لم نندهش أبداً مثلما لم يندهش الملايين الذين شاهدوا وسمعوا ما جاء على لسان احمد محمد هارون ورهطه من الجنود في الشريط الذي بثته قناة الجزيرة الفضائية مؤخراً في كل وسائل الاعلام، ولكن فجعنا بتمادي هذا الرجل العداء للإنسانية. فأقل ما يمكن ان يوصف به أحمد هارون– بالاضافة الى انه مجرم حرب ومعتدٍ اثيم- هو أنه قاسي القلب، غليظ الكبد جافي الطبع عديم الإنسانية ومجرد من الخلق وهو أشد إسرافاً في الاستخفاف والإستهتار بالانفس وكثير السفك لدماء الناس بالقتل كيفما يشاء ومتى ما يشاء فإستحق بجدارة أن يُنعت بأنه اكثر خلق الله على الارض كافة إنتهاكاً للحقوق اياً كانت والحريات أكانت دينية أو غيرها. وإن تأريخ الرجل لمليئ بالشرور. أفليس هو من قام في التسعينيات بترويع أهالي جبال النُّوبة إذ ملأ قلوبهم ذعراً وأرهبهم وقتلهم حتى رأوا فيه الموت وحق لهم وصفه بانه هو الموت ذاته؟ بلى إنه هو! فالتأريخ الاسود للرجل ما يزال يروي انه ما ان فرغ من إسرافه في سفك دماء النوبة حتى ذهب الى دارفور ليقترف من الإثم والنُكر الكثير وها هو يعود مرة ثانية الى الجبال لإتمام ما تبقى له من عملٍ قد بدأه يومذاك لأن نفسه قد تأثرت بكثرة ما سفكه من الدماء فإنطبع في أعماق ضميره – إن كان له ضمير- وران على قلبه إن كان له قلب، حقدٌ وكراهية للإنسانية جمعاء كما أسلفنا الذكر. وما يقال في وصف هارون ينطبق تماماً على جنوده وكل من يقف من خلفه مناصراً له، ومن أولئك الذين يتضاحكون ويهللون بتكبير النفاق والزور لما يأمرهم به المتعطش للدماء وهم لا يقلون عنه شراً إذ يعلنون أنهم سيأكلون الموتى من الاسرى نيَّا. فهؤلاء واولئك بلغت بهم الكراهية قمة الحيوانية والوحشية فصاروا أشد جوعاً وإزدادت شهيتهم وسال لعابهم للحوم البشر صنوهم في ذلك وحوش الغاب وهم أغلظ منها. لِمَ لا وقد جردتهم قسوة قلوبهم من أدنى معاني الإنسانية والبشرية والروحانية؟ إن لم يكن هؤلاء بآكلي البشر – كما أكلوا السحت فإنتفخت بطونهم كالقطط - فكيف بالله يقهقهون ويتصايحون ويتضاحكون بأعلى أصواتهم بقولهم "نأكلوه نيَّاًً"؟ إن هذه الفئة الباغية الطاغية والقاسية قلوبها لا تقل مرتبة السفل والسفاهة عن هند أم معاوية بن أبي سفيان التي أغرَّت بحمزة بن عبد المطلب عم النبي (صلعم) يوم أُحد عندما ثأر كفار قريش لقتلاهم الذين قضوا ببدر في معركتهم مع المسلمين. تقول حكاية هند هذه أنها أعتقت وحشيَّأً لقتل حمزة، فلما قتله هذا الوحشي اللئيم – لؤم احمد هارون ووحشيته - بحثت هندُ عن حمزة بين القتلى وعندما وجدته جثةً هامدةً إستخرجت كبده فلاكتها "نيَّة". يستبيح هؤلاء الجنود وقائدهم أكل لحوم الناس أمواتاً عند ثأرهم لقتلاهم ولهزائمهم المتلاحقة من قِبل ثوار جبال النوبة الاشاوس كما فعل كفار قريش فلم يتردد أحمد هارون أبداً في سلك طريق الجاهلية الاولى وبأسلوبه المعهود والمعروف بالإستهتار بحياة الناس ليؤكد طلبهم بأن يأكلوا الاسير ني ويزيد بألا "يجيبوه حياً"! أليس هذا هو السفاهة بعينها العوراء ومنطق الجاهلية ذاتها؟ نعم ونعم بالله! قد نجد العذر لهند لجاهليتها وشركها او كفرها – كما شاء الانقاذيون توصيف من يخالفهم – ومن ثمَّ محاربتها للمسلمين لكنه يعصب علينا بل من العسير جداً أن نعلل ونفسر ما يقوله ويأمر به هارون ويحرِّض جنده ويبعث في نفوسهم حمية الجاهلية لكيما يقتلوا النوبة المسلمين وغير المسلمين وبألا يتركوا فيهم حياً إن هم أسروهم بحجة ظاهرة واهية وهي أن الاحتفاظ بهؤلاء الأسرى سيلقي عليهم عبئاً إداريَّاً ورهقاً عظيماً، مع إننا نعلم علم اليقين أن المقصود هو إبادة الإثنية النوبية. يدعوا هارون أصحابه لإرتكاب المنكر في حق الاسرى وكأنه لم يقرأ كتاب الله أو لم يفهم كلامه – وهذا هو الارجح - رغم إدعائه الإسلام وأنه يقاتل في سبيل الله. فالله سبحانه وتعالي يذكِّر بحق إطعام الاسير بقوله في الآية 8 من سورة الإنسان: (ويطعمون الطعامَ على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً). يقول الطبري في تفسيره لهذه الآية الكريمة إن "الاسير هو الحربيُّ الذي يؤخذ قهراً بالغلبة فيحبس بحقٍ، فيثنى الله على الغالبين بإطعامه تقرُّباً الى الله وطلباً لرضاه ورحمة منهم (من الغالبين) للأسير. نحن موقنين تماماً أن لهؤلاء الاسرى حق الإطعام والحماية حتى يؤتهم الله خيراً مما أُخذ منهم كما خاطب الله نبيه الكريم في الآية 70 من سورة الانفال بقوله: (يا ايها النبي قل لمن في ايديكم من الاسرى أن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أُخذ منكم ويغفر لكم). لم يأمر الله قط "بمسحهم وكسحهم أو قشَّهم خوفاً من إملاقٍ أو رهقٍ" وإنما أكد أنه سيغفر لهم ويؤتهم خيراً بعلمه بما في قلوبهم وهو الغفور الرحيم ولكن احمد بدرجته في القانون – كما يُذكَّر الناس أنه يملكها ونحن نشك في ذلك – أخذ حكم الله بيده وما يدريك يا هارون أن الاسرى الذين تأمر بقتلهم هم اكثر منك إيماناً بالله؟ فما يقوم به هارون وما يوصي به جنوده وميليشياته المسلحة في الشريط المذكور سلفاً يعتبر خرقاً لمعاهدة الجنيف التي أقرتها الأممالمتحدة عند التعامل مع أسرى الحرب والمدنيين الذين يوجدون في مواقع العمليات العسكرية. ولا شك في أن السودان من موقعي هذه المواثيق والعهود الأممية. أما بعد، لقد ضاقت أركان النظام وإهتز عرشه من هول ما رأوا وسمعوا من صاحبهم فإنتدبوا الخصيم الغشيم و"زهجان ديمة" الدكتور ربيع عبد العاطي ليسرف على نفسه عناء محاولة الدفاع عن أحمد هارون مقراً وواصفاً ما قاله من سخف الحديث مكرمة صحيحة لا غبار عليها ولا لبس فيها وهو يعلم تماماً أن أحمد هارون بفعله هذا يدين نفسه وحكومته ويوقعهما في حفرة سحيقة امام الرأي العام العالمي والداخلي قبل وبعد قرارت محكمة الجزاء الدولية التي يتشدق ربيع عبد العاطي بعدم الاعتراف بها ولا يخافونها. فإن كان ما يقولون بأن محكمة الجزاء لا تعنيهم في شيء صحيحاً، لماذا صار هارون حبيساً داخل السودان ولم يتجرأ يوماً بالسفر خارج حدوده حتى للقيام بأداء شعائر العمرة والحج التي يقوم بها البشير كثيراً معتقداً ان ذلك سيغسل الذنوب التي يرتكبها كل يوم في حق الشعب السوداني؟ نخلص بأن ايام أحمد هارون أصبحت معدودة وانه أصبح كرتاً محروقاً لدى الانقاذ كما ذكر كثير من الكتاب فلقد أصبح هو نفسه عبئاً إدارياً ثقيلاً على اخوانه لذا حان الأوان للتخلص منه عبر تعريته بآلة الإعلام الاسلاموية - قناة الجزيرة الفضائية القطرية - ليتم محاكمته وإدانته في محكمة الرأي العام اولاً ثم الانقضاض عليه. وقبل أن يتم القبض عليه ومحاكمته أو التخلص منه بفبركة قتله أو موته، نتضرع الى الله ان ينتقم منه ويعذبه عذاباً مهيناً في الدنيا ويريه صوراً بشعة مروعة ليشتمل عليه النوم ويجن فلا يطمئن حتى على ظله أو اهله ويصبح كبُسر بن أرطاة الذي يقصُ لنا التأريخ اسرافه في سفك دماء الناس فجنَّ وجعل يهذي بالسيف ولا يطمئن إلا إذا أعمل السيف فأكثر إعماله، حتي إتخذ القوم له سيفاً من خشب فكانوا يضعونه في يده ويقرِّبون إليه الوسائد، فما يزال يعمل سيفه ضرباً لها حتى يلوكه الإعياء فيغشى عليه، فإذا أفاق عاد الى مثل ما كان فيه.