ظاهر للعيان في ظرفها التاريخي على يد الإمام الثامن علي بن موسى الرضا 153-203 ه وكان الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد محور الشر في ذلك الظرف التاريخي. فقد شكل الإمام علي بن موسى الرضا حكومة روحية ومغنطيسا ربانيا تنجذب إليه أفئدة كافة المسلمين في الإمبراطورية الإسلامية الشاسعة وكانت الجماهير تهاجر إليه مثل الفراش أو مثل يوم الحشر، مما ارعب المأمون خوفا على ملكه العضود والعباسيين عامة فأغتاله المأمون بالسم. صنع الإيرانيون 2006م كعادتهم في دعم حقائق الإسلام مسلسلا تلفزيونيا رائعا عن الإمام علي بن موسى الرضا وبلغت فيه الدقة التاريخية وفنون الإنتاج مبلغا راقيا، لا يفوتك مشاهدته!! هذا المسلسل بلا شك رآه عمر البشير في دائرته الخاصة، مما دفعه لزيارة ضريح الإمام الرضا في مدينة مشهد (طوس)!!
ونقول لهما: لا أحد يرفض دولة الإمام علي سوى أفراخ بني أمية قديما وحديثا؟ فأفعال وأقوال الإمام علي أخذت طريقها إلى الأمم المتحدة وأصبحت جزءا من قوانين مفوضية حقوق الإنسان بعد مناقشات أستمرت سنتين وتم التصويت عليها، وبشكل محدد وصيته تلك لمالك الأشتر حين ولاه ولاية مصر. ولقد دس عمرو بن العاص السم لمالك الأشتر قبل أن تطأ قدمه مصر بعدة كيلومترات لاستلام ولايته – بشربة عسل!! ولكن المدهش قول أحد المستشرقين الألمان المعاصرين في حق الإمام علي، حين قال: على المسيحيين أن يقيموا تمثالا من ذهب لمعاوية بن أبي سفيان، فلو استمرت دولة الإمام علي بعدلها لتحول كل المسيحيين وقتها إلى الإسلام!!
ولعل القارئ أيضا يرى المسلسل التلفزيوني الإيراني: الإمام علي!! وهو مسلسل تعتبر رؤيته من الأهمية القصوى لكي يصحح المسلم فهمه حول تاريخ المسلمين المنكوس، والذي يعد أكثر غموضا وتشويشا في الفترة ما بين وفاة النبي (ص) وخلافة يزيد بن معاوية 11-61 ه، وعادة ما يركز الباحثون الحقيقيون على هذه الفترة لا غير. ومن هذا المسلسل التلفزيوني سيفهم المشاهد عظمة الإمام أمير المؤمنين وعظمة أصحابه مثل مالك الأشتر وعمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر وصعصعة بن صوحان وبقية الصحابة المنتجبين الأجلاء الذين ألتفوا حول الإمام، بينما في المقابل ستفهم الدور المضاد الذي قامت به أم المؤمنين عائشة وطلحة والزبير وأبنه عبد الله، وثم معاوية وعمرو بن العاص والأشعث بن قيس الكندي ولكن بشكل خاص الدور الخطير الذي قام به أبو موسى الأشعري في تفتيت ربقة الإسلام ودولة الإمام علي بشكل مبكر انطلاقا من ولايته للكوفة على يد عثمان بن عفان!! أبو موسى الأشعري كان من ضمن الأربعة عشرة المنافقين الذين حاولوا قتل النبي (ص) في عقبة تبوك!! ولكن لعمرو بن العاص وللخوارج دور خاص لا يشبهه أي دور في تفتيت عضد الإسلام وزحزحة بنيان الرسالة الإسلامية من أساسها المتين!!
وبالرجوع لنتيجة الاستفتاء الإيراني في 30 مارس من عام 1979م وقد بلغت 98.02% لصالح "جمهورية إسلامية"، نقول لم تعجب هذه النتيجة القوى الأخرى الليبرالية من الحدثانيين واليساريين والقوميين والديمقراطيين، ولكن منظمة خاصة تم تشكيلها مخابراتيا سمت نفسها "منظمة القرآن" قامت بدءا من 23 أبريل 1979م بسلسلة من الاغتيالات الناجحة المتقنة وصفت جسديا حوالي 75% من الكوادر والشخصيات الإسلامية الفاعلة التي ساهمت بنضالها في إسقاط الشاه وكانت تدور حول معلمها زعيم الثورة روح لله الخميني، مثل تلميذه رفنسنجاني الذي أصيب في بطنه برصاصات ولم يستشهد لبسالة زوجته في صد المجرمين، وأيضا المرجع الحالي علي الخامئني الذي أصيب بقنبلة زرعت في جهاز تسجيل في صلاة الجمعة، بينما راح العديد منهم ضحايا أنفجار المبانى مرتين، مثل مبنى مجلس الشوري والخبراء ومبنى مجلس الثورة ومن ضمن أبرز المستشهدين الشيخ مرتضى مطهري!! إضافة إلى الاغتيالات، فقد تم دفع بعض الأقاليم الإيرانية نحو الانفصال مثل خوزستان العربي، ومثلما فعل الإقليم الكردي الإيراني، والإقليم الملاصق لأذربيجان عبر تخطيط مضاد للثورة صنعته أجهزة مخابرات الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وبريطانيا وبقايا نظام محمد رضا بهلوي من السافاك تدار من عقر السفارة الأمريكية – فتخوف الإيرانيون على أنها محاولة لإرجاع الشاه مرة أخرى كما فعلوا في عام 1953م مع مصدق!! فأحتل طلبة الجامعات السفارة الأمريكية في الرابع من نوفمبر 1979م، وكشفت أوراق السفارة الكثير من الأسرار الخفية ومن ضمنها شخص الحسن بني صدر الذي كان مجندا من قبل السي. آي . أيه. ثم بدأ التفكير في إنشاء الحرس الثوري!!
حين فشلوا في زحزحة روح الله الخوميني والإسلاميين وإزاحتهم من إدارة الثورة حركت السعودية عميلهم صدام حسين الذي تولى زمام السلطة في يوليو 1979م عنوة خلفا لأحمد حسن البكر الذي تمت إزاحته بمزاعم صحية!! فكانت حرب الخليج الأولى أو الحرب العراقية الإيرانية على يد صدام والتي أطلق عليها من قبل الحكومة العراقية آنذاك اسم "قادسية صدام" بينما عرفت في إيران باسم الدفاع المقدس (بالفارسية: دفاع مقدس)، وهي حرب أشعلها صدام حسين ضد إيران الثورة من سبتمبر 1980م وحتى أغسطس 1988م، أي بعد شهرين من جلوسه على كرسي أحمد حسن البكر. وخلفت هذه الحرب نحو مليون قتيلا وخسائر مالية بلغت 400 مليار دولارا أمريكيا، وقد دامت الحرب ثماني سنوات لتكون بذلك أطول نزاع عسكري في القرن العشرين وواحدة من أكثر الصراعات العسكرية دموية، وأثرت على المعادلات السياسية لمنطقة الشرق الأوسط وكان لنتائجها بالغ الأثر في العوامل التي أدت إلى حرب الخليج الثانية والثالثة.
هذه هي أهم الملامح لأعظم ثورة في التاريخ المعاصر..الثورة الإيرانية!! ومع الأسف لم يستوعبها الكثير من السودانيين وغير السودانيين في وقتها، وكنت أنا أحدهم بلا شك، لكبر حجم التشويش الإعلامي العربي الخليجي والغربي!! ونخلص من هذا العرض إن القضية الإيرانية تمثل ذلك المخاض لدولة الإمام علي التي تقوم على الحرية والعدالة والمساواة الاجتماعية!! فماذا يمكن أن يقول في هذه الدولة الإسلامية أمثال الطيب مصطفى أو سعد أحمد سعد سوى تلك الهلوسات الخليجية؟ وهل يمكن إقامة دولة إسلامية في السودان بدون رغبة الشعب السوداني؟ فقد أستندت تحولات الثورة الإيرانية -الثورة الإسلامية الوحيدة التي حققت ذاتها وانجزت- نحو التوجه الإسلامي على استفتاء شعبي حقيقي..بينما كلنا يعلم أن انقلاب الإنقاذ قام بخدعة، ويعرف الجميع كيف زور الدكتور نافع علي نافع الانتخابات العامة الأخيرة لصالح دولة افتراضية ليس لها أية سند من الواقع!!
فصحيفة الإنتباهة هي أكبر بوق دعائي مخادع يروج لهذه الدولة الافتراضية virtual state القائمة اعتمادا على تدبيج الأكاذيب. فكل كتاب صحيفة الإنتباهة - باستثناء القلم الكبير علي ياسين – "موظفو بلاط" في المؤتمر الوطني لا علاقة لهم بالكتابة، ولا أخلاق لهم. وقد يدفعك الفضول كأن تقرأ لبعض كتابها مثل الأعجوبة خالد حسن كسلا، ومعه تجزم أن عشب "القات اليمني" قد اخترق هذه الولاية المجاورة لإرتيريا والحبشة فتحس عند القراءة له بثقل في الرأس وقد يتضخم خدك الأيمن فجأة ويعتريك إحساس شديد بالغباء، والشعور بأنك “مخزن” على الطريقة اليمنية. من اين أتوا بهذا الصحفي وأمثاله؟ فهو وأمثاله يرسمون بنفاقهم دولة افتراضية غير قائمة في عالم الوجود.
السؤال الذي نحن بصدده هو: هل توجد دولة في السودان؟ وماذا تعني دولة افتراضية؟
قبل الإجابة على هذين السؤالين نشير إلى تصريح الدكتور نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية وهو أحد أشهر القيادات التي تكثر من التصريحات لتذكرنا من وقت لآخر أن هنالك دولة في السودان!! قال دكتور الزراعة في آخر تصريح له: إن السودان سيتجاوز الفجوة الاقتصادية من موارده الذاتية في العام 2014م، بل أضاف الدكتور مؤكدا أن إيرادات السودان من العملة الأجنبية في تطور وازدياد متواصل – رغم بلوغ سعر الدولار الأمريكي أكثر خمسة جنيهات..!! فمن أين أتي الدكتور نافع بهذه النبوءة الاقتصادية؟ يجب ملاحظة إنه أختزل الأزمة الاقتصادية القائمة "بالفجوة" ونحاها -الازمة أو الفجوة- إلى العملة الأجنبية؟
ونسأل الدكتور هل مشكلة السودان هي في فجوة العملة الأجنبية أم في فجوة العملة المحلية؟ ونذكره ونقول له دعك من العملة الأجنبية عليك التركيز على العملة المحلية!!
فدولة المؤتمر الوطني لا تعرف حجم الكتلة النقدية المحلية الكلية التي تدور في البلاد – فبنك أمدرمان الوطني (تابع لجهاز الأمن) مثلا هو الوعاء الذي تمر به ملاعيب السادة ويوازي بنك السودان بطرف خفي. فوزارة المالية الاتحادية مثلا ليس لها ولاية على المال العام سوى 17%، كما العملة المحلية منهوبة بالكامل من قبل لوبيات ودولة المؤتمر الوطني. فإيرادات العملة الوطنية يأخذون منها ما يروق لهم بخفية في حسابات خاصة وقنوات يديرها على عثمان محمد طه وجماعته، وغيرهم من مؤسسات ليس عليها رقيب، تمارس هذه المؤسسات أيضا جباية المال وتشغيله ونهبه. ثم بعد أن ينهشوا لحم الفتة يتعطفون على الشعب السوداني بالعظم والشخط؛ وعلى هذا العظم والشخط يتم "تفصيل" "الموازنة العامة" الهزيلة.
وبنفس هذه الخدعة نهبت دولة المؤتمر الوطني المداخيل البترولية من العملة الصعبة، حين لم يذكروا بالتمام عدد "البلوفة" وقت التوقيع على وثيقة نيفاشا – وبعتبر "بلف البشير" من دون البلوفة أشهرهم وأخذ شهرة خاصة بعد الإنفصال. فهل لكل قيادي في المؤتمر الوطني بلف؟ السودانيون الجنوبيون كانوا متحيرين كيف كان المؤتمر الوطني ينهب مدخول البترول السوداني، وكنا أكثر منهم حيرة، فشكوى الجنوبيين هي كثيرة بصدد البترول السوداني المنهوب، بل هي شكوى مشهورة. الجنوبيون الطيبين كانوا يضربون عدد البلوفة في عدد البراميل – المؤتمر الوطني خبأ عن الحركة الشعبية حوالي مائتي وخمسين بلفا (بئرا). ثم "لعب" الصينيون في العدادات في نهاية خطوط أنابيب البترول، فبدلا من أن يقرأ العداد ثلاثة براميل يقرأ برميلين. هكذا ببساطة!! هذه الخدعة يمكن تنفيذها أيضا في "مسدسات" محطات الخدمة البترولية داخل المدن. أعرف شخصيا شركة قطرية في الدوحة كانت تفعلها. الزبون المسكين يقرأ أمام عينه أنه أشترى عشرين لترا مثلا بينما يكون ما تحصله فعلا ناقصا نصف لتر.
ماذا تعني هذه الثقة من قبل الدكتور نافع على نافع في اقتصاديات دولته الافتراضية؟ كيف نفسر تصريحاته إنهم لن يسدوا الفجوة الاقتصادية فحسب، بل أيضا أن المؤتمر الوطني سيجلس على صدور السودانيين لبضعة سنوات قادمة، هكذا بشرنا الدكتور. وقد صاحب تصريحه الاقتصادي بعض التضليل حين أشار في نفس تصريحه أن تعدين الذهب السوداني هو الذي سيقلب المعادلة الاقتصادية في السودان في السنوات القليلة القادمة. هكذا يبيعون الأحلام للشعب السوداني!! فالشعوب تكره عادة من يذكرها بالحقاق، ولكنها تميل إلى من يلعب على أحلامها..هذه هي أحد قوانين فن القوة!!
نقول للجميع، لا الذهب ولا غيره!! المؤتمر الوطني يخطط لبيع المزيد من مقدرات البلاد لضمان بقائه وللمزيد من النهب المصلح!! فبعد أن نهب المؤتمر الوطني بترول الشمال والجنوب معا في العقدية الماضية، وباع من الأراضي السودانية الزراعية وغيرها السكنية ما باع ببضعة ملاليم لشيوخ دول الخليج، وسلم مؤسسات الشعب لبضعة لصوص مشاركين لشيوخ ومواطني دول الخليج مثل جمعة الجمعة، وآل عارف الخ ومنها بيعه مؤخرا جزيرة في البحر الأحمر، ومستشفى العيون الخ، يفكر رجال المؤتمر الوطني في هذه الأيام في اصطياد الملك عبد الله السعودي للدخول مباشرة منقبا في السودان عن بترول الشمال. ومن أجل هذا الهدف سيكون للنظام السعودي نصيب الأسد. لذا زار عمر البشير وكرته الخاسر السعودية مؤخرا. فهل يوافق الملك عبد الله؟
لا أعتقد أن يوافق الملك عبد الله بن عبد العزيز كأن يدخل وحكومته مستثمرين في السودان بعد أن أصبح الفساد السوداني مضربا للأمثال في العالم العربي، وليس أكثر دلالة من هروب الأمير الوليد بن طلال بجلده من الشرك الذي نصب له...فقيادات المؤتمر الوطني أثبتت كفاءة في النصب والاحتيال تفوقت فيها على نفسها وعلى شيوخ وأمراء دول الخليج!! وبالتأكيد تعرت عصابة المؤتمر الوطني حتى لدول تم تسميتها سابقا بالصديقة مثل دولة الصين وماليزيا..ويعتبر الاستثمار مجددا في السودان الشمالي في تقدير هاتين الدولتين ضربا من الانتحار الاقتصادي. أما إذا دخل السعوديون (الملك عبد الله) بثقلهم في تنقيب البترول في شمال السودان سيكون هذا الدخول لسبب واحد: تقوية القبضة السياسية السعودية على كل مقادير السودان. ومع هذا الدخول السعودي سيزداد فقر سواد الشعب السوداني وسيعم التنكيل به: سيزداد بطش وتعسف لصوص المؤتمر الوطني، وسيزداد فسادهم ونهبهم للمال العام تحت غطاء تطبيق الشريعة الإسلامية (السلفية).
إذن ليست الأزمة هي في فجوة العملة الأجنبية كما تصور الدكتور نافع علي نافع وكما قلنا سابقا أن العملة المحلية منهوبة – ونؤكد مجددا ليس هنالك سوداني واحد يعلم حجم كتلتها وكيف هي موزعة. العملة المحلية هي خارج سيطرة المصارف (بنك السودان) وخارج نطاق وزارة المالية الاتحادية!! فمهما سكبنا من القروض من العملة الأجنبية في جيب المؤتمر الوطني سيتم نهبها أيضا.. وتظل أزمة دولة المؤتمر الوطني هي هي!! ليس هنالك دولة في كل العالم على استعداد لتقديم قروض لدولة المؤتمر الوطني – فمصير هذه القروض معروف مسبقا!! وأبسط المنطق في عالم الأقارب والأصدقاء يقول لا تقرض شخصا لا يعمل وعاطلا من العمل!! فمن اين يسدد لك هذا العاطل؟ وهكذا ينظرون أيضا للدول، فدولة مثل السودان كل القطاعات الإنتاجية الخدمية والصناعية والزراعية فيها منهارة – فمن اين يتسنى لها تسديد القروض!!
فاللجوء سرا للملك عبد الله لكي يضع يده على بترول السودان يعكس الحقيقة أن قيادات المؤتمر الوطني أدمنت ريع البترول السهل في العشرة السنوات الماضية، واصبحوا مدللين ومرفهين، لا ترهقهم سوى بعض الأكاذيب هنا وهنالك وصياح البشير وغندور ونافع وعلي عثمان وويكيليكس من وقت لآخر يذكرون الشعب السوداني توهيما أن هنالك دولة في السودان. ولا يزعجهم سوى من يذكرهم بأكاذيبهم!! ولكن صنع هذه الدولة الوهمية الافتراضية يأتي على عاتق الصحافة والصحفيين والإعلاميين!!
إذن استمرارية هذا النظام متوقفة إلى حد كبير على موافقة السعوديين (الملك عبد الله) للدخول بقوة وبثقل ضخم في استخراج البترول السوداني في الشمال، وهذا ما جعل المؤتمرجية ينقلبون على القذافي وعلى بشار الأسد لكي ينالوا رضا النظام السعودي!! وهنا يكمن الخطر، يجب ألا يوافق الشعب السوداني على هذه الخطوة وألا يلدغ الشعب من نفس الجحر مرتين، فلقد جرب الشعب هؤلاء في العشرة السنوات الماضية كيف نهبوا مداخيل البترول بينما الشعب السوداني يتضور جوعا. بل لقد حولوا الشعب السوداني إلى فئة لصوص على مختلف الأصناف، فهنالك اللصوص الكبار كما رأينا في شركة الأقطان وسودانير وسوداتيل الخ يجيدون التزوير والرشاوي والعمولات وتحويل مناصبهم لصالحهم لنهب المال العام، بينما هنالك اللصوص الصغار في دواوين الحكومة والمستشفيات والمدارس الخ تمتد أيديهم إلى ما في عهدتهم من قطع غيار ولساتك سيارات وأدوية وكراريس الخ وإنها لا تعتق أي شيء يمر تحت يدها. بينما هنالك اللصوص المباشرين بشكل صريح عبر النهب والكسر المسلح وغيره..وهم أيضا أغلبية ساحقة. فقضية المرحومة عوضية عجبنا هي من الصنف الأخير!!
لا يدرك الصحفيون الذين كتبوا في قضية مقتل المرحومة عوضية عجبنا، وربما لا تدرك حتى المرحومة أو عائلتها، أن هنالك تعليمات أو مادة قانونية خفية وضعت من قبل وزارة الداخلية لأجهزة الشرطة والمباحث الخ وهي عبارة عن تعليمات سرية لا يدركها المواطنون والرأي العام، إنه من الساعة الحادية عشرة مساء وحتى السادسة والنصف صباحا يمكن لرجل الشرطة أن يسأل أية مواطن عن بطاقته الشخصية، وإذا لم يكن يحملها يتم اعتقاله مباشرة وزجه بقسم الشرطة واحتجازه وفتح بلاغ ضده، ويصل حد العقوبة الجلد والغرامة لعدم حمل البطاقة الشخصية!!
هذه الممارسة تجدها مكثفة في قلب سوق الخرطوم وبشكل خاص في منطقة السوق العربي وحتى المنطقة الصناعية غربا، وأيضا في الأسواق المركزية والشعبية، وقطعا في المفاصل الهامة من العاصمة الخ من الساعة الحادية عشرة مساء وحتى السادسة والنصف صباحا. الفاجعة في هذه الحقيقة المخفية واضحة، فمثلا في منطقة السوق العربي وامتدادها وحتى المنطقة الصناعية غربا، وشرقها سوق السجانة تفترش قوة أمنية قوامها ثلاثة آلاف شرطي نفسها مساءا ويعسعسون في الليل عن هؤلاء الذين يجوبون هذه المناطق ولا يحملون بطاقات شخصية غالبا تنتهي بمساومة أو اعتقال بدون قيد أو شرط!! الفجيعة في هذا الأمر أن هذه القوة لو غابت عن هذه الساحة لليلة واحدة تكسر هذه الدكاكين وتنهب فورا. هذه الفاجعة يخبؤها المؤتمر الوطني!! فعليك أن تتخيل أن يصبح الصباح وكل هذه الدكاكين قد نهبت!! وأترك جانبا المساومات اليومية التي قد تحدث ما بين رجال الشرطة الصغار واللصوص أنفسهم!!
مادة القانون هذه تطبق أيضا في الأحياء الشعبية بعد الحادية عشرة مساء!! وهذا ما حدث مع عائلة القتيلة عوضية عجبنا..سألوا شقيقها بعد الحادية عشرة مساء عن بطاقته الشخصية وأعتبر هذا الشقيق السؤال عن بطاقته الشخصية يحمل ضمنيا تهمة إنه شماسي أو لص محتمل!! وجرت المساجلات بين الجميع وانتهت إلى ما أنتهت إليه - ويعلم ضابط الشرطة أن القانون يحميه - من لا يحمل بطاقة شخصية بعد الحادية عشرة مساء وحتى السادسة والنصف صباحا يمكنه أن يجرجره إلى قسم الشرطة بدون قيد أو شرط!! ولكن من أين يعلم شقيق المجني عليها هذه الحقيقة؟ فهل تنفذ دولة المؤتمر الوطني قانون الطوارئ سرا ومن خلف ظهر الشعب السوداني؟ يبدو ذلك. ولكن واقع الأمر أن "فقراء" الخرطوم على أهبة الاستعداد للسطو عل المحلات التجارية!!
هذا المثال الذي أنتهى بقتل عوضية عجبنا بسبب البطاقة الشخصية لأخيها لا يعنينا في شيء – ولكننا نأسف لمقتلها لسبب صغير تافه لا يستحق الإنسان أن يقتل من أجله، فلو أخرج شقيقها بطاقته لضابط الشرطة لأنتهت القضية - ولكننا بصدد مادة القانون نفسها!! هل توجد في دولة حقيقية من دول العالم مثل هذا المادة؟ فهل بسبب عدم حمل البطاقة الشخصية لسبب ما يسجن المواطن ويجلد ويغرم ويبتز وقد يقتل؟ لم نرى ذلك في أية دولة متحضرة أو غير متحضرة في العالم، تحاكم مواطنيها بالظنة – وهذا ليس من الإسلام في شيء.
اضطرار المؤتمر الوطني لتطبيق مادة القانون هذه وبخفية يعكس شيئا واحدا، لقد حول الفقر المدقع الشعب السوداني بكامله إلى مشروع إجرامي تتلبسه لصوصية محتملة مع وقف التنفيذ!! هذا النزوع النوعي إلى الإجرام عبر اللصوصية هو مبرر موضوعيا ويعتبر نزوعا وظيفيا حين لا يجد المواطن البسيط قوت يومه وحين لا يجد وظيفة الخ. علماء الأخلاق والشريعة الإسلامية يعزرونه. ومن لديه شك في ذلك فليجرب، فليجرب مثلا رئيس المجلس الوطني إبراهيم الطاهر - الذي يدعم الحكومة الملكية في البحرين ضد الشعب البحريني ولن نسأله إذا ما تحصل على الجنسية البحرينية- أن يقصر دخله الشهري على 300 جنيه سوداني فقط!! هل يستطيع إبراهيم الطاهر أن يعيش وعائلته براتب قدره 300 جنيه في الشهر؟
قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: ما أغتنى غني إلا بفقر فقير!!
إذن قضية القتيلة عوضية عجبنا لها ذيول اقتصادية وسياسية وأمنية!! وسنكتفي بالذيول الاقتصادية. فما الضمان إن دخل السعوديون (الملك عبد الله) مستثمرين وفجروا بترول الشمال أن يتغير حال السودانيين إلى الأحسن؟ لا ضمان. فمعظم الشعب السوداني يعيش منذ ثلاثة وعشرين سنة برواتب تتراوح ما بين 200-500 جنيه في الشهر، وهذه القضية ليست فيها غموض، فعبارة الإمام علي هي اقتصادية من الدرجة الأولى حين نفهم أن الإنتاج الاجتماعي القومي الإجمالي GDP يعبر عنه بدلالة الرقم وبالتحديد بدلالة الوحدة النقدية: الجنيه. ومعها نفهم أن مجموع الكتلة النقدية الإجمالي (نقد حقيقي وحسابي) هو نفسه مجموع الإنتاج الاجتماعي القومي الإجمالي GDP، وما الرواتب إلا نصيب كل مواطن من الإنتاج الاجتماعي القومي الإجمالي، حين نقسم مجموع الكتلة النقدية على مجموع سكان السودان سنحصل على نصيب الفرد في السنة!!
هذا هو مفهوم الراتب أو الرواتب by definition في دورة اقتصادية حقيقية، وفي دولة الشعب الحقيقية. فالقضية الاقتصادية (الرواتب) إذن ليست قضية غامضة، ولا يحددها أسامة داوود في شركة الكوكاكولا، ولا تحددها الغرفة التجارية ولا وزير المالية الاتحادي، ولا حتى محافظ بنك السودان!! ولتبسيط القضية، فلو أفترضنا أن الكتلة النقدية في السودان يبلغ حجمها مائة وحدة نقدية، سنجد أن فئة قليلة من حزب المؤتمر الوطني تستأثر بتسعين وحدة بينما الشعب السوداني بكامله لا يكون نصيبه سوى عشرة وحدات. إذن: ما أغتنى غني إلا بفقر فقير!! ورحم الله الإمام باب مدينة علم الرسول (ص) الذي أوجزها في عبارة، وما أحرى بنا أن ندرس علم هذا الإمام بدلا من الرجرجات الإسلامية الفارغة التي تصدرها لنا دول الخليج!!
نعيد السؤال الذي نحن بصدده وهو: هل توجد دولة في السودان؟ وماذا تعني دولة افتراضية؟
في الواقع لا توجد دولة في السودان على أي مقياس من المقاييس المعروفة لا مدنيا ولا إسلاميا. فعلى المستوى السياسي ف "دولة" المؤتمر الوطني ليست "دولة الشعب السوداني" nation state. وعلى المستوى الديني أو الإسلامي فهي صفر ولا يحق لها الحديث باسم الإسلام مطلقا، والشيخ الترابي أمين حزب المؤتمر الشعبي محق حين لا يوقع على ما يسمى بدستور دولة إسلامية يطرحه المؤتمر الوطني بأسلوب ذرائعي وبراجماتي تتمرغ في زريبة السلفيين الخوارج. أما القضية الاقتصادية وهي عماد أية دولة حقيقية، فهي قضية واضحة للشعب السوداني أن دولة المؤتمر الوطني عبارة عن جيوب ولوبيات اقتصادية مجرمة تنهب مقدرات الشعب السوداني. فمثلا الدكتور نافع يعرف قبل غيره ماذا تم في قضية سودانير، وهو الذي وقف في وجه علي عثمان محمد طه حين رغب هذا الأخير في تغيير المدير العام العبيد فضل المولى وإحلال الكابتن مصطفى الدويحي محله. لقد رغب علي عثمان أن يعفي العبيد فضل المولى من المسؤولية كأن يفر بجلده!!
تبديل مدير عام بآخر لا يتم هكذا كما رغب علي عثمان محمد طه وكأن القضية هي مجرد الجلوس على كرسي – فالتبديل يمثل جردة حسابية مالية من المدير الجديد للمدير القديم وهذه ما طالب بها الدكتور نافع وكان لديه مرشحا جاهزا - أي تسليم وتسلم بموجب المستندات بين المديرين، وهذه لم يرغبها لا علي عثمان محمد طه ولا العبيد فضل المولى!! فوصل جميعهم إلى طريق مسدود..لم يحسمه عمر البشير، وتعطلت القضة في أدراج نهار وفيصل حماد!!
فشركاء آل عارف من السودانيين وعلى رأسهم الشريف أحمد عمر ود بدر، عضو مجلس إدارة بنك المال المتحد، وهو البنك الذي اشترى 70% من اسهم سودانير، لعبوا لعبتهم المالية بشكل صحيح!! طار الشريف ود بدر مؤخرا للكويت للتفاوض مع آل عارف على طائرة الأيربص A320 الوحيدة القابعة في هنكر مطار الخرطوم، بعد أن رفض آل عارف أن تطير هذه الطائرة بعد أن دفعت شركة سودانير ديون جزر القمر وديون شركات التأمين بقروض خليجية، ومع ذلك لم تطير هذه الطائرة لأن حكومة السودان لم تسدد ما عليها لال عارف وشركائهم السودانيين من التزامات مالية سابقة طبقا للاتفاقية الجديدة معهم. الجديد الذي أتى به الشريف أحمد عمر ود بدر من الكويت كان مفاجئا للجميع، أن آل عارف كانوا يؤجرون هذه الطائرة لشركة سودانير بأسلوب غير معلن منذ 2007م – وهكذا كان مجلس إدارة سودانير برئاسة الشريف أحمد عمر ود بدر يخدع الجميع فأعتقد الجميع (الشعب السوداني) أن هذه الطائرة أصبحت ملكا لشركة سودانير!! وعليه، وحتى وهي قابعة في هنكر مطار الخرطوم بلا حراك، فعلى شركة سودانير دفع قيمة إيجار هذه الطائرة لآل عارف وقد بلغت الإجارة مبلغا إضافيا قيمته خمسة وعشرين مليون دولارا..!!
قطعا الشريف أحمد عمر ود بدر ليس هو الشخص المناسب للتفاوض مع آل عارف ليأتي بحل لقضية سودانير لصالح الشعب السوداني المنهوب، فهو شريك آل عارف وركنهم الركين من ضربة البداية، بينما علي عثمان محمد طه يصر أن يجعله هو المفاوض الحكومي!! فيا سيدي دكتور نافع علي نافع نحن نعلم أنك لست جزءا من السلطة التنفيذية، ومع ذلك إذا كانت دولة المؤتمر الوطني عاجزة من حل قضية سودانير..فأي دولة هذه؟ ولأجل من تعمل هذه الدولة؟ إذن لا توجد دولة حقيقية في السودان!! بل توجد دولة افتراضية. هذه الدولة الافتراضية هي من اختراع الصحفيين والصحف والإعلام والإعلاميين.
ماذا يفعل الإعلاميون؟ يأتون بالأخبار بأن رئيس الجمهورية قال وقرر كذا، ومستشار الجمهورية قال كذا وكذا، والوالي الفلاني سيعمل كذا، والمؤتمر العلاني خرج بتوصيات الخ وهنالك سيمنار لرفع الفقر عن الشعب السوداني، وآخر عن التمويل الأصغر الخ هذه الأخبار الصحفية والتلفزيونية هي التي ترسم الصورة الذهنية في ذهن الجمهور السوداني لدولة غير قائمة بالفعل. وهذا ما قصدنا به دولة افتراضية. فهذه الأخبار لا تأخذ حيز التحقيق والإنجاز والتطبيق مطلقا وتظل ألفاظا معلقة في الهواء.
وفي واقع الأمر، أن دولة المؤتمر الوطني قائمة على عدة إقطاعيات اقتصادية هي في الأغلب متنافرة ومتنافسة وحتى متشاكسة، رئيس الجمهورية نفسه عاجزا أمامها، تعمل ما يحلو لها اقتصاديا لصالح مجموعتها إلى حد التزوير والسرقة والكذب، ولا يحدث تعاون نفعي بين هذه الإقطاعيات إلا إذا تقاطعت المصالح، فعلى سبيل المثال لا الحصر عند نقطة الدائرة الجمركية!! غير ذلك هو التنافس الشرس على مغانم الدولة من المال العام. فالمؤتمر الوطني هو مؤتمران، احدهما علني للسذج البلهاء الذين يكتفون بالراتب الصغير حامدين شاكرين، وآخر سري يتبع أمانة التنظيم ولا يعلن عن وجهه مطلقا. هذا التنظيم السري يحتضن الوظائف الكبيرة في المؤسسات وينقسم على نفسه فجزء منه تابعا للدكتور نافع والأخر تابعا لعلي عثمان محمد طه!! تيار علي عثمان محمد طه هو التيار الأخطر وهو الذي يعشعش في داخله الفساد المالي الضخم. كلا من التيارين يستغرق نفسه تماما في الصراع ضد الآخر..ويتقاطعان في يد عمر البشير!! ورغم هذا العداء الشرس القاتل الضروس بينهم، لكن هنالك اتفاقية جنتلمان غير مكتوبة يلتزمون بها، ألا يغرق المركب، أو ألا يتهدم المعبد على رؤوس الجميع!! ويعتبر عذابات الشعب السوداني آخر الهموم في عقول هؤلاء المخادعين المنافقين – لقد تركوه لمصيره، ومن يحتج عليهم فأجهزة الأمن جاهزة له وهي بالمرصاد!!
ولكن قطعا هنالك استثناءات، أحداها الدكتور المتعافي، وهو حالة فريدة..فهو رجل المؤتمر الوطني الخطأ في الزمان الخطأ في الدولة الخطأ. لقد أسيء للمتعافي بالتبعية الجزافية وليس بالأصالة. فالرجل كبير بما فيه الكفاية وليس محسوبا على تيارات المؤتمر الوطني أو أجهزته الأمنية، ولم يقيد نفسه في كل المناصب التي تبوأها بأشخاص ينتسبون للمؤتمر الوطني، فهو يعطي الصلاحيات والوظائف الدنيا لمن هو أكفأ ولمن هو ينجز، بغض النظر عن انتمائه السياسي.
لذا من أعراض الدولة الافتراضية هو تدني الإنجاز على كل المستويات العليا والدنيا غلى درجة الصفر. وبما أنني من مدينة ميونيخ الألمانية، وهي أنظف مدينة في العالم، تصدم عيني قذارة الخرطوم أولا، ولا أتعجب أن تفشل هذه الدولة الافتراضية في تنظيف العاصمة المثلثة على مدار ثلاثة وعشرين عاما، وكذلك، تفشل في أن تعطي المواطن مياه نظيفة الخ والقائمة طويلة من فشل إلى فشل إلى فشل!! فكيف بهذه الدولة الافتراضية في الأمور الصعبة؟ مثل فشل سد مروي، وفشل قطاع الصناعة وانهياره بالكامل، وفشل كل المشروعات الزراعية – ولهذا السبب سلموا قطاع الزراعة للدكتور المتعافي – لعله يبيض وجوههم!! ومع ذلك لا تكلف دولة المؤتمر الوطني نفسها في دعم أي من قطاعات الخدمات مثل الصحة والتعليم والبحث العلمي الخ حتى إنارة الشوارع هي على عاتق المحليات ودافع الضرائب!!
وهكذا لا تتكلف ولا تنفق هذه الدولة الافتراضية في الخدمات أية شيء يذكر لصالح الشعب السوداني مقارنة لما تجمعه من ضرائب وبما تنفقه على أجهزتها الأمنية المتورمة ومؤتمراتها الجوفاء، وما تنفقه من الملايين من الجنيهات على معسكرات الدفاع الشعبي التي يقودها بعض المنتفعين الانتهازيين من اللصوص باعترافاتهم الشخصية..وما ينهبونه في جيوبهم الشخصية..الخ، وبالطبع ما تنفقه دولة المؤتمر الوطني الافتراضية على كبار الرتب في القوات المسلحة والشرطة من مخصصات وما بعد الخدمة – هذا إضافة للوظائف المدنية المحجوزة لهم، وما تنفقه على صحفها المطبوعة التي تتزيا بزي الاستقلالية وإليها يعود الفضل كأن يعتقد الشعب السوداني أن هنالك دولة في السودان!!
عطلت الولايات الأمريكية مؤتمر المانحين بإسطنبول لتركيع المؤتمر الوطني وتحويله إلى فرعها في الرياض رأسا حتى يقدم عمر البشير المزيد من التنازلات لكارتيل البترول السعودي-الأمريكي، ولقد سبق هذا التعطيل العديد من الإجراءات الضاغطة مثل عدم منح السودانيين إقامات عمل في دول الخليج، ورفض دول الخليج مد الخرطوم بالقروض، وفراغ خزينة المؤتمر الوطني..حين أصبح الوضع الاقتصادي من السوء لا يخفي على الكل، فمثلا لن تستطيع دولة المؤتمر الوطني استقطاع المزيد من الضرائب على مشروعات منهارة فاشلة غير منتجة، ولم يتبقى لها سوى مهاجمة أكشاك الليمون والخضار والبائعين المتجولين وهؤلاء فرغت جيوبهم تماما..وبالكاد يملؤون بطونهم بوجبة واحدة!! وفي هذه الأزمة الاقتصادية الطاحنة لن يتردد المؤتمر الوطني في بيع بترول الشمال وهو في باطن الأرض.لصالح كارتيل البترول السعودي-الأمريكي بشروط متعسفة وثمن بخس!! على الشعب السوداني أن يقف في وجه أية عقودات بترولية مع المملكة السعودية، فالشعب السوداني لن يخسر شيئا..ولا يملك شيئا لكي يخسره..!!
شوقي إبراهيم عثمان
(كاتب) و (محل سياسي)
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.