ثلاثة أيام وتعود عجلة التفاوض بين السودان ودولة الجنوب للدوران من جديد على طاولة الوساطة الإفريقية رفيعة المستوى بقيادة ثامبو أمبيكي باجتماع لجنة الحدود المشتركة بين البلدين، تليه اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية المشتركة في الحادي والعشرين من يونيو الجاري حسبما قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية العبيد مروح، ومع الخلاف الحاد الذي شاب الجولة السابقة التي انفضت دونما التوصل لاتفاق أساسي بشأن تحديد نقاط المنطقة العازلة بين البلدين وانسحاب القوات العسكرية ووقف دعم الحركات المتمردة لم تبارح الخلافات العنيفة بين طرفي التفاوض مكانها وعجزت عن الخروج من باب الاتفاق بالاعتراض والتحفُّظ الذي دفع به مندوب السودان بالأمم المتحدة السفير دفع الله الحاج على الخارطة الجغرافية التي دفع بها الوسيط الإفريقي أمبيكي لمجلس الأمن أمس، في وقت تجري مشاورات واسعة ومغلقة داخل مجلس الأمن لاعتماد أجندة محددة لطرفي التفاوض للتوقيع عليها من قبل البلدين فيما يتخوّف مراقبون من الخطوة باعتبار خطورة القرار الأممي على السودان خاصة وأن خارطة أمبيكي ومنقريوس ضمت «14» ميلاً ببحر العرب لدولة الجنوب، وخلف دهاليز التفاوض والتحضير تجري الخرطوموجوبا اجتماعات مكثفة لدراسة القرارات المحتملة لمجلس الأمن بشأن موضوع الخارطة وتوفيق النقاط الحدودية بين البلدين. في جوبا ينظر الفريق المفاوض لمسألة التحكيم الدولي بشأن المناطق المتنازع عليها وتبدو الفرص التي تمنحها جوبا للخرطوم للاتفاق بطاولة أمبيكي ضعيفة للغاية خاصة وأنها استبقت عرض خريطة أثارت حفيظة الوفد السوداني وأدت لانهيار المفاوضات عقب ضم الخريطة ل«6» مناطق جديدة بخلاف المناطق ال«4 +1» التي يقرها البلدان، وتتمرتس جوبا خلف باب المناورة من جديد في الجولة المقبلة كما يعتقد المحلل السياسي والمهتم بالشؤون الإفريقية د.محمد سعيد بوضع مبدأ التمسك بالخارطة التي دفعت بها إبان العملية التفاوضية السابقة والإصرار عليها والتمسك بدعوة المجتمع الدولي لنقل ملف الخلاف إلى التحكيم الدولي والحديث بشأن إطالة أمد التفاوض لتمرير خطوات سياسية وخطط نقل محددة بشأن السلطة في الخرطوم وغيرها من الأجندة السياسية التي تمارسها جوبا منذ وقت طويل لتعليب السودان بديباجة التغيير وفق قوله وهذا ما ذهب إليه كبير مفاوضي دولة الجنوب باقان أموم في مؤتمر صحفي بالعاصمة الإثيوبية قبل أسبوع بالتأكيد على ضرورة انسحاب القوات المسلحة من هجليج وأبيي وتحويل ملفهما إلى التحكيم الدولي، وعلى نسق ذلك تترى عقبات الفشل بالجولة المقبلة كما يتوقع عدد من المراقبين بحسبان أن الخلاف الأولي بين طرفي التفاوض وتباعد وجهات النظر والتعامل بنظرة ماذا أكسب ولما أخسر؟. ويسمي الخبير في فض النزاعات وإدارة الأزمات الإفريقية د.نادر عبد العليم مناقشة طرفي التفاوض لموضوع الخرائط الجغرافية بالهروب الكبير من مناقشة القضايا العالقة ويجزم بأن الوساطة الإفريقية في ذات نفسها تفاجأت بعرض الطرفين لخرائط خاصة لإقامة المنطقة العازلة، ويرى في حديث ل«الإنتباهة» أن إقحام جوبا لمناطق جديدة بغية تطويل أمد التفاوض مما يعتبره تكتيكاً عالياً لفتح أبواب أخرى للتفاوض لكسب نقاط محددة تشمل إدخال جهات أخرى للتفاوض مع الحكومة السودانية، ويجزم بأن ما تمارسه جوبا بطاولة أمبيكي تضييع للوقت وهروب من مناقشة القضايا الأساسية لكسب مزيد من الوقت، ويدمغ طرفي التفاوض بافتقار مبدأ حسن النية لحسم القضايا العالقة بين البلدين، ويقول:«الطرفان يعتقدان أنهما يمتلكان كروتاً للضغط سياسية واقتصادية»، ويصف ما يجري من عملية تفاوضية بين الخرطوموجوبا بالتسويف وتضييع الجهود والوقت، ويضيف: «باقان يفاوض بثورة جياع ربما تنفجر قريباً»، ويردف: «الوضع في السودان قد لا يكون أفضل حالاً»، ويؤكد د.نادر أن جوبا تفاوض بشروط ونقاط محددة، وعلى غرار ذلك تنسج خيوط الفشل رداء الجولة المقبلة التي ضربت لها الوساطة الإفريقية التاسع عشر من يونيو الجاري موعدًا للعودة لأديس أبابا، بينما يترقب الجميع ما سوف يصدره مجلس الأمن بشأن حسم العملية التفاوضية بين البلدين، ويعتقد الكثيرون أن جوبا نجحت في نقل ملف الخلاف لجهة دولية وهي مجلس الأمن حتى لا تخسر كثيرًا وتنجح في فتح أبواب للمناورة من جديد.