لا اظنني أضيف جديدا إن تحدثت عن جحيم المعاناة في جهاز السودانيين العاملين بالخارج ، وما اكتبه الآن هو غيض من فيض و نقطة في بحر مما كتب في هذا المجال، إلا أن اليقين الذي لا مراء فيه أن ادارة الجهاز لا تعبأ كثيرا بما يثار في هذا الصدد ، وان ما يقوم المغتربون بدفعه هو ما يدفع حافزا لمن يتفننون في تعذيبهم بإطالة وتعقيد الاجراءت التي لا حصر لها ولا عد و كثيرا منها لا ضرورة له ( مثال لذلك شراء ملف لوضع الأوراق بمبلغ لا يستهان به بدون إيصالات مالية) . حقيقة منظر التزاحم والتدافع بين أمواج البشر المتلاطمة يذكر من ينظر بيوم عرفة ، إلا أن الفرق أن كثيرا من القائمين على الآمر في جهاز المغتربين يتعاملون بفظاظة لا ادري هل هي سياسة مقصودة أم أنها نتاج قلة الكوادر العاملة وما يترتب عليها من ضغط العمل الذي يؤدي بدوره إلى ضغط نفسي ، أيا كان الأمر فان المهنية تتطلب بحث هذه المسالة بواسطة إدارة الجهاز لمعرفة أسبابها و القضاء عليها إذ ليس من العدالة أن يظل المغترب يدفع ليتجرع مرارت سؤ المعاملة أي أن يدفع ثمن تعذيبه . لا ادري ما الذي يجعل القائمون على أمر هذا الجهاز يصرون على عدم وجود مكتب للاستعلام يشرح للمغترب المغلوب على أمره من أين يبدأ إجراءه المطلوب إذ أن كثيرا من المتعاملين يقفون الساعات الطوال في احد الصفوف ليكتشفوا منتصف النهار أن إجراءتهم في مكان أخر. حيث تبدأ رحلة السؤال عن هذا المكان لمعرفته حتى يقوم الشخص بالحضور فجر الغد ليبقى أمام المبنى الذي يفتح في الثامنة والنصف صباحا وهكذا يكون المتعامل سعيدا إن أنجز إجراء واحدا في يومين فقط . هنالك بعض الأمور البسيطة والتي لا يقتضي القيام بها ميزانية ترهق كاهل هذا الجهاز إلا إنها يمكن أن تسهم في ترقية الأداء و تسهيل الإجراء وتوفير القليل من الجهد والوقت على المغترب ، ويمكن أن نشير إلى بعضها مثل وجود مكتب استقبال خارجي يعلم الداخل ابتدأ أن إجراءه يبدأ من المكتب رقم كذا، وان الإجراء المطلوب يتطلب مستندات معينة حبذا لو وضعت قائمة بهذه المستندات بلوحة في الاستقبال حتى يعلم القادم مدى جاهزية طلبه تجنبا لرحلة قد تستمر نهارا كاملا ثم يفاجأ المغترب بأنه يتوجب عليه إحضار مستند آخر و العودة صباح الغد . ثم ما المانع من ان توجد أمام كل مكاتب الاجراءت ماكينة صغيرة تستخرج أرقاما متسلسلة تحفظ أولوية القادم أولا بحيث يجلس المتعامل لحين ظهور رقمه على الشاشة ومن ثم مقابلة الموظف المعني دون التزاحم العشوائي الذي يختلط فيه حابل المدنيين بنابل العسكريين الذين يحاولون مساعدة بعض زويهم . أيضا لا أرى أن توفير مكان للجلوس أمرا تستسهل إدارة الجهاز دونه خرط القتاد ، إذ من المفارقات أن جميع مكاتب الموظفين مكيفة الهواء لدرجة تصيب بالبرد بينما الباحة الخارجية للمبنى وهي مكان الانتظار الوحيد أشبه بحظيرة الماشية في أي دولة خليجية ( سقف من الزنك به مراوح لا تعمل) . ولكن ليس كلما في الجهاز سيئا فمن رحمة الله ولطفه بعباده أن يسخر رجالا تقضي على أيديهم حوائج الناس مثل الأخ العقيد منتصر معتصم مأمون الذي يعمل بإدارة الجواز الالكتروني، اشهد الله أنني لا اعرف هذا الرجل من قبل ولم نلتق قط كان لقاءنا وسط الحشود الزاحفة وهو ينظم الصفوف وما دفعني للحديث معه تواضعه الجم إذ أنني لم أر من قبل ضابطا بهذه الرتبة وهو يقوم بمثل هذا العمل، سألته عن المستندات المطلوب لاستخراج جواز الكتروني فأفاض الرجل في الشرح والتبسيط بكل صبر وهدوء كان يقطع شرحه بين الحين والآخر تدخل المتعاملين الآخرين الذي يستفسرون أما عن مسائل أخرى يتعلق بعضها بعمل الشرطة أما البعض الأخر فكان ينبغي أن يتولى الرد عليه آخرون . تابعت مع الأخ العقيد حتى تمكنت من إكمال الاجراءت اللازمة لاستخراج الجواز وانتظرت لأكثر من ساعة وسط الجموع الملتفة حوله تستفسر وتطلب المساعدة حتى أني حسبت أن الكل من أهله ومعارفه رغم اختلاف السحنات وكان غرضي أن اشكر له حسن صنيعه إلا أن الرجل رفض حتى الشكر باعتبار انه يؤدي واجبه فقط وانه يكون في قمة السعادة حينما يراجع آخر اليوم حصاد ما أنجزه من معاملات وما قدمه من مساعدات . لقد اعتدنا في السودان أن ننتقد كل من يقصر إلا انه من حق مثل هذا العقيد علينا أن نذكر بعضا مما قدمه فوق الواجب المهني ، وقد علمت من البعض أن السيد مدير الشرطة قد أشاد به من قبل ، من هنا أناشد السيد وزير الداخلية أن يمنحه التكريم الذي يستحقه تشجيعا للغير بان يحذو حذوه فالشرطة خلقت لتكون في خدمة الشعب كما يقول شعارها فمن حق من يخدم أن يشكر ويكرم أما من خدمهم العقيد بدون سابق معرفة وبدون انتظار لنوال أو كلمة شكر مثل شخصي الضعيف فلا نملك إلا أن ندعو له بان يجعله الله على منابر من نور يوم القيامة مع الذين يغبطهم الأنبياء لأنهم تقضي على أيديهم حوائج الناس كما حديث المصطفى عليه أتم الصلاة وأفضل التسليم وأكثر الله من أمثالك أخي العقيد منتصر . طارق عثمان عباس بخيت [email protected]