شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    شاهد بالصورة والفيديو.. ناشط مصري معروف يقتحم حفل "زنق" للفنانة ريان الساتة بالقاهرة ويقدم فواصل من الرقص معها والمطربة تغي له وتردد أسمه خلال الحفل    شاهد بالصورة والفيديو.. ناشط مصري معروف يقتحم حفل "زنق" للفنانة ريان الساتة بالقاهرة ويقدم فواصل من الرقص معها والمطربة تغي له وتردد أسمه خلال الحفل    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    خريجي الطبلية من الأوائل    لم يعد سراً أن مليشيا التمرد السريع قد استشعرت الهزيمة النكراء علي المدي الطويل    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    عائشة الماجدي: (الحساب ولد)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    تحديد زمان ومكان مباراتي صقور الجديان في تصفيات كاس العالم    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دولة إرتريا.. إرادةٌ تتحدى الجميع وشموخٌ يبني الذات


تقرير: عادل حسون
الزائر للشقيقة إرتريا سيخلص إلى إدراك أن نجاح إرادة الإنسان في وجه التحديات، حتماً يخلق أعداءً كثر، حقيقيين كانوا أو متوهمين أو الاثنين معاً. هذه النتيجة المباشرة، لا تتأتى للزائر، من كون الإرادة الوطنية المستقلة لهذا البلد المحوري في القرن الإفريقي، هي جماع محصلة المكان والزمان فحسب، بل هي منتج نهائي لمعنى مقاومة الواقع المجرد والصمود أمام تحدياته، مهما تكلف ذلك من أثمان كثيرا ما تبدو باهظة الكلفة. حقاً، تبدو إرتريا في خضم معركة متواصلة لا تنتهي أبداً، منذ أن رفعت علم استقلالها مطلع عقد التسعينات الماضي وحتى اليوم. فالإرتريون لم يضعوا السلاح، المادي والمعنوي، جانباً، يوماً، حتى بعدما تحولت ثورتهم التحررية إلى دولة كاملة السيادة تحظى باعتراف الجيران والمنظومات الإقليمية والدولية سوياً. ولكن، تعليل ذلك ومرده، هو ما يثير الاختلاف بين أنصار رأيين. أنصار نظرية "المؤامرة" من جهة، من يركنون إلى التفسير المعتاد، ألا أن النظام الاستبدادي في أسمرة يفتعل المشكلات مع جيرانه والقوى الكبرى في العالم وحتى مجلس الأمن الدولي والمنظمات الإقليمية الاتحاد الإفريقي مثلاً، ليصرف أنظار المجتمع الداخلي إلى معارك الخارج مداراة لفشله وفساده الذاتيين. وأنصار نظرية التحرر وإرادة الشعوب المستقلة، ممن يدفعون بمعطى آخر يخلف تفسيرا مغايرا، قد يثير دهشة المتأمل وتعجبه. لتفرده من ناحية، ولأهمية عدم إغفاله من الناحية الأولى. فالشعب الإرتري بطبعه، ليس كجيرانه في الإقليم. والدولة نفسها ذات سمات خاصة بها لا تشبه الآخرين. وما شهدته البلاد وأهلها من أهوال على مدى عشرات السنين، يجعل من الرواية الأخرى، قصة ممكنة الاستيعاب بل وربما التصديق الكامل. من يلحظ تآلف الشعب الإريتري، الذي يتحدث تسع لغات تتوزع على تسع قوميات أبرزها التيجرينية والتجراي والعفر والحدارب والرشايدة ممن ينتشرون في طول البلاد وعرضها، في وحدة قومية واحدة ورابطة وطنية متينة وسط محيط متخم بالتشرذم القومي والطائفي عند الجيران القريبين في الصومال وإثيوبيا وحتى السودان، سيتقبل هذا التفسير وبالأحرى تلك الرواية الأخرى. إنه مثال مثير للإعجاب لقدرة الإنسان على تطويع التنوع في بوتقة الوحدة القومية دون أن يوغل في صراعات الذات المدمرة. ومع ذلك، فهذا البلد الصغير الحجم، الكبير القامة، قد يبدو مثيرا لغيرة وتربص الآخرين في الإقليم والعالم. وهكذا، لا تظهر إرتريا، ذات القرار الوطني المستقل منذ استقلالها عن إثيوبيا، سوى كضحية لمواقف الآخر منها وليس موقفها هي منه. لعّل هذا الآخر، مضى في خطيئته دون أن يسجل أي شهادة إعجاب بشموخ ساكني الهضبة الإرترية العالية، فأكتفي بترديد زعمه الذي شكل سياسته المتوجسة حيال هذا البلد. فمن حيث أهميتها الإستراتيجية، اعتبرت إرتريا أعجوبة زمنية ومكانية في آن معاً. فقد كانت موضع اهتمام القوى الاستعمارية على مر العصور، منذ حضارات الإغريق واليونان والإمبراطورية العثمانية، وصولاً إلى حقبة الاستعمار الإيطالي للقرن الإفريقي في الفترة من 1890- 1942م، ثم الإنكليزي لإرتريا الفترة من 1942- 1952م فالاستعمار الإثيوبي 1952- 1991م، نهايةً بما سمي بالأطماع التركية والإيرانية والإسرائيلية، في السواحل والجزر الإرترية على البحر الأحمر في السنوات الأخيرة، على ضوء محددات المحاور الإستراتيجية الحربية في المنطقة في هذه الحقبة. من الناحية المكانية، تشكل إرتريا عمقاً استراتيجياً مهماً لكل الدول المطلة على البحر الأحمر، باعتبارها البوابة الجنوبية المشرفة على مضيق باب المندب ذي الأهمية الكبرى للقوى الدولية. وتشكل إرتريا، منذ قديم الزمان، حلقة اتصال تجاري وحضاري بين القارة السوداء وشبه الجزيرة العربية. وفي الحقيقة، فإن الموقع الاستراتيجي الهام لإرتريا، جعل منها منطقة صراع ونفوذ، وموضع اهتمام وأطماع المستعمرين عبر التاريخ. وإلى ذلك تكمن أهمية الموقع الجغرافي لإرتريا، يكمن في ارتباطها بين أقصر طرق الملاحة المتواصلة مع المحيط الهندي والبحر المتوسط، مما يجعلها تشكل حلقة وصل بين القارات الكبرى، آسيا وإفريقيا وأوروبا. وهي أيضاً قريبة من المناطق المقدسة في شبه الجزيرة العربية، وبنفس القدر، من الحقول الإنتاجية للنفط في الخليج العربي ذات الأهمية العالمية الكبرى. أما الجزر الإرترية، فتشكل بذاتها نقاط ارتكاز وتحكم للقوى العسكرية في الصراع الإقليمي والدولي في المنطقة. وإذ ذلك، قد لا يغدو من الغريب أن يرى القائد الإرتري الكبير ورئيس الدولة منذ الاستقلال الرئيس (الرفيق) إسياس أفورقي، في أحاديث صحفية له نشرت سابقاً أن: الموقع الإستراتيجي لإرتريا لوحده لا يمكنها من أن تفعل شيئاً، لكن إرتريا بمقدورها أن تكون مكملة لفرص الدول الأخرى في المنطقة كالدور الإقليمي لمصر والسعودية في أمن البحر الأحمر، وذلك وحده ما يوجد مناخ مواتٍ للتكامل على صعيد البنية التحتية والتجارة والاستثمار ثم القضايا الأمنية بين كل البلدان المطلة على هذا الممر الحيوي العالمي. قد تعني تلك الرؤية المتواضعة بالحكمة والمتجاوزة للصلف السياسي تطلعاً مشروعاً للاستفادة من هبة الموقع الجغرافي لإرتريا بالتعاون مع الآخرين في الإقليم لا التضاد. لكن البعض لا يستسيغ الطرح الرسمي لزعيم إرتريا، بسهولة، أي التعاطي مع الإستراتيجية من معنى التكامل الإقليمي لاستغلال الفرص التنموية المتطلعة للغد. فيمضي هذا البعض إلى وصف إرتريا بالدولة "العدائية" مع جوارها جميعاً. فحديث أفورقي، وإن كان يفهم منه أن التكامل والوفاق مع إثيوبيا واقعياً يجعلها تقع خارج التصور الإرتري لمستقبل المنطقة، فذلك وحده من باب أولي، يكشف التفسير المنطقي للعداء الرهيب بين البلدين الجارين، الذي هو المنطلق الأساس من ثم، لمواصلة عداءات إرتريا لجوارها الإقليمي بدءا من الجار الجنب. البعض المشار إليه آنفاً، يذهب أيضاً إلى أن إرتريا، اختارت القفز على حلول قضاياها الداخلية عقب التحرر الوطني- التنمية، محاربة الأمية، الاستثمار، ومكافحة البطالة- بطريق (البندقية)، بجر المنطقة إلى بحور من الصراعات المسلحة والتوترات الأمنية طيلة العقدين الماضيين، من مثل الذي وقع فعلاً مع إثيوبيا، السودان، جيبوتي، واليمن، فالتدخل في شئون الصومال الداخلية. ليخلص هذا البعض مؤكداً أن إرتريا، تفتعل مع الجميع صراع إرادات متوهم ومشكلات حدودية متخيلة، لحاجة ماسة في نفسها وليس لحاجات حقيقية ذات أولوية ملحة. إرتريا، بدورها تتهم منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي فيما بعد) بالتواطؤ والتحيز إلى جانب غريمتها الدائمة، إثيوبيا. كما وتتهم جامعة الدول العربية بالفشل الهيكلي والمؤسسي بما لا يشرفها هي الانضمام إليها. تدعي على العالم وبعض قواه المتحكمة في مجلس الأمن الدولي، بالتربص بها، على ما في نموذج القرارين (1907/ 2009م) و(2023/ 2011م) القاضيين- بفرض عقوبات تشمل حظر السفر للمسئولين في الدولة وحظر توريد الأسلحة وتجميد أرصدة الدولة في البنوك الدولية لتدخلها السلبي في الشئون الداخلية للصومال وإدانة الدولة الإرترية لاستخدامها الضريبة التي تفرضها على مغتربيها (2% من رواتب المغتربين الدورية) لتمويل أنشطة تلحق الضرر بدول القرن الإفريقي، ودعوة الشركات الغربية التي تعمل في مجال التعدين بأن تتحلى باليقظة لضمان عدم استخدام الأموال المتولدة عن عمليات التعدين التي تقوم بها في إرتريا في تهديد استقرار المنطقة-على التوالي. هؤلاء يؤكدون، أن إرتريا تسعى دائماً للاستفزاز باستخدام القوات المسلحة لها المسماة ب(جيش الدفاع الإرتري)، لإخافة الخصوم بتحركات عسكرية جدية، وتقديم الدولة لتسهيلات عسكرية لحساب قوى إقليمية ودولية عبر موانئها والأرخبيل الإقليمي لها، كإيران تارةَ وإسرائيل في أحيان أخرى كثيرة. فساسة إرتريا، وزعماء الحزب الحاكم بأسمرة، يؤمنون دائماً بمبدأ القوة فقط ضد جيرانهم والعالم، دون إيلاء الاهتمام الكافي لتحسين أوضاع الداخل برفع مستوى المعيشة للمواطنين والشروع في تنفيذ المشروعات التنموية المخطط لها سلفاً، وبدون التخلي عن صرف الأموال المحصلة من الضرائب المحلية والمساعدات الخارجية على مغامراتها السياسية على حساب التنمية لدولتها والاستقرار لشعبها، وبدون الإقلاع نهائياً عن ممارسات الفساد السياسي والإداري في ظل حكومة "الجبهة الشعبية" الحاكمة على مدى يقارب العقدين من الزمان. ذلك الذي وصف بخلقه مناخاً للكبت والتعتيم ومصادرة الصحافة المستقلة ونفي المؤسسية وتضارب الاختصاصات بين أجهزة الحكومة وغياب الشفافية وتفشي المحسوبية في التوظيف والخدمات واحتكار شركات الحزب الحاكم واذرعه الاقتصادية، العمل التجاري والزراعي، وإفقار التجار وإضعاف دور شركات القطاع الخاص وتبديد مصادر متنوعة كان يمكن أن تدعم خزينة الدولة من عائدات الرسوم والضرائب والجمارك واستباحة المال العام بالاختلاسات وأنواع التعدي المختلفة بداخل البلاد وابتزاز سفاراتها بالخارج لمواطنيها المغتربين في تلك البلدان. وعلى ذلك كله، فإرتريا فضلاً عن كونها دولة مثيرة للمتاعب وغير قابلة للتوافق مع الجيران والإقليم والعالم بأسره، فإنها تعد النموذج الأسوأ من بين الدول الديكتاتورية في المنطقة. قد يبدو هذا المذهب متطرفاً للغاية إذا أمعنت التأمل في الرواية الأخرى للتاريخ. فإرتريا، كغيرها من الدول الإفريقية في جوارها، ونواحي القارة المختلفة، تتميز بتعدد الأديان وكثرة المعتقدات- يقدر ما نسبته 55% من السكان البالغ عددهم 5 ملايين نسمة، من المسلمين السنّة، و30% من المسيحيين الأرثوذكس، و10% مسيحيين كاثوليك، و3% مسيحيين بروتستانت وآخرون، 2% الباقية ديانات تقليدية محلية- نتاج تأثرها ببيئة الدول المحيطة بها بالأخذ في الاعتبار موقعها المتميز والذي يساعد في سهولة التأثر منها وإليها عبر الهجرات والغزو المستمر طيلة تاريخها الطويل. وقد برز ذلك التأثير من انتقال الأديان كما هي في الجزيرة العربية إلى هذه المنطقة، إذ نزحت الديانات السماوية، اليهودية والمسيحية والإسلام، مباشرةً إلى إرتريا الحالية من المشرق العربي. وقبل هذه الديانات الإبراهيمية، أيضاً المعتقدات الوثنية التي كانت تسود سبأ وحمير والحجاز. فالإطار الحضاري لإرتريا، وإن لم يختلف تماماً عن الجوار المباشر لها، لكنه كان الأكثر تأثرا بعمليات النزوح والهجرة للمجموعات اللغوية الثلاثة، الحامية والسامية والنيلية، من الجزيرة العربية ومن الأصول الزنجية في إفريقيا. وبالرغم من ذلك، تمكن الإرتريون من مزج سلالاتهم المتنوعة بما يتعذر معه تحديد فواصل لذلك التمازج مع مرور زمن طويل من المصاهرة والمجاورة. وتبعاً لذلك، لم تعرف البلاد أية انقسامات في الهوية أو استقطاب قومي حاد بعد مرحلة التحرر الوطني، يدخلها في حرب مع الذات على ما عرفت أقطار القرن الإفريقي من حروب أهلية دموية أعقبت نيل كل قطر منها لاستقلاله. من فصول الرواية المغايرة تلك، أن إرتريا تركت لوحدها تخوض معركتها نحو الحرية. فوصفت ثورتها بالثورة "المنسية"، لطول فترتها الزمنية، وندرة أخبارها في الإعلام العالمي. ذلك أنها واجهت واحداً من أقوى الجيوش الإفريقية عدةً تقليديةً وعداداً كثيفاً-إثيوبيا- لتحصل على استقلالها أخيراً بعد ما يقرب من الأربعة عقود من الكفاح المسلح الصبور. ومنذ تخلق منظمة التحرير الإرترية بمدينة بورتسودان السودانية أواخر عقد الخمسينات من القرن العشرين، المشكّلة أساساً من جماعات العمال والطلبة الإرتريين، وعلى إثر الانتفاضة التي فجرها الجندي النظامي والفلاح القديم، حامد إدريس عواتي، في سبتمبر 1961م مع بضعة مقاتلين يحملون بنادق إيطالية عتيقة، ذاقت الثورة الإرترية مرارة العمل بمفردها في كثير من المنعطفات مع تخلي الحلفاء عن دعمها تبعاً لتقلب المعطيات السياسية والمصالح الآنية المتغيرة في ظل الشعار الأعلى صيتاً طيلة عقدي الستينات والسبعينات الداعي للتعاون العربي الإفريقي بين دول إفريقيا ومنظمتها الإقليمية للوحدة والعالم العربي وجامعة دوله العربية- فكان ذلك أساس اعتمادها على ذاتها بالذي جعل منها دولة تعتد بقرارها المستقل وتتفرد في رؤيتها لذاتها والآخر. فالكفاح المسلح الذي تطور بإمكانات ذاتية بسيطة، وبدعم جهير حيناً وخجول كثيراً من بعض
الأقطار العربية وفي مقدمتها سورية والعراق، والدعم الأدبي والمادي من دول السودان ومصر واليمن ودولة الكويت، إلى مقاومة هجمات إثيوبيا الشرسة التي خلفت مئات الألوف من الضحايا الإريتريين، عبر ما وصف بسياسة الأرض المحروقة للقضاء على المحصولات الزراعية وقتل المواشي وإبادة المواطنين بالجملة من دون تمييز، كما حدث في 1967م، 1970م و1974م و1975م على التوالي، حتى مرحلة سيطرة المقاومة الإرترية على معظم الريف الإريتري وتمكنها من تحرير بعض المدن، ونهايةً بتحالف الجبهة الشعبية بزعامة أفورقي، مع المعارضين الإثيوبيين بزعامة ميليس زيناوي، تحت رعاية الإدارة الأمريكية في مؤتمر (لندن) الذي نسق له وليام كوهين، مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية بإدارة الرئيس جورج بوش الأب، وذلك لإسقاط نظام منقستو، الشيوعي، والذي قضى باعتراف إثيوبيا، بحق تقرير المصير للشعب الإريتري، على أن يختار بين الوحدة والانفصال، مقابل أن يلتزم أفورقي، بدعم زيناوي، في سعيه للتغلب على مناوئيه السياسيين وتولي السلطة، وبمقابل أن تسمح إرتريا عندئذ باستخدام إثيوبيا مينائي عصب ومصوع للأغراض التجارية، الأمر الذي تحقق فعلاً بنجاح الطرفان في إسقاط منقستو، وتولى زيناوي، حكم إثيوبيا، وإعلان استقلال إرتريا في 25 مايو 1991م، فتشكيل حكومة مؤقتة أجرت استفتاءً عاماً على الوحدة أو الانفصال تحت إشراف الجامعة العربية والأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية، جاءت نتيجته 99% لصالح الاستقلال، فأصبحت إرتريا دولة مستقلة ذات سيادة برئاسة الرئيس إسياس أفورقي. هذه الرحلة الطويلة من النضال الذاتي المتواصل حتى الحرية والاستقلال، وفرت لإرتريا مسوغة للوم العرب. ذلك تجلى بياناً في رؤيتها هي لجامعة الدول العربية- وإن كانت أسمرة تتهم بعض الدول العربية دون تسميتها بالوقوف ضد انضمامها إلى بيت العرب- إذ بالنسبة لها، تعد الجامعة العربية نادٍ غير فعال، لم يلب طموحات الشعوب العربية منذ تأسيسه، فلم تأخذ الدول العربية مكانتها على الخريطة العالمية، كما لم تؤمن مصالح أعضاءها، علاوةً على غياب دورها في حفظ الأمن والسلم الدوليين. ومع ذلك، فالعلاقة الإستراتيجية مع العالم العربي موجودة بحكم الواقع والتاريخ والجغرافيا والمصالح وغيرها، بالرغم من أن الآليات والمناسبات التي تعقد للبحث عن كيفية صنع وسائل التعاون بين العرب والأفارقة، في المجال الاقتصادي وأيضاً التعاون الأمني بالنسبة لأمن البحر الأحمر، لا تزال تراوح مكانها، على ما يؤكد الرئيس أفورقي، في أحاديثه الصحفية الأخيرة بعد الثورات العربية التي شهدتها المنطقة. وبالنسبة لإرتريا، لا يختلف الأمر كثيراً حيال نظرتها لإفريقيا ومنظمة الاتحاد الإفريقي، فالأخير غير موجود واقعياً لعدة عوامل أهمها، أن المؤسسين لمنظمة الوحدة الإفريقية، كان منطلقهم من إنشاء المنظمة، التعاون بين دول القارة بما يكفل التحول السياسي والاقتصادي السريع لدول إفريقيا، وهو ما لم يحدث، فخاب أمل الشعوب الإفريقية في منظمتها للوحدة، ثم تكرر الفشل الجماعي لدول القارة للوصول إلى مناخ ملائم لمنظمة قارية للاتحاد الإفريقي حال كانت هناك حاجة فعلية لها. وإذن، فإرتريا ليست نموذج الطالب المشاغب في قاعة الدرس، أو الرجل الشرير الذي تلبسه مسٌ من الشيطان، فعمد يخرّب هدوء وسلام جيرانه، بل هي دولة لها رسالة للآخرين، ورؤية عن ذاتها والمنطقة على حد سواء. بيد أن الرؤية المحايدة بين منزلتي المؤامرة والواقعية، تحدث عن دولة فريدة في إنسانها، المتسم بالانصهار القومي، والتواق للحرية على أرض تتصف بموقع إستراتيجي مهم، وتزخر بثروات طبيعية كبيرة مقارنة بمساحتها الجغرافية، قد تؤهلها لتأكيد استقلالها السياسي بإكمال بعده الاقتصادي. فعلى الرغم من أن الاقتصاد الإرتري لا يزال مسيطراً عليه من قبل الحكومة بصورة كاملة عبر التحكم في الشركات والبنوك التابعة للدولة- الدولة تسيطر أيضاً على الإعلام بالكامل، الصحافة والإذاعة والتليفزيون، وخدمات الاتصالات والانترنت، وتحظر بموجب القانون التعددية السياسية والحريات النقابية- والتي تدير موارد الضرائب المفروضة على المغتربين الإرتريين الذين تقدر أعدادهم بالملايين سواء كانت الضرائب المباشرة المتعلقة بالخدمات التي تقدمها السفارات للمواطنين الإرتريين بالخارج أو غير المباشرة التي تفرضها البنوك الحكومية على تحويلات المغتربين، إلا أن بعض المصادر تسجل للاقتصاد الإرتري إحرازه لمعدلات نمو عالية وصلت في الأعوام الأخيرة إلى 7%، بما يجعل الدولة الإرترية متفوقة على دول أخرى في إفريقيا عرفت بمعدلات النمو المتصاعدة. وأسند ذلك التفوق للاستثمار المتنامي في مجال التعدين بأنحاء البلاد خاصةً بعد صدور قانون جديد للتعدين في (2008م) منح الشركات الأجنبية مزايا عديدة على رأسها تحديد نصيب الحكومة في رأسمال الشركات المستثمرة في هذا المجال بما لا يتجاوز نسبة 10%، وهي نسبة مشجعة للشركات الغربية، من كندا وبريطانيا وأستراليا، وللشركات الصينية، بالمقارنة مع دول كالسودان الذي يحدد النسبة ب 60%، ومصر التي تطالب بنسبة 50% من قيمة أسهم الشركات المستثمرة على أرضها. ويبدو هذا المورد من الموارد الحميدة مع تأخر الموارد الاقتصادية الأخرى لأسباب متنوعة، أبرزها غياب توفر الاستقرار السياسي لسنوات عدة، الأمر الذي يفسر دعوة الدول المناوئة لإرتريا في مجلس الأمن الدولي، للشركات الغربية، ضمان عدم استغلال أسمرة، لعائدات التعدين لزعزعة استقرار القرن الإفريقي. وتتماه الحكومة على طريقتها الخاصة في تأكيدها على استقلالها الوطني، فتشدد في بلاغاتها الرسمية على أن النظام الاقتصادي الذي ترغب الدولة في بناءه، إنما يلبي رغبات الشعب ويحسن معيشته ويشجع الاستثمار الخاص والمبادرات والمنافسة من خلال النمو المتوازن بما يؤمن العدالة الاجتماعية عبر إستراتيجية تركز على الاعتماد على الذات والمشاركة الشعبية دون استحواذ الأقلية وذلك لإرساء البني التحتية والخدمات الاجتماعية وتفعيل القدرات البشرية والطبيعية مع عدم السماح بأن يزدهر الاستثمار الأجنبي بالبلاد بمعزل عن تنمية البساتين والتجارة الصغيرة التي تعمل على تحسين معيشة المواطن وبناء الوطن بما يطور من القدرات المحلية في مختلف القطاعات الاقتصادية وتسخير الاستثمار الخارجي لجعله شريكاً على المدى الطويل. هذه اللغة الديوانية المحددة الرؤى والمباشرة في شعاراتها المسندة، تعد امتداداً منطقياً لفكر الرواية الأولى، فكرة الدولة المتآمرة المبالغة في الاعتداد بنفسها، والعضو المشاغب في الأسرة الدولية المثير على الدوام للقلاقل الإقليمية. غير أن هناك ثمة معطى آخر تحوزه إرتريا، قد يضعف حجج أنصار تلك الرواية المتشككة في التاريخ والواقع. فهذا البلد يعد كذلك، أعجوبة مكانية من حيث ثرواته الطبيعية، الأمر الذي قد يمكنه من فرض خياره السياسي عبر إمكاناته الاقتصادية البكر، ليس على الإقليم فحسب، بل والعالم أجمع، بالوضع في الحسبان توفر أصدقاء كبار محتملين، روسيا والصين، تم تجريب مواقفهم بالفعل في قرارات مجلس الأمن الدولي المشار إليها. فعلى الرغم من أن الأراضي الجبلية تغلب على النواحي الوسطى والشمالية والشرقية والجنوبية من البلاد، تقدر الأراضي الصالحة للزراعة بما نسبته 10% من إجمالي مساحة الدولة- المستغل منها فقط لا يتجاوز 2% في إقليمي القاش بركه وعنسبا (أي عين سبأ) مع بعض السهول الخصبة في هزمو واكلي قوزاي إضافة إلى ممارسة حرفة الزراعة على سفوح الجبال- تعمل في إنتاج المتطلب للاكتفاء الذاتي من الحبوب من قمح وشعير وذرة شامية بالإضافة للموالح، ثم القطن، البن، والتبغ. وتعد نسبة 5% من مساحة البلاد مغطاة بالغابات، إذ تنتشر في السهول والأودية، مكونة مراعٍ جيدة لأكثر من 3.5 مليون رأس من الماشية و3 مليون رأس من الأغنام والماعز وعدد آخر يقدر ب4.5 مليون رأس من الإبل تتركز في إقليمي القاش بركه المحاذي للسودان وجنوب البحر الأحمر المحاد لكل من جيبوتي وإثيوبيا. وتحظى إرتريا بموارد مائية ضخمة، حيث يجري على أرضها أنهر موسمية هي القاش الذي يبلغ طوله 440 كم ثم نهر بركه ويبلغ طوله 630 كم، ونهر عنسبا، ونهر سيتيت دائم الجريان، فضلاً عن بحيرة عميقة تتمتع بمخزون مائي يمكنه سد حاجة الشعب الإرتري من الطاقة والكهرباء لمدة 250 سنة قادمة طبقاً لتقديرات وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، علاوة على عدة أودية كوادي علي قدي، حداث، كميلي، وبدا، وأيضاً البحيرة الصناعية في بلزا قرب العاصمة أسمرة، التي تجمّع عندها مياه السيول والأمطار التي تصل نسبتها في بعض المناطق إلى 700 ملم في السنة، لاستغلالها في توليد الكهرباء، مع إمكانية الاستفادة من مساقط المياه لإقامة بحيرات صناعية أخرى لتوليد الكهرباء وتنظيم الري. أما طول الشواطئ الإرترية، وتصل إلى 1000 كم، وجزرها المتعددة في عمق البحر الأحمر، وتبلغ 126 جزيرة أكبرها أرخبيل دهلك ويضم 35 جزيرة، جعلت من المنطقة منطقة جذب لمختلف أنواع الأسماك، إذ تذخر بقرابة 500 نوع نادر منها تتركز أهم مصائدها في المنطقة الواقعة بين عصب وشبه جزيرة بوري وحوالي أرخبيل دهلك. ويقدر متوسط ما يتم صيده في إرتريا 13 ألف طن سنوياً من الأسماك. كما يتمتع البحر الأحمر بثروة بحرية أخرى في استخراج اللؤلؤ والأصداف والقشريات. وتذخر إرتريا، بثروة غنية من الحيوانات البرية في مختلف أرجاء البلاد، الأفيال والأسود والعشرات من أنواع الغزلان وقرود الجبال والثعالب وأنواع مختلفة أخرى من الذئاب والكلاب البرية والمرقطة والضباع والقطط الأفريقية المفترسة والخنزير الوحشي والأرانب البرية والحمير الوحشية والفهود والنمور المرقطة. وأما المعادن، فتضم البلاد كميات مقدرة من الذهب، والنحاس، الفضة، الحديد، الفوسفات، الميكا، الكاولين، الرخام، الاسبستوس، النيكل، المنجنيز، المغنسيوم، البوتاسيوم، سلكات الألمونيوم، الحجر الجيري، اليورانيوم، المرمر، الأملاح المعدنية، فالبترول المكتشف في جزيرة دهلك وجنوب شرقي مدينة مصوع. أما السياحة، فيوفر المناخ الإرتري الطبيعي والتضاريس الطبيعية في السهول والجبال والساحل منطقة جذب سياحي منذ آلاف السنين، فضلاً عن ذخرها بتراث إنساني متنوع من حفريات وآثار عبر الحقب كالقلاع التركية القديمة، والشعب المرجانية والخلجان الرائعة علاوة على الجو الربيعي الدائم للهضبة الإرترية وتنوع الفلكلور المجتمعي. الملاحظة المفتاح في المناخ الطبيعي لهذا البلد الفريد بذاته وبخصائصه وبإنسانه، تكمن في عذرية الأرض، التي لم تمتد لها يد الإنسان بالعبث، كما وقد تجلت للزائر في منظر الأشجار الوارفة والخضرة الزاهية والمتعرجات بين الجبال والوديان السحيقة على السلاسل الجبلية المغلفة بالسحاب شديد البياض على قمم الجبال الشوامخ والسهول الوادعة التي ترعى فيها قطعان الأبقار والماعز ويلهو من حولها الأطفال الأبرياء، وفي منظر الطرقات المعبدة التي تلتف على المرتفعات صعوداً أو هبوطاً لتلك القمم عالية الارتفاع التي يصل بعضها إلى 3 آلاف متر فوق سطح البحر. أما الصناعة في إرتريا فلا تزال في طورها البسيط مع تركز معظمها في العاصمة أسمرة، وتعدد في تعليب اللحوم والفواكه والأسماك، وصناعة الجلود والسماد والصابون والنسيج والأسمنت، البلاستيك والكبريت. "مجموعة الأزمات الدولية" تتخوف من تحول إرتريا إلى دولة "فاشلة". وبذات القدر ترجح تورط إرتريا في حرب مدمرة مع إثيوبيا في أية لحظة هرباً من مشكلاتها الداخلية والخارجية، أو ولوغ أديس أبابا من جانبها، في أية محاولة للانقلاب على الرئيس إسياس أفورقي، قد يتبعه تدخل عسكري، مع وجود حشود إرترية دائمة تصل إلى 40 ألف جندي داخل المنطقة العازلة و120 ألف جندي على مقربة من الحدود، على خلفية تفسير كل طرف لكيفية رسم الحدود بينهما على الخرائط طبقاً لاتفاقية (الجزائر) عام 2000م التي أوقفت الحرب الأخيرة بين الجارتين العدوين. ولا تنسى المجموعة البحثية التي تتخذ من العاصمة البلجيكية بروكسل مقراً لها، وتحظى تقاريرها الدورية بالاهتمام الإعلامي العالمي، أن تلمح إلى وجود تململ، لم تبين مداه، في داخل الدولة. ولتخلص إجمالاً إلى أن وقوع إرتريا، في خانة الدولة الفاشلة أو نشوب حرب مع جارتها إثيوبيا، سيتسببان في
أزمة إنسانية كبرى سيعاني منها الإقليم والعالم طويلاً. إرتريا، كما بدت في كبرياءها ونفورها المعتادين، ترى جذر المشكلة في المشكلات الداخلية لجارتها إثيوبيا، وبذات القدر التدخلات الخارجية خاصة من الولايات المتحدة، التي لا تؤمن في سياستها الخارجية بالسلام بين الشعوب، فتعمد على الدوام على صنع الأزمات في المنطقة للعب دور إدارتها. وعلى هذا، فهي تلقي بقفاز المبادرة لجارتها لتغيير هذا الواقع بتحجيم التدخلات الخارجية وكبح الرغبات غير المقبولة في تصدير مشكلات الداخل إلى الجيران. قريباً من ذلك وبالتوازي معه، فإرتريا، تصوب الأنظار إلى ما تصفه بالرغبات الأمريكية في الهيمنة والاستحواذ والسياسات الخاطئة غير الأخلاقية لواشنطون في أنحاء العالم المختلفة وإفريقيا بخاصة، من خلال تمكين قوى سياسية بعينها للسيطرة على شعوب ودول هذه المنطقة. واشنطون نفسها مضت بطريقتها الفظة المعهودة لتمنح مؤيدو فكر التحرر الوطني واستقلال الإرادة حيال هذا البلد الإفريقي، حجة إضافية، حينما فرضت من جانب واحد جزاءات دبلوماسية على إرتريا، لا تحفل كثيرا بالمبادئ المرعية في العلاقات الدولية، فقيدت حركة المسئولين الإرتريين إلى محيط السفارة الإرترية بواشنطون بمدى 40 كم، فضلاً عن منعها رجال الأعمال من إرتريا الحصول على تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة. واشنطون في الحقيقة نزعت من مؤيدي نظرية المشاغبة الإرترية، أي دفاع جوهري بمقدورهم تبنيه في وجه ما تقول به القيادة الإرترية، حين تحمّل الأخيرة واشنطون، مسئولية عدم إنفاذ ترسيم الحدود مع إثيوبيا على النحو المتفق عليه عند التنفيذ، وحين تتهمها بالانحياز السافر إلى جانب إثيوبيا وتوظيف النظام في أديس أبابا، أداةً لخنق ما تسميه أسمرة، مقاومة الشعب الإثيوبي للاستبداد. إرتريا، ترسل بإشارات تبدو غايةً في الوضوح، حين تؤكد للسعودية ومصر-بعدما أجلت أهمية خلق إطار لأمن البحر الأحمر يؤسس على التكامل الاقتصادي فالأمني- أنها لا تعتمد سياسة خارجية انتهازية تبنى على استغلال التناقضات الإقليمية أو المصالح الآنية سواءً في علاقتها مع كل من إيران وإسرائيل، ودون أن تولي أهمية للاتهامات المتكررة لها بتقديم تسهيلات عسكرية في موانئها لكل من إسرائيل وإيران وحتى تركيا، المستعمر القديم للساحل الإرتري. وبينما كفلت إرتريا، لمجتمعها أمناً وأماناً ملحوظين، بحيث تخلو مضابط الجريمة من التعديات الجنائية وتلازم الشعور بالأمن والأمان لدى المواطنين والزائرين، فلا تفتأ تذكّر شعبها بثمن الحرية الباهظ، مبقيةً على مخلفات حرب التحرير من المعدات والمركبات الحربية المدمرة والمحترقة ملقاة على الوديان وسفوح الجبال تذكارا لجيل الثورة القريبة ودرساً للأجيال القادمة. وهنا، ربما لا يبدو مستنكرا تشدد الدولة في الخدمة الوطنية الإجبارية للجنسين من سن 18 إلى 50 سنة لفترة 18 شهراً- وإن كان التجنيد العسكري، كعادة دول المنطقة، يوصف بعدم الاستفادة من الكفاءات العلمية بأداء الخدمة الوطنية في المجالات التي تحقق أقصى فائدة من كل مجند على حدة وفقاً لتأهيله العلمي- وصلاً لأجيال اليوم بتراث الماضي النضالي. إرتريا، لا تعرف التشدد الديني والانحياز لديانة على حساب الأخرى، فمثلما تشمخ أبراج كاتدرائية (سيدتنا مريم) تعانق مآذن مسجد (أبو بكر الصديق) سماء العاصمة أسمرة، فعيسى بدينه وموسى بدينه على حد السواء. ومثلما تشخص كاتدرائية (القديس أنطونيو) التي بناها الطليان بمدينة كرن، عاصمة إقليم عنسبا، إلى الغرب من العاصمة أسمرة، يرافقها بالجوار (المسجد الكبير) الذي وقفت على بناءه حكومة دولة قطر. إرتريا، كما بلسان شاعر العربية ذائع الصيت، أبو الطيب المتنبئ، لسان حالها يقول "أنام ملء جفوني عن شواردها.. ويسهرُ الخلقُ جرّاها ويختصمُ"، فرئيسها إسياس أفورقي، يطلع شعبه ومن خلاله العالم، بمناسبة إطلالة العام الميلادي الجديد، عبر وسائل الإعلام الحكومية المسموعة والمرئية والالكترونية، عن التطور المسجل في الخطة الوطنية للبرنامج التنموي ومناطق الإعاقة المتوقعة. والبرامج الوطنية والحكومية للرؤية المرسومة للوصول إلى أعلى أهداف التنمية المستدامة في العام 2013م. مراجعة السياسات والتعهدات الخاصة بالتحول الكمي في مجالات البناء الوطني. تقنين القدرات الرأسمالية والبشرية والطاقات التكنولوجية إلى جانب رفع المقدرات الإنتاجية والإدارية. التنمية السياسية والدبلوماسية والفرص المتاحة لتينك والتحديات المفترضة. الوضع الإقليمي والسيناريوهات المستقبلية. الموقف الإرتري دولياً بالمقارنة مع مشكلات القرن الإفريقي أخذاً في الاعتبار التطورات في الإقليم والعالم. مثل هذه المنهجية العلمية أميل لوصف صاحبها بالشامخ في بناء نفسه لا المشاغب مع غيره.
* تم إعداد التقرير قبل أحداث الساعات الأخيرة في العاصمة الإرترية أسمرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.