إستراتيجية الحركة الشعبيَّة لم تتغيَّر ولم تتبدَّل في يوم من الأيام منذ أن أعلن عنها جون قرنق حتى صدور وثيقة الفجر الجديد التي وقَّعت عليها أحزاب الجبهة الثورية السودانية وأحزاب قوى الإجماع الوطني التي تنكَّر بعضُها لتلك الوثيقة فيما بعد وتراجع عنها.. هذا ما سأُثبتُه في هذا المقال من خلال الوثائق آملاً هذه المرَّة من الحكومة ومن قيادات المؤتمر الوطني أن يقرأوا حتى يفهموا إستراتيجية منبر السلام العادل في التعامل مع دولة الجنوب أو قُل حتى يعلموا ثم يقرِّروا بعيداً عن أوهام بعض السُّذَّج والغافلين خاصَّة من المفاوضين الذين يدفعُهم غرورُهم لتجاهُل الحقائق الموضوعيَّة بل إلى التغافُل عن الوثائق الدامغة. أولاً علينا أن نعلم أن وثيقة (الفجر الجديد) هي بمثابة استنساخ لوثيقة إعادة هيكلة الدولة السودانيَّة التي صدرت عن الجبهة الثوريَّة السودانيَّة في الرابع من أكتوبر الماضي والتي وقَّعها مالك عقار إير بصفته رئيساً للجبهة الثوريَّة والتي تعبِّر عن مشروع السودان الجديد الذي تبنَّاه قرنق كهدف إستراتيجي ويكفي أنها أخذت عنوان (إعادة هيكلة الدولة السودانية) وهي ذات العبارة التي وردت في وثائق الحركة الشعبيَّة لتحرير السودان وأذكر العبارة الشهيرة لقرنق في محاضرة ألقاها في فيرجينيا بأمريكا في يونيو «2002م» قال فيها بالحرف: (الهدف الرئيسي للحركة الشعبيَّة هو إنشاء السودان الجديد وهو يعني انتهاء النموذج العربي الإسلامي المتحكِّم الآن وإعادة بناء السودان Restructuring وفق رؤية الحركة للسودان الجديد عن طريق الإحلال والإبدال بين النموذجين. وثيقة الجبهة الثورية لا تدعو إلى تفكيك النظام بل إلى تفكيك الدولة السودانية القديمة بدليل أن عنوانها يحمل هذا الهدف (وثيقة إعادة هيكلة الدولة السودانيَّة) ولو كان العنوان إعادة هيكلة الحكومة السودانيَّة لهان الأمرُ فنحن لا تهمُّنا هذه الحكومة وأية حكومة سودانيَّة بقدر ما يهمُّنا السودان الذي يسعَون إلى إعادة هيكلته وتشكيله بما يُحدث تغييراً جذرياً في هُويَّته وإرثه الحضاري. هل دعت وثيقة الفجر الجديد إلى ما دعت إليه الجبهة الثوريَّة في وثيقتها؟ بالتأكيد.. ذلك أن المحتوى يكاد يكون واحداً فيما عدا نقاط وبنود قليلة أُدخلت فيها (قوى الإجماع الوطني) وأُضيفت إلى (الجبهة الثوريَّة) عند الحديث عن تشكيل الحكومة الانتقالية التي تعقب الحكومة الحاليَّة عند سقوطها أمَّا البنود الأخرى فقد تطابق كثيرٌ منها تطابقاً كاملاً حتى في الألفاظ بينما عُدِّلت بعضُ العبارات ربَّما للتمويه حتى وإن كانت تحمل نفس المعنى. مثلاً بالنسبة لبند علمانية الدولة تنصُّ وثيقة الفجر الجديد على الآتي:- (إقرار دستور وقوانين قائمة على فصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة لضمان عدم استغلال الدين في السياسة). نفس العبارة وردت بدون أي تغيير في وثيقة الجبهة الثوريَّة السودانية!! لا داعي لتكرار ما أوردناه في بيان منبر السلام العادل حول الخطايا الكبرى في وثيقة الحركة الشعبيَّة المسمّاة بالفجر الجديد مثل إعادة هيكلة القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى وغير ذلك من مطلوبات مشروع السودان الجديد وأودُّ في هذه العجالة أن أكتب عن بعض الممارسات التي تفتُّ في عضدنا وتُضعفنا وتزيد من حالة الضغط المنخفض التي يعاني منها السودان جرّاء انكسار الإرادة السياسيَّة التي يعاني منها المؤتمر الوطني والتي أفضت إلى الواقع المأزوم الذي تتلظَّى بلادُنا في رمضائه ويكفي أن أُشير إلى أن دولة الجنوب الوليدة هي التي تتحرَّشُ بنا وتحتلُّ أجزاءً من ترابنا الوطني وتدعم المتمردين على سلطان الدولة وتحتضن الجبهة الثورية وتتَّخذ موقع المهاجم بينما نقف نحن موقف المدافع.. يكفي أنَّ الحركة تحمل اسماً عدائياً (تحرير السودان) تحتفظ به حتى بعد أن خرجت من السودان فهل يتصوَّرُ أحدُكم أن يحمل الحزبُ الحاكم اسم (المؤتمر الوطني لتحرير جنوب السودان)؟! أزيدُكم كيلَ بعير لأزيد من أوجاعكم فها هو سفير السودان في جوبا مطرف صديق ينصح بقبول اتفاق نافع عقار الذي أُقسم بالله إنه جزء من وسائل تحقيق مشروع السودان الجديد!! اتفاق نافع عقار الذي وُقِّع بدون تفويض من مؤسسات المؤتمر الوطني واجتمع المكتب القيادي بعد توقيعه وركله كما ركله الرئيس البشير بقدميه ينصح مطرف بقبوله ويدافع عنه على رؤوس الأشهاد بدون أن يطرف له جفن وبدون أن يخشى عقاباً أو مساءلة!! حدِّثوني بربِّكم عن سفير في الدنيا يُعلن عن معارضته للقرار السياسي لحكومته.. حدِّثوني عن سفير في الدنيا يساند مواقف البلد الذي يحتل أرضه ويحرِّضه على الثبات على مواقفه المتطرِّفة تجاه بلاده!! حدِّثوني بربِّكم عن سفير يخدم أجندة البلد الذي يعمل فيه سفيراً على حساب البلد الذي يحمل جنسيته والذي نصَّبه سفيراً للدفاع عن مواقف بلاده!! إن مطرف صديق يُرسل رسالة خاطئة لدولة جنوب السودان ولقطاع الشمال العميل وللمجتمع الدولي بما فيه أمريكا وإفريقيا ومؤسساتها المتحاملة أصلاً على السودان بأن بلاده مخطئة في مواقفها وينبغي أن تُمارَس عليها مزيدٌ من الضغوط لحمْلها على الاستجابة. ويحذو المفاوض الآخر سيد الخطيب حذْوَ مطرف ويمارس الرجلان ضغطاً على حكومتهما لكي تثوب إلى رشدها وتصحِّح خطأها!! المفاوضان سيد الخطيب ومطرف يساندان دولة جنوب السودان ضد دولتهما لكنهما رغم ذلك يبقيان خالدَين مخلَّدَين في بلاد خلت من العباقرة غير هذين المنبطحين وأمثالهما الذين أوردوا السودان موارد الهلاك أو كادوا!! إنها بلاد بلا وجيع.. بلاد تستحقُّ أن تتحرَّش بها دولة جنوب السودان ويتطاول عليها أقزام الفجر الجديد والجبهة الثورية وعرمان وباقان وعقار والحلو وغيرهم من شُذاذ الآفاق والعملاء.. بلاد لا تحاسب من يقدِّم الهدايا المجانيَّة للأعداء بدون أن يطلبوا منه ذلك بل وتكافئهم وتنصِّبهم مفاوضين دائمين على رقاب الشعب السوداني المغلوب على أمره!! هل أخوِّنهم؟! لا وألف لا لكني أحمِّلهم مسؤوليَّة ما يحدث وأقول بملء فِيَّ إنهم يرتكبون جرائم في حق وطنهم.. أخي نافع.. لا تدافع عن الحكومة فالحركة وعملاؤها لا يتحرَّشون بالحكومة وإنما يتحرَّشون بالسودان ويسعَون إلى إعادة هيكلته بمشروعهم الشيطاني (مشروع السودان الجديد) وبذلك تحشدون الشعب خلفكم لأنَّ الشعب يعنيه السودان ولا تعنيه حكومتُكم التي لن تدوم كما يدوم الوطن.