-02/05/2012م الحشد الوطني لحل الأزمات يحتاج لتهيئة المناخ السياسي بكافة تعبيراته،ومن ما يحتاج لرؤية يتفق حولها الجميع هو كيفية التعامل مع مجلس السلم والأمن التابع للإتحاد الأفريقي،الصادر في 24/4/2012م،وما تضمنه من بنود ولغة كلها وعيد وتحامل على السودان.وفي سياق تهيئة الأرضية لحشد واسع بين مكونات الواقع السياسي والقانوني،لابد من توسيع الحريات،ومن الخطأ الفادح أن يستغل أحد إعلان حالة الطوارئ في المحليات التي تشهد مواجهة مسلحة –وهو إجراء جاء صحيحاً تتخذه اي دولة تعيش مواجهة مسلحة مع متمردين أو مع دولة أخرى.وسوف تتحول الطوارئ في هذه المناطق،وهي حالة استثنائية كما هو معروف،إلى جزء من الأزمة إن استغلها أحد -لإشاعة مناخ من الكبت أو التضييق على الحريات على امتداد البلاد أو أن تكون مدعاة لتخويف المعارضة وتخوينها بالحق وبالباطل!.لأنه من الخطأ الفادح أن تعتقد الحكومة ان إسكات الناس ومصادرة حقوق السياسة أو الانتقاص منها سوف يساعد في الانتصار على التآمر الخارجي.فقد سبق للحكومة أن صادرت الحريات وعطلت الدستور وزجت بالمعارضين في السجون ومارست ضدهم شتى صنوف التنكيل تشريداً وقطعاً للرزق واعتقالاً وتعذيباً جسدياً ومعنوياً،فهل عادت تلك السياسة على "الإنقاذ" ككيان أو جماعة بالفائدة التي اعتقدتها،وماذا ربح الوطن من سياسة الإقصاء تلك،بل خسائر الجميع كم بلغت؟ومن هذه الخسائر ما تجلى في مفاوضات الحكومة في ماشاكوس ونيفاشا،فقد فاوضت وظهرها مكشوف سياسياً،لأنها ذهبت للتفاوض كنظام إنقلابي فالذي فاوض كان كيان سياسي واحد وصل للحكم بالقوة! وتبنى شعارات استقطابية،جعلت حركة التمرد في الجنوب تستقطب دعماً إقليمياً ودولياً من كل من يضمر كرهاً أو في تفكيره اي قدر من المعاداة للثقافة الاسلامية والعربية أو للحركات التي ذات المرجعية الإسلامية،في حين فشلت الحكومة في استقطاب عدم عربي أو إسلامي!.في مناخ تلك العزلة فاوضت الحكومة في نيفاشا،وكان ما كان من أخطاء وتجاوز وضعف،حيث تم منح تقرير المصير-وهنا يجب أن أسارع إلى القول بأنني مع حق تقرير المصير للجنوبيين وأنه كان أمراً ضرورياً ولا مطعن في صحته،فالحرب التي استعرت خمسة وخمسين عاماً كان لابد من أن و أن يعبر مواطنو الجنوب عن إرادتهم في الوحدة أو الإنفصال.المصيبة ليس في تقرير المصير أو ما نتج عنه من إنفصال،فهذا كان خياراً مؤلماً ولكن الحرب أكثر إيلاماً ومرارةً واوسع ضرراً على الشمال والجنوب.وقد تبخر حلم السودان الموحد ديمقراطيا ،لأن الجنوب تحت قيادته المؤثرة والفاعلة قاتلت من أجل الانفصال،والجميع يذكر القتال الشرس الذي قادته الحركة تحت قيادة جون قرنق بعد انتفاضة أبريل 1985م ،فالقيادات الجنوبية ليس هدفها سودان ديمقراطي موحد أو سودان جديد بل هدفهم كان دولة جديدة،لهذا جاء التصويت بنسبة كاسحة للانفصال. وعورات نيفاشا فضحها عدم إصرار الحكومة على ترسيم الحدود قبل الإستفتاء وتضمين ذلك في الإتفاقية،وابيي لم يكن هنالك أدنى سبب لوضع ترتيبات خاصة بها طالما أنها شمال حدود 1956، دينكا نقوك الذين يقطنون أبيي هم مواطنون تابعون للشمال شأنهم في ذلك شأن المجموعات السكانية المتنوعة التي تعيش في شمال السودان ،مثل الفور والزغاوة في الغرب وغيرهم والنوبيون في الشمال والغرب والبجا في الشرق ..الخ،فالدينكا في أبيي يشكلون مجموعة مثل بقية هذه المجموعات السكانية التي يزخر بها السودان ،هذا الحجة داحضة وكانت كافية لعدم فتح أي باب لترتيبات خاصة بأبيي.ولكن تسرع الحكومة واستجابتها للضغوط (امريكا واوربا ودول الإيقاد)ووضعفها الداخلي كحكومة إنقلاب هو الذي قادها لتقديم هذا التنازل المؤلم ،وغيره من التنازلات في النفط واعتبار جنوب كردفان و جنوب النيل الأزرق ضمن مشكلة الجنوب!،وهي تنازلات لم تكن في مصلحة الجميع بما فيهم جنوب السودان لأنها خلفت مواضيع للصراع بتكلفة ثقيلة على الجميع.. دواعي هذا المقال هو ما قرأته للدكتور غازي صلاح الدين –مستشار رئيس الجمهورية المنشور في «الإنتباهة»، بالتزامن «الرأي العام»و«السوداني» -29/4/2012م –حسب ما ورد بالإنتباهة- تحت عنوان "قرار الاتحاد الإفريقي استنساخ للإيقاد ثم نيفاشا جديدة". تناول دكتور غازي بالنقد مسايرة قرار الإتحاد الأفريقي لرؤية مجلس الأمن للنزاع بين السودان ودولة جنوب السودان وكيف أن الإتحاد الأفريقي نصب في ختام القرار نفسه حكماً بدل أن يظل وسيطاً وذلك عندما هدد بأنه في حال عدم التوصل للإتفاق خلال ثلاثة أشهر فإنه سوف يرفع الأمر لمجلس الأمن ليفرض حلولاً تحت الفصل السابع.وأهم ما نجده في مقال الدكتور غازي هو تركيزه على بعض البنود الخطيرة للقرار المذكور والتي تطرق لبعضها وخروجه بالسؤال "ما هي خطة العمل لمواجهة هذا المنعطف الحرج الذي سيقرر مصير السودان".واقترح عدة نقاط ،أهمها قوله "أن التحدي هو تحدٍ قومي وليس مقتصراً على فئة أو قبيلة أو حزب". وإن الخطة المطلوبة "هي التي تحقق أكبر اصطفاف وطني على غرار ما حققه احتلال هجليج هي الجديرة بالنجاح"..الخ. قراءة الدكتور غازي جاءت صائبة،وكذلك رؤيته العامة لمواجهة هذا الوضع.ولكن وفي مناخ صراع سياسي تشيع فيه الريبة ومرارات الحاضر القريب ،لابد من أن يُرجح الحزب الذي يقود العمل السياسي والأمني والعسكري الاعتبارات التي تؤدي إلى الحشد الوطني الذي يتكافأ وحجم المواجهة المقبلة،وبما يحقق ذات القناعة لدى جميع القوى السياسية- وللأسف بعض الأحزاب الامور لديها ملتبسة،حيث قادها إنعدام الثقة –وبعضها قادها قصور الرؤية –إلى أن تغض الطرف عن الخطر الخارجي حتى وإن كان عدواناً أجنبياً طالما أن هذا العدوان -في تفكيرها- سوف يضعف الحكومة ويزعزع قواها!!.في مثل هذا المناخ الخطير والمتوتر، العبء الأكبر يقع على المؤتمر الوطني من أجل ترسيخ الممارسة الديمقراطية بكافة تعبيراتها وإجراءاتها المنصوص عليها دستورياً والمتعارف عليها ، ومن ذلك أن تمتنع عن مصادرة الصحف وإغلاقها إدارياً،وأن لا يتقيد النشاط الحزبي بأن يكون داخل دور الأحزاب وإلغاء الحصول على الإذن المسبق لإقامة نشاط خارج الدار- اللهم إلا إخطار ذو الشأن لحماية النشاط،وإلغاء الإعتقال التحفظي بسبب الرأي أو بسبب الإنتماء للعمل السياسي السلمي بوسائل ديمقراطية ....الخ وغيرها من إجراءات كفالة الحريات دون قيود إلا قيود القانون الجنائي. الجانب الآخر هو أن تتنازل القوى المؤثرة -المؤتمر الوطني- للآخرين عن أجزاء من المراكز المهمة المدنية والعسكرية والأمنية حتى تبنى قاعدة من الثقة بين الجميع-لأنك تريد جهد الجميع فلماذا يحرموا من مواقع هامة.وقبل كل هذا يجب أن لا تنفرد الحكومة بإتخاذ القرارات ثم تلحق الآخرين بها،وهنا أشار دكتور غازي لنقطة مهمة هي تقييد المفاوضين بواسطة خطة تفاوض يجيزها المجلس الوطني.المشكلة المطروحة حالياً يجب أن تطرح على كل حزب بواسطة رئيس الجمهورية،وان يستمع لرأي كل حزب،وان يشكل مجلس قيادة سياسية من جميع الأحزاب لصياغة الرؤية الواضحة للتعامل مع المشكلة المتفجرة مع دولة الجنوب ومع ما يجري من خطط إقليمية ودولية.ومن المهام التي تقرب وتسهل حشد الجهود الوطنية، أن تكون إحدى مهام هذه القيادة المشتركة وضع تصوراً لصياغة دستور البلاد لأنه سوف يحدد شكل الحكم،بعد أن تغير السودان جغرافياً وسياسياً وإدارياً. تطرق مقال دكتور غازي لدور الجيش وما قام به وما يجب أن يوفر لتطوير القوات المسلحة،وهذا أمر يحتاج لعلاقات دولية ويحتاج لأصدقاء،ولكن قبل هذا يحتاج لتنمية داخلية ووفرة في الإنتاج وقضاء على الغلاء الفاحش الذي ضرب أرزاق الناس دون رحمة،يجب أن تزول أنّات الجوعى،ولا يعتقد أحداً أن شعباً يعاني شح الطعام والدواء ويتدهور تعليمه،سوف يكون فيه جيشاً قوياً حديثاً يكافئ مخططات الطامعين الماثلة أو الآتية. لأجل هذا يجب أن لا تتعالى الحكومة على مطالب المواطنين تحت مبرر أن هنالك أولوية هي الإعداد للقتال،فالجيش القوي هو ثمرة اقتصاديه يسوده الاكتفاء والوفرة.وهذا يمثل كبرى التحديات التي لا تقبل الإرجاء. في السعي لحشد الدعم الإقليمي والدولي –العربي و الأفريقي،هنالك أمر هام يتمثل في ضرورة تمسك الحكومة بإتفاقية نيفاشا بشأن الحدود والترتيبات الأمنية التي خرقتها الحركة ولم تنفذ ما يليها،وبقيت قواتها شمال حدود 56،وهنا يجب مطالبة الدول التي رعت إتفاقية نيفاشا وشهدت على توقيعها بأن يكون لها دور –على الأقل يجب أن تقف على ما أوفت به الحكومة من إلتزامات سياسية واقتصادية و أمنية وما أخفقت فيه الحركة الشعبية التي تسيطر على الحكم في دولة الجنوب.,ان تبرز الحكومة التضحية الباهظة التي قدمتها من أجل وقف الحرب وإحلال السلام،تلك التضحية المتمثلة في ميلاد دولة جنوب السودان،فهل يعقل أو يقبل ذوي ذرة من عقل،أن يضحي شعب بثلث مساحته الخصبة من أجل السلام،ثم يسعى للحرب،وتتكالب عليه القرارات الإقليمية و الدولية لفرض مزيد من التمزق!.كما يجب أن لا تقبل الحكومة بإعادة التفاوض عن الوضع في جنوبي النيل الأزرق وكردفان،حيث سبق أن أجريت انتخابات،وصدر قانون المشورة الشعبية،وقطع شوطاً لإقرار المشورة الشعبية،ولكن عندما رأت الحركة الشعبية أن نتاج المشورة الشعبية سوف تعبر عن رضا بما ورد في نيفاشا،أشعلوا نار الحرب في جنوب كردفان،وتبعهم عقار،وكانت إرادة حكومة الجنوب واضحة،تدريباً وتسليحاً وتوجيهاً.فإن لم تطبق الحركات المسلحة ما أتفق عليه وشهد على الاتفاق المجتمع الإقليمي والدولي،فلماذا لا يٌلزم المجتمع الإقليمي و الدولي من خالف الإتفاق حتى ينصاع لما أتفق عليه..هل هذه هي العدالة الدولية التي للأسف سايرها مجلس السلم والأمن الأفريقي في قراراه الأخير.وهذا وضع يحتم بالفعل إجماع وطني حتى لا يتوهم أحداً بأن هنالك عدالة دولية يمكنها أن تُقر الحقوق وتحكم بالعدل. كما ذكرت العبء الأكبر يقع على الحكومة،وعلى المعارضة أن ترتقي بمعارضتها إلى مصاف ما يحدث وأن تكون لها رؤية واضحة لمتى تعارض الحكومة ومتى تقف مع الحكومة – ليس لأجل الحكومة،بل لأجل السيادة الوطنية وحماية أراضي البلاد ومواردها. و أي مواقف غير واضحة وغبشاء قد تقود إلى مواقع لا تشرف ولا يتشرف بها أحد. أحمد حمزة أحمد =جدة- 2-5-2012م