مراد عبدالله موديا البيت لايمكن بحال وتحت أى تعريف أن نطلق على السودان على أنه دولة مؤسسات ، فهذا المصطلح يعنى أن الحكم فى الدولة وتسيير عجلته هو شأنٌ منوطٌ بمؤسسات تنشأ وفق دستور وقانون متفقٌ عليه بين كافة أبناء الشعب ، وهذا الإتفاق يكون عن طريق إستفتاء شعبى لايستثنى منه شخص. مثل هذا الدستور يكون ضماناً لحقوق المواطنة المتساوية ورادعاً للعابثيين بنسيجها الإجتماعى ، الإثنى ، الثقافى والدينى. فدولة المؤسسات تعنى أن تكون كل الوزارت والخدمة المدنية ، الجيش ، الشرطة والأمن جميعها مرهونة فقط للقانون وليس للحزب أو النافذين من أصحاب الأموال. يؤسفنا أن السودان ضلَّ طريقه وضرب فى التيه ستين عاماً فى فشل زريع دون أن يلتمس بصيصاً من الضوء يهتدى به للخروج من النفق المظلم. وفى هذا الخضم لهث كل من دخل نفق السلطة يبحث عن ليلاه ويمنيَ أتباعه بغنائم يأخذوها وزيادة فى الأموال والأولاد إعلاءً لشأن جماعتهم ، حزبهم أو طائفتهم والدولة تأنُ من تحت أقدامهم وثقل بطونهم التى إمتلئت سحتاً من مال الشعب وقوته، وبينما هم كذلك سُلط عليهم قومٌ آخرون لا أدرى من أين أتوا ، وإلى أى دين وأخلاق ينتمون !، إلا أن الظاهر من أفعالهم يدل أنهم آفةً ورويبطة وسرطاناً عضالاً يستلزمُ الإستئصال عاجلاً. ولا يختلف إثنان أُوتيا الحكمة أن حزب المؤتمر المتسلط فى الخرطوم قد قام بإختزال الدولة فى الحزب والشعب فى عضويته فقط !! ، وحزب بهذه الطبيعة يكون لزاماً أن يتحمل أعضاءه تبعات أفعاله وما كسبت يداه ويجب أن لا يفلتوا من العقاب المستحق ، وليس هناك من غباش أو لبس فى أن حزب نظام الخرطوم قد وأد البلاد وأزل الشعب بعد أن فصل أعداداً منهم من وظائفهم فيما عُرف بالصالح العام * الخاص* ليضخ دماءً ملوثةً وفكراً مريضاً من حثالة أعضاءه والإنتهازيين ممن يسبحون ويكبرون بإسمه آناء الليل وأطراف النهار، فى تمييز معلن وتفريق دونما خجل ولا وجل لأبناء الشعب الواحد تحت رايات " التمكين". وسياسة التمكين هذه تعطى حق التوظيف فى الدولة أو التجارة فى الأعمال أو حتى طلب رزق اليوم وعلى باب الله فقط لأهل الولاء ومن رضى دخول بيت طاعة الحزب. فالحقوق لاتكتسب فى فقهم " المشروع الحضارى" على أساس حقوق المواطنة وإنما على أساس الولاء والبيعة للحزب!! وأدهى وأمرَّ من ذلك أنهم يدَّعون أن لهم سببٌ ومدد من السماء، وعلمٌ سابقٌ فى الزُبر!!! ووقع ضحية هذا الهوس والإفتراء على الله جلّ فى علاه ، نفرٌ من أبناء الشعب تفرقت بهم السبل على وجه الأديم ، يبحثون عن بلاد لايضام عند بلاطها أحدٌ ، فمنهم من قضى نحبه هناك فى صمت بعيداً عن أهله وأحبابه ، وآخرين منهم كتموا غيظهم ينتظرون من ينصفهم فى الحياة قبل الممات. على الجميع أن يعى جيداً حقيقة أنه من المستحيل بل يكون من العبث محاولة التفريق والفصل بين الحزب والدولة فى السودان فما ربط بينهما لايفرقه أحد إلى يوم الدين! فهما وجهٌ واحد لعملة واحدة بالية لاتسمن ولا تغنى من جوع، وبذات القدر من اليقظة علينا أن لا نشترى بضاعتهم المزجاة والمعروضة هذه الأيام وبثمن بخس فيما ظهر فى الساحة من مذكرات تسمى تصحيحية يدفع بها بعض أعضاء حزب نظام الخرطوم " المؤتمر الوطنى" وهى محاولة يائسة للإلتفاف على الثورة المتزايدة فى الأطراف وأصبحت على وشك لتنقضَّ على نظام الخرطوم الدموى. فهم يريدونها ثمرةً يانعةً تقع فى أيديهم بدلاً من أن تقع على رؤوسهم ولا تزر منهم أحداً . أيضاً لا يفوت على مراقب فطن أن هذا الحزب قد بث سمومه فى كل مكان ، بدءاً بدور العبادة وإنتهاءً بالرياضة وعبر تشكيلات تحت مسميات مختلفة منها على سبيل المثال " اللجان الشعبية ، تنظيمات المرأة المختلفة " أخوات نسيبة "الإتحاد العام للمرأة السودانية... جمعيات القرآن الكريم ، تنظيمات طلاب الحزب فى الجامعات " والتى جميعها تنطلق من الأحياء الشعبية وتمثل فى الحقيقة وكالات لأجهزة أمن النظام ، فهذه المنظمات مسئوولة بطريقة مباشرة فى جمع معلومات عن المواطنين والخصوم السياسيين للحزب ومن ثمّ رفعها لجهات أخرى تقوم بالإعتقال والتشنيع بالأبرياء وفى كثير من الأحيان تقوم هذه المنظمات بإرهاب المواطنيين بما لها من صلاحيات تفوق صلاحيات رجال الشرطة ، وهنالك من الدلائل الجلية التى تؤكد ان كثيراً من الإنتهاكات التى وقعت فى السودان متمثلة فى إختفاء عدد من المواطنيين إنما تمت بمساعدة هذه التنظيمات.وبهذه الصفة أضحت كل تنظيمات الحزب مطلوباً للعدالة محلياً. أما كون أنَّ دولة الحزب مطلوباً للعدالة دولياً فبما إقترف من جرائم ضد الإنسانية فى دارفور إشمئزة لها الإنسانية ، مما دعى محكمة الجنايات الدولية أن تصدر مذكرة توقيف فى عام 2007 ضد مجرم الحرب أحمد هارون الذى كان يشغل عندها نائباً لوزير الداخلية ومسؤول الأمن لولايات دارفور، وقبل أن تفيق دولة الحزب من هذه الضربة إذا بذات المحكمة الدولية تتبع قراراً أخراً أشدَّ بأساً فى الرابع من مارس 2009 طالت هذه المرة راس دولة الحزب عمر البشير بإعتباره قائداً أعلى للقوات والمليشيات التى إرتكبت الفظائع فى دارفور، وبعد أعوام مضت دون مثول المطلوبين للعدالة إذا بالمحكمة الدولية تتبع بمذكرة أخرى ثالثة فى الأول من مارس 2012 وطالت المذكرة هذه المرة وزير دفاع دولة حزب الإبادة بصفته كان وزيراً للداخلية فى الفترة من 2001 إلى 2005 لجرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية إرتكبها فى دارفور. وما زال حزب الدولة ودولة الحزب ترتكب الإبادة ضد شعب النوبة. وما زال الحبل على الجرار؟؟ فحتى لا ننسى ولن ننسى ما فعله هؤلاء لزم التذكير.