لا يجد المتابع للأحداث في البلاد ثمة عناءاً في تبين تخبط الحكومة في مواقفها فكل يغني علي ليلاه لا تجد اثنين منهم يتفقان علي موقف واحد فكل يصرح علي هواه وحسب اجتهاده والبعض يحكمهم ظروف الحال والموقف الأني حتي أصبح تناقض تصريحات أهل السلطان سمة بارزة وغابت المؤسسية والمحاسبة ، وقد أقر النائب الأول بهذا التخبط وعزاه إلي طبيعة أهل السودان وهذه بدعة جديدة تضاف إلي البدعات الكثيرة التي أتت بها حكومة المشروع الحضاري،عجزت الحكومة عن ضبط تصريحات قادتها علي ما في هذه التصريحات العشوائية من إضرار بالبلاد داخلياً وخارجياً وقد عانت وزارة الخارجية من هذه ( الخرمجة )من أعلي قمة السلطة إلي أسفلها !! تعالوا نلقي إضاءة علي بؤس إدارة الحكومة لشأن البلاد ففي قضية جوهرية مثل تعامل النظام مع المعارضة السلمية , لم تستقر الحكومة علي حال كل يوم هي في شأن يوماً تدعوا إلي وحدة الصف الوطني وتفتح ذراعيها للمعارضة ويوما تلعنها وتنزع عنها صفة الوطنية وترميها بكل منقصة وتلحقها بصف العملاء والخونة المأجورين وهلمجرا....... فقبل أيام من توقيع ميثاق الفجر الجديد،أطلق السيد رئيس الجمهورية نداءاً للمعارضة تدعوها للمشاركة في وضع الدستور والاتفاق علي حكم السودان وقال الرئيس أن الدستور مشروع وطني غايته الوحدة ويستدعي مشاركة الجميع دون عزل أو حجر, وأضاف الرئيس مخاطباً حملة السلاح تعالوا نتفق لنتواضع علي كيف يحكم السودان وكيف نحافظ علي العقيدة موحدة والوطن موحداً ، هذا الخطاب الإيجابي كان بتاريخ الفاتح من يناير عام 2013م ، وبعد أسبوع تقريباً من هذا الخطاب الوفاقي جاء الرئيس ليهدم كل ذلك بسبب وثيقة الفجر الجديد قائلاً سنحسم الموقعين والمؤيدين لوثيقة الفجر الجديد وقال لدى مخاطبته الجماهير بمحلية حصاحصا أن كل الموقعين والمؤيدين لوثيقة ما يسمي بالفجر الجديد سيجدون الحسم والحساب وقال أن الوثيقة التي صاغها ووقع عليها الطابور الخامس والعملاء في كمبالا لن تهدد استقرار البلاد ولن يحكم السودان شخصاً مدعوماً من قبل إسرائيل وأمريكا أو متحالف مع الشيطان وهدد الرئيس بمنع القوى السياسية التي تتعامل مع الحركات المسلحة من ممارسة العمل السياسي ومثل هذا الخطاب يعمق التباعد بين الفرقاء فضلا عن عدم لياقته من أن يصدر من الرئيس نفسه أما النائب الأول لرئيس الجمهورية فقد قال بتاريخ 3/1/2013م أن لا حجر علي احد في مناقشة الدستور الدائم ولو نادي بالعلمانية وأضاف أن الحكومة لديها رغبة صادقة لتحقيق توافق سياسي واسع وعريض وتجاوز صراع السلطة لصالح البلاد وأكدّ أن الطريق الوحيد لتبادل السلطة هو الحوار السياسي وتحديد الثوابت الوطنية حتى تكون الممارسة السياسية معافاة ، هذا الكلام هو عين الحقيقة وسياسة حكيمة ستفضي حتما إلي انفراج سياسي واستقامة أمر السلطة في السودان !! ولكن قبل أن يجف مداد هذا الكلام عاد النائب الأول ناسفا كلامه بعد وثيقة الفجر الجديد بدعوته التلويح بالتعبئة العامة والاستنفار للرد عملياً علي موقعي وثيقة الفجر الجديد في كمبالا عبر الشباب والعلماء والمهندسين والعبقرية السودانية وبهذا التلويح ذهب كلام الوفاق والحكمة أدراج الرياح ، ثم عاد النائب الأول نفسه ليقول في نيالا أن لابد من الحوار مع كل القوى السياسية والاتفاق معها علي دستور جامع ، وهي ذات القوى الذى يريد محاربتها فكيف لهم الجمع بين النقيضين ! القوي السياسية التي تريد ان تحاورها الحكومة أهي العملاء والطابور الخامس أم ماذا ؟!. أما الرجل الثالث في الدولة الدكتور الحاج أدم يوسف الملتحق بحكومة المؤتمر الوطني مؤخراً فهو أعلاهم صراخاً وتهديداً فقد أكدّ علي عدم السماح للأحزاب الموقعة مع الحركات المسلحة علي وثيقة الفجر الجديد بممارسة نشاطها السياسي بالبلاد وأردف قائلاً لن نقبل نشاطاً سياسياً حتى وسط طلاب الجامعات بذات الخصوص إلاّ بعد تبرؤ الأحزاب من الوثيقة مهدداً بان الأحزاب الموقعة ترتب لمخططات تخريب البلاد من الخارج وأن البلاد قادرة علي المحافظة علي البلاد وأن الأجهزة الأمنية تقوم بتطبيق القانون دون توجيه من أحد ... محرضاً سيادته الأجهزة الأمنية هذه للانقضاض علي المعارضة والغريب العجيب أن الحاج ادم يوسف سبق أن أتهم بمحاولة تخريبية هرب علي أثرها إلي أسمرا ولم يبين سيادته بعد أن كان فعله ذاك يدخل في إطار الترتيب لتخريب البلاد من الخارج أم شئي أخر...... ولكن وكعادة أهل الإنقاذ لم يثبت الحاج أدم علي رأيه لأكثر من أسبوع واحد فقط ليعود إلي القول بضرورة وحدة الصف الوطني من خلال الحوار مع القوي السياسية المعارضة قائلاً أن ميثاقهم لا ينفع ولابد أن نجي جميعاً لكلمة سواء ولكلي نقطع دابر كل ذلك لابد من تنفيذ الدستور والاتفاق عليه والدعوة لجمع كل الأحزاب السياسية ونضع السلاح ونلتفت للتنمية والعمران فبضربة لاذب محا الحاج أدم كل ما قاله في المعارضة من ذم وتهديد بالحل وتسليط الأجهزة الأمنية عليها ، ما هكذا تدار البلاد.... أما رابعهم نافع علي نافع الذي عرف بهرطقته السياسية وبقدرته علي استحضار ألفاظ لا تليق برجل الدولة فقد قال في إطار الوفاق الوطني حتى مع حاملي السلاح أن توقف الحرب واستدامة السلام في جنوب كردفان مرهون بتخلي الحركة الشعبية قطاع الشمال عن رفع شعار إسقاط الحكم في الخرطوم قائلاً أن الحرب لن تتوقف في الولاية إذا ظلت الحركة تقاتل من أجل هذا الهدف !! هذا القول يعني آن تتخلي الحركة عن دعوتها لإسقاط النظام بالقوة فهذا هو الشرط الوحيد للجلوس مع الحركة ... لم يشترط الرجل أي شروط أخرى مثل الشريعة الإسلامية وعدم الاستقواء بالعلوج ألخ ولكن ارتعدت فرائصه عقب التوقيع علي وثيقة الفجر الجديد فعاد إلي طبعه الحقيقي فالرجل غلب طبعه تطبعه فقال لن نترك للمعارضة والجبهة الثورية فتحة للتنفس؟! ولا حول وقوة إلاّ بالله العلي العظيم ، وأضاف قائلاً أنهم حفروا مقبرتهم التاريخية واصفاً الأحزاب بالخائنة وقال أن عام 2013م عام الحسم وأنه عام بدر الكبرى (الفرقان بين أهل الايمان والكفر) وأن الأحزاب اتفقت مع مالك عقار وياسر عرمان والحلو وجبريل ومني وغيرهم علي أن يعملوا كل بوسيلته للإطاحة بالنظام ... نحسب أن الرجل صادق أكثر من الآخرين فهو مسكون ببقاء النظام وخلوده وأن أي حديث عن إسقاط النظام يخرج الرجل من طوره وتعقله إلي الهذيان ، ومضي الرجل يلعلع قائلاً أن الميثاق استمرار لفكرة السيطرة علي السودان وطمس هويته وأن يكون ضيعة للعلمانيين من أهل الهامش وأن المعارضة الغيبوبة ترى أنه لا بد من إلغاء الشريعة الإسلامية لطمس هوية الشعب السوداني.... والرجل ظل يرغد ويزبد ولم يهدأ له بال حتى يدفن المعارضة تماماً ، هذه هي العقلية التي تحكم البلاد فلا يظنن أحد أن تستقيم أمر هذه البلاد تحت حكم المؤتمر الوطني ففي الوقت الذي يدعي فيه هذا الحزب انه حامي حمي الإسلام ورافع لواء المشروع الحضاري نجد أن سياساته تضع البلاد في قمة الدول الفاسدة والفاشلة علي مستوى العالم لم يتقدم عليها إلاّ دولة الصومال ... وأن العنصرية والقبلية التي أطلت برأسها في السودان ما هي إلاّ نتاج لسياسات النظام!! إلاّ يستحي النظام أن يتحدث عن الإسلام ، فمحال أن يكون دين الله الخاتم هو المسئول عن ما نحن فيه من بؤس وشقاء وأراقة الدماء وذهاب الريح ، يأهل المؤتمر الوطني أنتم سبة في وجه الإسلام تأكلون الدنيا بالدين والعياذ بالله عن أي شريعة تتحدثون وعن أية هوية تتحدثون حقا الأختشوا ماتوا...... تحدثوا عن كرسي الحكم وأنكم لن تتنازلوا عنه ولم تسلموه الا لسيدنا عيسي عليه السلام أم الاسلام فله رب يحميه . أن استمرار سياسات النظام سوف تؤدي حتما إلي مزيد من الشرخ والشقاق بين أهل السودان فهؤلاء الذين بتروا الجنوب علي أستعداد لبتر أي جزء من السودان أن كان ذلك مدعاة لبقاء هم في السلطة ولو ليوم واحد. فالوثيقة التي أقضت مضاجعهم تحمل رؤية حاملي السلاح وهي قابلة للنقاش والحوار علي قاعدة المساواة بين أهل السودان أفراداً أو جماعات .... وأن من حقهم طرح رؤيتهم وليست بالضرورة أن تتفق مع رؤية النظام أو أي قوة سياسية في الساحة فهم يطرحون العلمانية نهجاً للحكم ولكنهم لا يستطيعون فرضها علي الشعب فالشعب وحده يملك الحق في قبول أو رفض العلمانية وهذا ما ذهب إليه النائب الأول في دعوته للحوار حول الدستور إذن فما الذي يغضب النظام ؟ تحدثت الوثيقة عن نظام جديدلإدارة البلاد أي إيجاد مستوي جديد للحكم (الإقليم ) هل هذه الفكرة لمجرد طرحها يعنى أنها تسعي لتفكيك البلاد وطمس هويتها!! أن ما تواجهها البلاد من التمزق والضياع والاندفاع نحو الهاوية والتردي الاقتصادي لو ترك كل ذلك للمؤتمر الوطني وبعقليته المنغلقة ... لاوردنا البلاد والعباد المهالك ، عجزت الحكومة عن توفير الأمن للمواطن في مناطق كثيرة من السودان وما الاقتتال القبلي والأثني في دارفور وكردفان إلاّ نتاج لانسحاب الحكومة عن توفير الأمن بل هي التي تسببت أصلا في تأجيج هذه الصراعات بتوزيعها الانتقائي للسلاح لقبائل بعينها أما الفساد المستشري في أوصال الحكومة فقد عجزت الحكومة في الحد منها فضلا عن محاربتها ومواجهتها. أما اتخاذ الدين تقية ووقاية ليأكلوا به الدنيا فعاقبته وخيمة، فهل يتعز القوم بما يجري من حوالهم والعاقل من أتعظ بغيره .