يا أخي صديق ، أيها الحبيب العائد إلى رحمة الله ورضوانه ، أعذرني فقد تأخرتُ وتعثرتُ وتاهت كلماتي. وهل كنت إلا صديقا صادقا تمشي في إثرك اللحظات المترعة بألق المعاني ، والقصائد المبهجة حين يؤوب الناس لعوالم الفرح والجمال بعد رهق الحياة وعناء الهموم والأحزان. تلتقيهم كلماتك المنتقاة من عوالم الدهشة والإبهار ، وتحلق بهم في سماوات المشاعر الجميلة واالفواصل الندية بكل جديد مفرح.كيف لا يا حبيبنا الذي افتقدناه وأنت الذي ما استعصت عليك القوافي فأنتقيت المعاني البازخة من تخوم الذكريات النائية ، ومن إلتماعات الأنجم القصية ، ومن أشواق المحبين.وأتيت بالأصداف الزاهية واللآلئ الثمينة وأنت تغوص في أعماق الأبجدية وتنتقي الروائع ، فجئت بالمفردات العاشقة والرؤى الأنيقة ما ضنت عليك القوافي بوعد ولا أخلفت لك لقاءًً. كنا نسعد بوجهك الصبوح وبإطلالتك الحبيبة للنفوس،تسبقها البشاشات وروح الدعابة الممراح.جمعنا بك وبرهط من الأحباب المنتدي الأدبي الفني الذي عرشناه بأشرعة أشواقنا الوارفة ، وبللنا وسائده بأدمع الشجن ونحن ندوزن ألحان الحياة ونشدو أغنيات الحب للوطن.تحلقنا حول المنتدى في رياضٍ عمرت بك سنينا وزهت بك وبإشراقات فنك أيامُها . كنا نلقاك فتضج اللحظات الحلوة بصوتك الشجي الهامس، وتحلق في سموات أمسياتنا قطوف أشعارك المملؤة بالندى والعبير، المتسربلة بصفاء نفسك المهوِمة في آفاق الرؤى الحالمة . وكان يأسرنا جمال روحك السادرة في بحور المعاني المترفة. كنت تتجاوز بنا الأحزان وتحيل فضاءات لقاءاتنا العامرة بك وأمسياتنا الندية بوجودك، إلى عوالم من السحر والإبداع. كنت بخيالاتك المترعة بفيوض الذكرى وأصداء الزمن الجميل تخفف عن أحبابك وحشة الغربة وعناء الارتحال. حكيت لنا في كل ليلة عن وطن أحببناه، وحملناه في جوانحنا وعزفنا معك ألحانه الخالدة ، وتغنينا له بأجمل الأغنيات.معك تمنينا أن نعود لحضنه الفسيح، نسامر الأمنيات الغالية ونعانق الضفاف بأخيلة عامرة بالرجاء ، وبشريات زاخرة بالآمال الطامحة.حين لاحت بشائر السلام غنينا سويا وكنت أول المبشرين بسلام يعم بلادنا، بلاد المحبة والمهابة والوئام.كنا نخاطب الوطن مهد البطولات العظام ونغني: هاهم بنوك تدافعوا للسلم وانتظم الزحام /وتعاهدوا بالحب لا ضغن هناك ولا خصام/ جاءوا إليك بناة مجد لا تراجع لا انقسام / إنا بوحدتنا سمونا وانطلقنا للأمام/ فلتشهد الدنيا لنا إنا انتصرنا للسلام.وحين خاب الرجاء وانقسمت بلادنا وتفرقت الدروب بكيت وبكينا معك ثم رحلت وتركتنا في لجة الأسى والأحزان. فعليك السلام في عليائك يا صديق مدثر أيها الشاعر الانسان الجميل ، أيها الحبيب العائد إلى رحمة الله ورضوانه، تصحبك دعوات من أحببتهم وأحبوك ومن تركت لهم كنوزا من القيم الفاضلة والمعاني الحلوة التي سطرتها شعرا أنيقا وقصائد خالدة تسبح فوق المجرات وعلى أخيلة الأزمان الآتية. سنفتقدك حين يكتمل مجلسنا في المنتدى ، وحين يصطف الشعراء لإلقاء القصائد ، وحين يشدو المغنون بروائع كلماتك.لك الرحمة والمغفرة في عالي الجنان.