ومع ذكر الحريات الأربع انفتحت أبواب كثيرة للجحيم . أول هذه الأبواب انفتح من داخل النظام نفسه . تصريحات المسؤولين تشير الى تهافت وتناقض سافر فيما بينهم . فكل منهم يقول بخلاف الاخر فى عملية فوضوية ، عبثية ، مضطربة . تدعو للرثاء . فعلى سبيل المثال أذاع تلفزيون السودان فى نشرته الرئيسية أن مجلس الوزراء أجاز اتفاق أديس بابا الاطارى . ورأينا صور سادتنا أعضاء المجلس الموقرين وقد أقبل بعضهم على بعض يستبشرون ويضحكون . وكنت قد تساءلت فى مقال سابق عن سر هذه الضحكات ، دون جدوى . والمفروض بعد هذا الخبر الذى اذاعته القناة الرسمية ، أن تخرس الألسنة ، وتنحبس الأصوات . ولكن ماذا حدث ؟؟ خرج فى اليوم التالى النائب الثانى لريئس الجمهورية وقال كلاما… ثم خرج رئيس البرلمان وقال كلاما… وخرج مستشار الريئس فى مصر وقال كلاما … وخرج وزير الخارجية وقال كلاما… وقال احد اعضاء الوفد المفاوض كلاما كثيرا…. استغرق ساعة كاملة فى لقاء معه فى تلفزيون السودان . وبكى رئبس الوفد المفاوض فى أحد مساجد الخرطوم بعد أن كال له امام المسجد الاتهامات كيلا ... ووصفه بأشد الأوصاف ايلاما ... فلم بتحمل الأهانة وبكى .... بكى وحده … ولم يبك معه أحد ….. ولا ندرى هل بكى بدل الدموع دما أم ماذا ؟ وليس هذا هو المهم . لكن الأهم : ان حادثة الحريات الأربع كشفت للناس من يحكم الخرطوم . وفوق ذلك كشفت لهم كيف تحكم (بضم التاء) الخرطوم . وبغض النظر عن هذا أو ذاك فان الناس فى حاجة الى معرفة الحقيقة . لأن هناك غبارا كثيفا على بعض بنود هذا الاتفاق الاطارى . مثلا الفقرة الثانية فى بند الحريات تقول : لا يجوز حرمان الشخص الذي يتمتع بأي من الحرية التي يمنحها هذا الاتفاق من هذه الحرية، بسبب تعديل أو إنهاء هذا الاتفاق. هذه الفقرة غامضة وفيها شبهة الجنسية المزدوجة . ومعناها – حسب فهمى – ان هذه الحريات غير قابلة للنقض متى طبقت . حتى لو تم الغاء الاتفاق بين الدولتين مستقبلا . أى ان احكامها نهائية ولا يمكن الرجوع على ما يترتب عليها من أحكام . وهنا تظهر شبهة ان هذه الاتقاقية عملت لحل مشكلة انية وبصورة عاجلة . وحتى اذا انتهت المشكلة الحالية والانية أمكن الغاء الاتفاق مستقبلا . بمراجعة بنود الاتفاق يتضح انها ابرمت على عجل . ويبدو أن الحكومة السودانية وقعت تحت ضغط فظيع لم تستطع أن تتحمله حتى توافق على هذا الاتفاقية . هذا الراى يؤيده قول ياسر عرمان الذى صرح به للصحف حينما قال : ( ان الحريات الأربعة التي حمل على قبولها المؤتمر الوطني – وسيحمل على حل القضايا العالقة والعادلة مع دولة الجنوب - فوق انها من مصلحة طرفي السودان فهي في المقام الأول طوق نجاة لنظام الانقاذ الذي يترنح ، وعلى أعتاب السقوط ، ويبحث عن أي قشة للنجاة ، ولا يرى قادته مخرجاً إلا في بترول الجنوب ) لاحظ كلمة ( حمل ) – بضم الحاء عرمان لم يبين لنا ما هى الجهة التى حملت المؤتمر الوطنى على قبول هذه الحريات الاربع وكيف تم ذلك ومتى . وهناك أمر اخر يبعث على التأمل وهو قول عرمان (وسيحمل على حل القضايا العالقة والعادلة مع دولة الجنوب ) فما هى تلك القضايا التى سيحمل على قبولها ؟؟ يبدو ان السودان مقبل على فوضى كبيرة فى الأسابيع القادمة . وعلامات هذه الفوضى تتمثل فى الاتى: 1- اختلاف وصراع كبير فى قمة هرم النظام . بين منكسر منهزم ، ومستأسد متحفز . 2- فوضى كبيرة فى الخطاب الحكومى تبعا للبند اعلاه . 3- ضغط كبير من الجماهير كما هو واضح فى حركة الطلاب الأخيرة وحركة المساجد المتزايدة بما يهدد بوصول الربيع العربى للسودان . 4- ازدياد وتيرة الاستقطاب الحادة وبصورة تدل على أن الموقعة القادمة ستكون دائرة على اساس اثنى وعرقى . الشىء الذى حذر منه السيد الصادق المهدى ببصيرته الثاقبة . 5- اصطفاف الدول الغربية واسرائيل مع دولة الجنوب مما سوف يجعل اى اتفاق فى المستقبل يظهر وكأن الجنوب هو المنتصر . مما سوف يقوى من روح المقاومة فى الشمال ويجعلها ترفض اى حلول وسط وذلك حفاظا على هويتها . ان الأمر بلغ مرحلة فى غاية التعقيد . ما هو المخرج اذن ؟ المخرج فى ظنى هو ادارة حوار شفاف وصريح بين كل أطياف المجتمع السودانى . لقد اصبحت المسؤؤلية ثقيلة ولن يستطيع أن يفتى فيها المؤتمر الوطنى لوحده . حينما استاثر المؤتمر الوطنى بكل الأمر فى اتفاقية نيفاشا كانت النتيجة هى ذهاب الجنوب لحاله . وليست القضية فى ذهاب الجنوب . ولكن القضية فى انه ذهب بالمجان . كان يمكن أن يكون ذهابه على طبق من ذهب لو كان هناك مفاوضون اكفاء ويعرفون اللعب بالبيضة والحجر . واعتقد أن السودان ولا اقول المؤتمر الوطنى لا يعدم امثال هولاء من اتاهم الله ذكاءا خارقا ، وعقلا باهرا ، وعلما وافرا . كانت نيفاشا غلطة كبرى فى عمر السودان . وكان الانفصال خسارة كبرى ، ليس بمعناها الحضارى فقط ، ولكن بمعناها الاقتصادى والتجارى . فلقد ذهب الجنوب بالمجان … ويا للحسرة .. الان السودان فى مفترق طرق جديدة . الغلطة السابقة ادت الى انشطار السودان . والغلطة القادمة سوف تمحو السودان من افئدة الناس . وسوف تمحو ثلاثة ارباع سكانه من فوق سطح الأرض . البشير يعرف ذلك . الترابى يعرف ذلك . الصادق يعرف ذلك . الميرغنى يعرف ذلك . عرمان فى قمة السعادة لأنه يعرف ذلك ويعرف الخطوة القادمة ايضا . باقان فى غاية الطرب . قال انه سوف يحضر للخرطوم لدعوة البشير بنفسه للحضور لجوبا . سوف يقضى باقان ثلاث ليال في الخرطوم ... بستمتع بمناظرها الحلوة فى ساعات الغروب … ويرشف رشفات من شراب الهلتون العذب ... ثم يقول لأهل منبر السلام العادل ( …..؟؟؟ ) . ايه السادة …. لا بديل الا بلقاء جامع .. يقرر فيه الشعب ما يقرر ... فلقد وصل الأمر حدا لا يستطيع ان يحمله البشير وحده .. واذا لم يفطن العاقلون لهذا الأمر الان .... فعلى الدنيا السلام ... واستعدوا لثورة المساجد ... ومذبحة الشوارع .... اللهم احفظ اهل السودان .