بسم الله الرحمن الرحيم الثورة فى معناها البسيط ، هى إظهار الرفض للظُلم مهما كان نوعها أو مصدرها ويمكن أن تكون بصورة فردية ، سواءاً كانت سلمية أو عسكرية ، فهنالك العديد من الثورات فى تاريخ السودان القديم والحديث شارك فيها كل أبناء السودان ، بدءاً بالثورة المهدية وفى فترة الحكم الثنائى ، ثم ما بعد الإستقلال كإكتوبر 1964 م ، وفى خلال فترة حُكم جعفر نميرى ، ثم ثورة رجب أبريل 1985 م ، وكل عُمر الشعب السودانى ثورات ، وبالرغم من ذلك لم يتحقق رغبات إنسان السودان من كل الشعارات التى رفعها والتى ذابت جميعاً كالجليد فى يومٍ مُشمس . من المُدهش حقاً لم يتم ربط أى ثورة يشارك فيها أهل المركز بالقبيلة ، لكن بكل أسف تُعطى إحتجاجات الهامش السودانى طابعاً قبلياً ، سواء كان ذلك فى الجنوب ، الغرب والشرق ، عدا الشمال الذى لم يثور إلا مرةً واحدةً ضد إسماعيل باشا جالباً العار لاهل السودان . هذا التصنيف العنصرى لكل الثورات التى تفجرت فى الهامش السودانى وربطها بالقبيلة ، لا يمثل إلا دليلاً واحداً ، على إن السودان مبنى على عِقد إجتماعى يصنف أهل السودان على أساس قبلى ، بحيث أن هنالك قبائل فى مرتبة عُليا وأُخرى دون ذلك وكأن السودان مُقسم إلى مُربعات ، مُربعات الهامش الثائرة ومُربعات المركز الهادئة ، فكيف لا وهى ( نايمة على العسل ) على حساب الهامش بعد أن إستأثرت بالسلطة والثروة ونسيت بقية أهل السودان . إذاً يمكن القول بان ربط الثورة بالقبيلة ووصفها بالعنصرية هو اُسلوب رخيص يستخدمه اهل المركز لمحاربة أهل الهامش والإستهتار بهم من أجل تخويفهم للعُدول عن ما يقومون به ، لكن الحمدُ لله إستوعب اهل الهامش الدرس جيداُ ، بالرغم من كل العقبات التى وضعها المركز من فتن ودسائس والحد من كل أنواع الخدمات الحياتية ، بالرغم من أنهم شركائهم فى هذا الوطن مُتساويين معهم فى الحقوق والواجبات . السودان بلد مُتعدد الأديان والإثنيات والثقافات ، فعلى أقل تقدير يجب أن يُعطى هذا التعدد تقديراً خاصاً لضمان مستقبل السودان والحفاظ على باقيه ، لانه فيه خيرٌ كبير لاهل السودان وداعماً أساسياً لوحدته . ليس من المعقول أن نستخدم القبيلة كأداة للتمميز بين أبناء السودان فى مناحى الحياة فى بلد يوجد به أكثر من 360 قبيلة ، موزعة على مِساحة لم تتمكن كل الحكومات التى تعاقبت على الحكم السودان التحكم فيه ومن العيب أن تُسهم حكومة المؤتمر الوطنى فى ترسيخ هذا المفهوم . الثورات التى تفجرت فى الهامش السودانى هى تعبيراً حقيقياً عن الحال الذى آل إليه من تدهور فى كل شىء ، حتى أصبح المواطن لا يستطيع الإيفاء بإلتزاماته وصار مُعدماً بسبب سياسات الإنقاذ الفاشلة . ماذا تريد الإنقاذ من السودان والسودانيين بعد كل السنيين الفاشلة التى حكمت فيه بإسم الدين ، فماذا كانت تفعل باهل السودان إذا حكمت بغير ذلك ؟ لكن فى الحقيقة إنهم أبعد من الدين كبعد الشمس عن الارض بشهادة كثيرون فى الحركة الإسلامية وقالوها صراحة ، بان الحركة الإسلامية إنتحرت فى السودان وآخرون ذهبوا أكثر من ذلك بان السودان لا يصلح معه الإ نظاماً علمانياً ، بدليل ان المشروع الحضارى ذهب إلى سلة المُهملات دون رجعة ، لانه لم يجد فى السودان الشخص الذى تتوفر فيه صفة الإمامة لتطبيقه على صعيد الواقع . فبدلاُ من أن تسود المحبة والرحمة والعدل والمساواة وغيرها من الصفات الحسنة التى نادى بها الإسلام فى صدره ، ساد القتل والتشريد والفرقة والشتات ، أين الإنقاذ من هذه الاية ؟ قال تعالى ( يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر واُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) صدق الله العظيم . إن الإنقاذ بعيدة كل البعد عن الآية المذكورة أعلاه ، بدليل أن ساستها يصفون الشرفاء من أبناء السودان وصفاً لا يليق بهم ، إستغربت جداً عندما سمعت أحدهم فى التلفزيون يقول فى معرض حديثه قائلاً : بالمناسبة ( عبد العزيز الحلو زاتو ما نوباوى ) . لا يمكن أن ينطق هذا اللسان الأخرس باحسن من ذلك لانه ساكت عن الحق ، فاللسان الأخرس عمره لا ينطق إلا بهذا النوع من التخلف الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع . ألم يكن عبد العزيز الحلو ، ذاك الفتى الذى أفنى أنضر سنين عُمره مناضلاً عن قضايا الشعب السودانى الذى ثار من أجله عُدة مرات ، امضى ثلاثين عاماً مُحارباً من أجل دولة المُواطنة التى تُخرجنا من الدونية والتبعية التى لم تجلب لنا سوى الجهل والجوع والمرض والتخلف فى كل شى وكأننا فى العصر الحجرى . ماذا قدمت الإنقاذ للهامش السودانى فى كل من دارفور ، جنوب كردفان ، النيل الأزرق وشرق السودان حتى نُحفزها بتصنيف المناضلين على أساس قبلى ، لكننا نُخرس مثل هذه الألسن بتحالف ( كاودا ) الجبهة الثورية السودانية للتغيير ، حقاً بتحالف الغيورون والشرفاء من أبناء السودان سيحدثون التغيير من أجل دولة يكون فيها القياس على أساس المواطنة .