بسم الله الرحمن الرحيم المستشارية الثقافية لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بمناسبة الذكرى الثالثة والعشرين لرحيل الإمام الخميني قاعة الفردوس 3 يونيو 2012م كلمة الإمام الصادق المهدي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أخواني وأخواتي ابنائي وبناتي مع حفظ الألقاب لكم جميعا السلام عليكم ورحمة الله تعالى، وبعد يطيب لي في ذكرى الإمام الخميني الثالثة والعشرون أن أبعث عبر جمعكم الكريم برسالة صدق في الآخرين من سبع حقائق عن سيرته الباقية: أقول منذ قبل الثورة تتبعنا اجتهادات الإمام الخميني الفكرية والسياسية لأننا كنا نرى أن قوى الهيمنة الدولية وظفت الشاه شرطيا لرعاية مصالحها في منطقة الشرق الأوسط الكبير. فشد إعجابنا وتأييدنا أولئك الذين تصدوا لهذا التحالف المريض، وكان الإمام الخميني رائد هؤلاء ما جعلنا نسعى للقائه في باريس لدى إبعاده من العراق. إن في استقبال فرنسا له كاستقبال المجتمعات الغربية قبله وبعده لغيره من دعاة الحق إشارة لطيفة على أن منظمومة حقوق الإنسان جعلت ساحات الحضارة الغربية تتسع للذين تضيق بهم أوطانهم، إنها فرصة لجأ إليها كثيرون. ومنذئذ درجنا على المتابعة اللصيقة لأطوار وأحوال الثورة الإسلامية في إيران، وفي هذا الصدد تابعنا إنجازات الإمام وأهمها سبعة: أولا: لدى احتكاك أمتنا بالحضارة الغربية شد كثيرين الإعجاب بها لدرجة كراهية الذات على حد تعبير سلامة موسى: أنا مؤمن بالغرب كافر بالشرق. كان على رأس هؤلاء المستلبين في مجال التطبيق العملي في عالم السنة مصطفى كمال في تركيا، وفي عالم الشيعة الشاه في إيران. هؤلاء زعموا أن التقدم يعني حتما الانخراط في الحضارة الغربية بخيرها وشرها، وصارت مقولتهم: إن الغرب هو مستقبل الإنسانية ولا مكان لغير ذلك. ولكن بديع الزمان النورسي في المجال الفكري ثم نجم الدين أربكان في المجال العملي في تركيا نقضوا مقولات مصطفى كمال. وفي العالم الشيعي تصدى مجتهدون وحركيون لمواجهة مقولات الشاه على رأسهم الإمام الخميني الذي جمع بين التنظير والتحصيل العملي لإثبات أن التقدم ينطلق من التأصيل وثوابت الهوية، وأن استنهاض الهوية الإسلامية هو مفتاح التقدم. هذا الإنجاز من أهم حسنات الإمام. ثانيا: ترسخ في العالم الإسلامي عامة أن الانقلاب العسكري هو الوسيلة المفضلة لبناء الأوطان. معلوم أن الانقلابات العسكرية تفسد الآلة العسكرية والجسم السياسي وتحقق عكس مقاصدها. لقد قاد الإمام الخميني أسلوب الثورة الشعبية وسيلة للقضاء على واقع فاسد وفتح أبواب المستقبل. ثالثا: أدى تراكم الحزازات بين أهل السنة والشيعة إلى قطيعة عقائدية تامة، ولكن اجتهادات الإمام الخميني فتحت بابا واسعا للتعامل الإيجابي بين جناحي الأمة. رابعا: بعض اتجاهات الفكر الشيعي تربط مطالب الإصلاح الديني والسياسي بظهور الإمام الغائب. هذا النهج فيه ما فيه من الاستسلام للواقع الفاسد، ولكن موقف الإمام الخميني أوجب التصدي الفوري للفساد وتحقيق أهداف الشريعة ومصالح الشعب. خامسا: ومثلت كتابات الإمام نهج اجتهاد مستمر يزيل جمود الأحكام ويؤكد صلاحية الإسلام لاستيعاب المستجدات. سادسا: واتخذ الإمام نهجا واضحا في استقلال قرار الأمة في وجه التبعية للهيمنة الدولية بشقيها الغربي والشرقي. سابعا: الثورة الإسلامية بقيادته أسست لدعم الممانعة للهيمنة الدولية في العالم. هذه الإنجازات السبعة يعترف بها ويفخر بها المسلمون دون قيد مذهبي لأنها تلبي حاجات موضوعية لشعوب الأمة الإسلامية. ألا رحم الله الإمام الخميني رحمة وساعة وأحسن إليه (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[1] إن سيرة الإمام توجب إطلالا صحيا على المستجدات وأخص بالذكر سبع قضايا في الساحة الراهنة هي: أولا: أدت ثورات الفجر الجديد إلى قضاء الشعوب على سلطان الطغاة وفتح الطريق للتعبير عن التطلعات الإسلامية، تطلعات صارت تعبر عنها تيارات بعضها موغل في الإفراط وبعضها موغل في التفريط. ومعلوم أن الإفراط والتفريط هما من حبائل الشيطان للغواية. المطلوب اليوم وبإلحاح: اتفاق يحدد معالم الصحوة الإسلامية التي توفق بين التأصيل والتحديث، ميثاق ينزل مبادئ الإسلام على الواقع الجديد يقبله الشيعة وأهل السنة والصوفية ويكون من شأنه إنصاف السنة في أرض الشيعة، والشيعة في أرض السنة ما يكفل لهم مساواة الإيمانية والمواطنة. ثانيا: تراهن سياسات الهيمنة الدولية على تضارب المصالح بين الدول الإسلامية وينبغي سد هذه الثغرات لا سيما في منطقة الخليج فلا بد من تسوية مسألة الجزر المتنازع عليها بحوار جاد وحاسم وإلا فالتحكيم أسلوبا مجربا لحسم الخلافات بين الدول. إن الشعوب في سوريا والبحرين ومناطق أخرى تتطلع لحقوق الحرية والعدالة والمساواة وعلينا نصرتها بمقاييس عدالية واحدة، وإلا وقعت الحروب الأهلية وانفتح الباب للتدخلات الدولية واسعا. ثالثا: المطلوب توحيد رؤية الأمة حول القضية الفلسطينية ودعم الصمود والمقاومة ووضع أسس إسلامية ملزمة لعملية السلام القائم على العدل فلا سلام بلا عدالة. رابعا: ينبغي الاتفاق حول الملف النووي على أساس الآتي: · الإسلام يحرم أسلحة الدمار الشامل. · ينبغي إخلاء المنطقة من السلاح النووي وإلا فسوف يؤدي التنافس لسباق التسلح كما حدث في شبه القارة الهندية. · لا مساس بحق الدول في تطوير التكنولوجيا النووية لأغراض مدنية. خامسا: لوضع حد للفتنة المذهبية ينبغي منع التكفير، ومنع سب الصحابة، والاتفاق على التعايش بين اجتهادات المسلمين فاختلاف الاجتهادات هو باب للسعة للأمة. سادسا: الخلاف حول المهدية يوجب الاعتراف بحرية المسلمين في اعتقاد ما يرون حول المستقبل، ولكن هنالك حاجة لإصلاح آني يستجيب للنداء الرباني: (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ)[2]، وقوله: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[3]. هذه الهداية الوظيفية لا ترتبط بسلسلة نسب معينة ولا بتوقيت معين بل هي واجبة في كل زمان ومكان وتوجب أن يتفق الكافة عليها في وجه التحديات التي تواجه الأمة. سابعا: إن مؤتمر الدول الإسلامية تعبير ضعيف للغاية عن واجبية الوحدة اتجاه أمة واحدة تضم دولا متحالفة لتحقيق مقاصد مشتركة. إنني في يوم هذا التابين إذ أثبت على ضريح الإمام إنجازاته السبعة أناشد أمتنا أن نقدم على رؤية مشتركة في القضايا السبع.
والله ولي التوفيق. [1] سورة يونس الآية ( 26 ) [2] سورة الأنعام الآية (89) [3] سورة آل عمران الآية (104)