عندما إنتفض الشعب السوداني ضد الحكم الإنقلابي المايوي .. كانت هناك أسباب موضوعية وحدت كل الشعب السوداني بكل فئاته ضد الحكم المايوي .. طلاب ، عمال ، أساتذة ، أطباء ، نقابات ، أحزاب ، منظمات مجتمع مدني ، الكل إنتظم فى لوحة ثورية واحدة ضد حكم العسكر .. وضد حكم الفرد .. وضد حكم السدنة .. قدمت مايو الكثير من الإنجازات للشعب .. مصانع ، طرق ، كباري ، مؤسسات حكومية ، قطاع عام فى صالح المواطن .. كل هذا لن ننكره .. ولكن لم تنجح مايو فى منح الشعب السوداني ( الحرية ) لم تنجح فى الديمقراطية .. تعاملت وكان أرض السودان ملك حر للإتحاد الإشتراكي .. أممت الصحف لم تكن هناك سوى صحيفتي ( الأيام ، والصحافة ) وهى تابعة للإتحاد الإشتراكي .. منعت صدور الصحف .. كممت الأفواه .. منعت النقد .. قمعت المعارضة .. حلت الاحزاب .. قتلت وإعتقلت وشردت .. فعلت مايو الأفاعيل بكل معارض لها .. لم يغفر لها الشعب حكم وإنجاز دام 16 عام .. ولم يقبل الشعب فكرة القائد الواحد .. والحزب الواحد .. والإعلام الواحد .. إنتفض الشعب فى مارس أبريل 1985 م من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الشعب .. إنتفض من أجل الكرامة .. من أجل البقاء .. إنتفض كل الشعب .. وإنحاز الجيش للشعب وتشكلت أجمل لوحة شعبية ضد الحكم الإنقلابي .. وإنتظمت جموع الشعب على كلمة واحدة .. لا لحكم العسكر .. نعم للديمقراطية .. وكان الحكم المايوي .. متخبط تارة يساري وتارة يميني .. وإستولت فى أواخر عهده الجبهة الإسلامية على حكم النميري .. وأصبحت هي الكل فى الكل .. مؤسسات ، وزراء ، جيش ، وعندما جلست الأحزاب السياسية للإتفاق على ميثاق عهد جديد .. عهد يرفض فيه الجميع الإنقلابات العسكرية .. عهد يعمل فيه الجميع لكنس آثار مايو .. ومحو ملامح ذلك الجيل .. عهد يحتكم للديمقراطية والقانون .. عهد يصنع فيه دستور دائم للبلاد يعبر عن كل جموع الشعب بكل إختلافاته .. وبكل أديانه ومعتقادته .. وصناعة دستور يعبر عن طموحات الأجيال ومستقبل السودان ..ولكن .. ثم لكن .. أتدرون ماحدث حينها .. عندما وقعت جميع الاحزاب والتنظيمات ومنظمات المجتمع المدني على ( ميثاق الدفاع عن الديمقراطية ) .. ذلك الميثاق الذي كان يعبر عن تطلعات ثورة مارس أبريل المجيدة .. يعبر عن مطالب الجماهير .. ميثاق كان سيضع مسيرة السودان على الطريق الصحيح .. ولكن ثم لكن أتدرون ماحدث .. رفضت ( الجبهة القومية الإسلامية ) التوقيع على الميثاق .. ورفضت كل ماجاء فى ميثاق الشعب .. تجاوزها حينها الجميع وتركوها فى رجعيتها وتفكيرها الظلامي .. ووقعوا على الميثاق .. وبدأ الجميع أولى خطوات الديمقراطية .. رغم الأخطاء لكن كان الطريق صحيح .. ولو أخذت حينها تلك الديمقراطية وقت كافي لأزهرت وأثمرت .. لكن تلك القوى الرجعية رفضت هذا التطور ورفضت هذا الميثاق .. وإنقلبت على النظام الديمقراطي فى يونيو 1989 م ووأدت الديمقراطية عن عمر لم يتجاوز الأربع سنوات .. دفنتها وهي طفلة فى أولى خطواتها .. ولكن رغم مايحدث وماحدث للسودان من مغامرات مدنية وعسكرية ورغم كل ما تفعله الأنظمة من إنجاز أو فشل فإن الشعب لن يثق فى أي قوى إنقلابية مهما كان هدفها ومهما وعدت ومهما أنجزت .. فالديمقراطية هى المطلب الأول والأخير ..وكل الأنظمة الإنقلابية هى غير دستورية وسيرفضها الشعب وسيظل يرفضها إلى ان يوقع الجميع على ميثاق الدفاع عن الديمقراطية وكنس آثار الأنظمة الإنقلابية .. ولكم ودي ..