[email protected] بعد مرور عدة شهور على الإتفاق الإطاري الذي تم توقيعه بين الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة مالك عقار ونافع علي نافع ممثل الحكومة السودانية، ذلك الإتفاق والذي كان من شأنه حصر معاناة شعبي جبال النوبة و النيل الأزرق فقط في إطارها العام الناجم عن سياسة الإفقار الحكومية المتبعة ضد كل شعوب السودان المهمشة ، ولكن سرعان ما إنقلبت الحكومة السودانية على ذلك الإتفاق مستخدمة قاعدة: إهبل تربح ظنا منها أنها يمكنها الإنتصار على الجيش الشعبي لتحرير السودان والذي كانت تعتبر مبارزته في الجنوب السابق مدخل إحترافية الجند السوداني الذي ما أنفك يعمل ضد العقيدة العسكرية لكل أوطان العالم بحصد أرواح الشعب الأعزل بدلا من حمايته، وبعد أن قضت القوات المسلحة السودانية بكل ما تملك من آلة حربية على كل ما تصله وقتل ما أمكنها قتله وتشريد مئآت الآلاف من سكان المنطقتين، وبعد كل الهزائم التي منيت بها القوات الحكومية، عاد المؤتمر الوطني إلى مسرح السياسة السودانية وكأنه أكتشف وجود و إمكانية الحياة في كوكب دون الأرض(؟) تواكب نظريات مجتمعه السياسي وضعية السودان، لتؤج كل الأساط السياسية والإعلامية بالحديث عن المفاوضات مع الحركة الشعبية (شمال) - أو كأن قادة المؤتمر الوطني أتتهم ليلة قدرنصفية بإرادة سياسة جديدة وليست من فروض المجتمع الدولي تلك – في سلوك ضوضائي الغرض منه تعبئة الشارع السوداني والقوى الموالية لهم ووضع الحركة الشعبية في الأمر الواقع، بحصر العملية التفاوضية فقط بينهم (أهل المؤتمر) والحركة الشعبية أو قل في خطوة الغرض الأساسي منها تفكيك الجبهة الثورية السودانية والتي تعتبر الحركة الشعبية مكون رئيسي لها. المتابع لحراك الحكومة السودانية وطريقة تعاطيها مع القضايا السياسية يدرك أن الحكومة السودانية لا زالت تسير في ذات الإتجاه التي رفضت فيه أن يكون التجمع الوطني الديمقراطي وقوى الثورة في دارفور جزء من العملية السلمية بداية الألفينات والتي أفضت في نهاية المطاف إلى فصل جنوب السودان الذي كانت (الحكومة) قد أسست له بشكل جيد حتى قبل توقيع إتفاقية نيفاشا، وهذا ما يتجلى في رفض الحكومة السودانية لمقترح الحركة الشعبية والمتعلّق بوضع كل القضايا الوطنية في طاولة موحدة وبالتالي فتح عملية الحوار ومشاركة كل القوى الفاعلة ولا سيّما الثورية منها وقوى المجتمع المدني لضمان عدم العودة للحرب مرة أخرى أو عدم تكرار تجربة جمهورية جنوب السودان على الأقل في ما تبقى من سودان. عند توقيع الفريق مالك عقار رئيس الحركة الشعبية (شمال) للإتفاق الإطاري مع مستشار رئيس الجمهورية الدكتور نافع علي نافع، على الأرجح كان مالك يعتقد أنه بالإمكان الوصول إلى تسوية حقيقية وتحقيق سلام مع نافع الحرب الذي ربما كان يلعب دور الأهبل وفق القاعدة أعلاه لضمان عدم تكرار المضايقات والمطبات الجوية التي تعرضت لها طائرة الرئيس البشير الذي كان في طريقه للصين آنذاك ليلغها عقب عودته مباشرة ويعلن أمر القبض على القيادة الميدانية للحركة الشعبية (الفريق عبد العزيز الحلو) وهو يعلم أن ما عجزت عنه القوات السودانية لأكثر من نصف قرن من الزمان لا يمكن أن يتحقق بدموع الباشمهندس الطيب مصطفى (مرجعية البشير) والذي بدوره صرف النظر عن إساءة قيادة الحركة الشعبية (شمال) واتجه نحو العمل الدعائي لتغيير نظام الحكم في جمهورية جنوب السودان، فقط ليداري بذلك عن فشل قوات ومليشيات البشير التي أطلق هو الآخر يدها لإسكات نواح الأول بمسجد أبو الثاني (مسجد حسن أحمد البشير)، وهو يعلم تماما تبوغرافية جمهورية جنوب السودان التي خرجوا منها مطأطئ الرؤؤس، والتي إعتلت سلم الدول المانحة لفك الأزمة الإقتصادية الحكومية في السودان، ولكن.. وإذا كان المؤتمر الوطني يلعب هذه المسرحيات المكشوفة وهو يعلم أنه ستقوده في نهاية المطاف إلى تحقيق هدفه النهائي وهو عملية تقسيم حتى ما تبقى من سودان، وإذا كان المؤتمر الوطني يصر على تناول المشكل السوداني بالقطاعي هل هناك ما يجعل القوى التي تقف ضد هذا النظام بأن تتوافق على برنامج حد أدنى لبناء إرادة سياسية حقيقية بعيدا عن التاكتيك لمنع تفتيت ما تبقى من سودان؟، أم هل سيظل كل ما تردده القوى الثورية وتلك المعارضة، عن القومية والوطنية مجرد شعارات يمكن تقزيمها بإبتسامة رقيقة من المؤتمر الوطني لكل على حدة؟. كل هذه الأسئلة وأخرى كثيرة تحتاج لإجابات عملية وخصوصا بعد تقاعس بعض القوى السياسية وشق صف الثورة الشعبية السلمية التي ضربت العديد من المدن السودانية والتي قوبلت بشئ من المخاطبة والعصي والدخان في أواسط السودان، في الوقت الذي ووجهت بأسلحة الدفاع الجوي في نيالا (غرب السودان) وقتل أطفال المدارس من قبل قوات المؤتمر الوطني الذي يصر أن يفاوض فقط الحركة الشعبية (شمال) لشق صف الجبهة الثورية السودانية وتحقيق سلام جزئي في كل من النيل الأزرق وجنوب كردفان ومن ثم تكرار سيناريو جمهورية جنوب السودان، ثم الإستعداد للحرب مرة أخرى في دارفور لحين إشتعال الجبهة الشرقية (البجا) ، فإتفاق ومن ثم الإخراج النهائي لعملية تقسيم السودان وبناء دولة حمدي العنصرية (الأبيض – دنقلا – سنار) والتي حينها ستكون قد أسست بإرادة كل القوى السياسية السودانية والتي ظلت عاجزة عن دفع مستحقات ما تحمل من مشروعات تنادي ببناء دولة سودانية موحدة.