تطلعنا الأخبار يوما بعد يوم بأنه حدثت مشاجرة في جامعة من جامعاتنا وباتت هذه الأخبار من الأخبار التي تتكرر يوميا وبصورة دائمة علي أفواه الناس بل أصبحت سمة من سمات الجامعات التي تحولت إلي بؤر للمشاجرات لأسباب عفي عليها الزمن ، بدلاً من أن تكون هذه الجامعات منابر فكر وعلم ، وبما أن هذه الظاهرة ليست جديدة فحالات الشغب تكررت في الجامعات منذ الستينيات ولكنها ما كانت تشكل خطراً ، الجديد الآن أن العنف في الجامعات تجاوز حالات الشغب المحدودة إلي ظاهرة تقلق المجتمع كله فقد إمتدت ظاهرة العنف إلي استخدام السلاح الذي أدي إلي إزهاق أرواح الطلاب وقد يرى البعض أن هذه الظاهرة انعكاس لحالات الإحباط التي يعيشها الشباب وغياب الديمقراطية في المحيط الجامعي والانتماءات السياسية والتعصب لها ، كل هذه العوامل وغيرها ساعدت في تصاعد وتيرة العنف في الجامعات وبالمقابل عجزت الجامعات والمؤسسات التعليمية والحكومة في احتواء الظاهرة....... ولعل المتابع للأحداث المتكررة في الجامعات يجد أن الحكومة لا تسارع إلي الاحتواء بل أن تدخلها تزيد الأمور أشتعالا فأحداث جامعة الجزيرة والتي قتل فيها أربعة طلاب جاءت عقب تدخل الحكومة في فض اعتصام طلاب دارفور بالقوة.......... والملاحظ أن هنالك طلاباً نالوا قسطاً من التدريب العسكري تحت مظلة الدفاع الشعبي أو المجاهدين وأغلبهم ينتمون للحزب الحاكم فهؤلاء الطلاب تحولوا إلي جهاز شرطي للنظام في الجامعات فهنالك كتائب شبه عسكرية وهي مدربة ومنظمة لتأديب الطلاب الخارجين علي سلطان حكومة المؤتمر الوطني ، هذا القطاع من الطلاب له دور سلبي في كل الأحداث التي تقع في الجامعات خاصة الاحتكاكات التي تقع بين طلاب بعض التنظيمات السياسية المعارضة وبين طلاب المؤتمر الوطني مستخدمين الهراوات وغيرها من وسائل القمع والغريب أن الشرطة وبالرغم من تواجدها لا تتدخل ولا تسأل عن الطلاب المسلحين والذين يستخدمون العربات ويرهبون الطلاب علي مرأى ومسمع من الجميع وبهذه التصرفات غابت المحاسبة وخرجت ظاهرة العنف من الإطار الطلابي إلي تدخل سياسي مباشر بأليات السلطة , فتحولت إلي ظاهرة تهدد أستقرار الجامعات و البيئة الجامعية كلها ,من ثم تنعكس علي المتجمع كله ، لم يقف الأمر عند حد الشغب والاحتكاك بل تجاوز إلي ظاهرة جديدة وخطيرة هي حرق داخليات الطلاب هذه الداخليات التي تتبع لصندوق دعم الطلاب وهذا الصندوق يتلقي الدعم من كل الشعب السوداني بطريقة مباشرة وغير مباشرة وعلي قلة مواردها استطاعت تشييد داخليات للطلاب فلماذا يتم حرقها وتشريد الطلاب ،قبل فترة وقعت أحداث عنف في جامعة أم درمان الإسلامية بعيداً عن الداخليات ولكن تفأجاء الطلاب بغارات ليلية علي الداخليات من مجهولين والطلاب في نوم عميق ضربا بالعصي والسيخ في أعتداء سافر علي الطلاب ولم يشف ذلك غليلهم فأقبلوا علي حرق الداخليات وإخلائها بالقوة من الطلاب !! السؤال الذي يطرح نفسه من هي هذه المجموعات التي تمتلك العربات والعناصر المدربة والسلاح للقيام بمثل هذه الأحداث ، وتكررت ذات السيناريو في جامعة الخرطوم ففي الأسبوع الفائت حدث شغب محدود في الجامعة بسبب احتفال حضره نائب رئيس الجمهورية . د/الحاج أدم وتم احتواء هذا الشغب المحدود ولم يصب أحد بضرر ولا الممتلكات ولكن تفاجأ الطلاب ليلاً بدخول عناصر مسلحة للداخليات واعتدت علي الطلاب وقامت بحرق الداخليات !! أهي سياسة جديدة تنتهجها العناصر الموالية للنظام لتأديب الطلاب ؟ ، بتشريدهم وحرق ممتلكاتهم !! لاسيما أن معظم الطلاب الذين يسكنون هذه الداخليات من طلاب الأقاليم وبالفعل نجحت هذه السياسة في تشريد الطلاب الذين تفرقوا أيادي سبأ بعد حرق داخلياتهم وفقدان ممتلكاتهم القليلة والبائسة ونحن ندرك أن الحكومة القائمة لا تتحمل المعارضة وتسعى بكل ما لديها من إمكانيات الدولة إلي وأدها ولكن ما بال الطلاب ومؤسسات الجامعات التي بذلت فيها أموال طائلة لإقامتها، يقول البعض أن حرق الداخليات يتبع دائما حرق مكاتب صندوق دعم الطلاب ويشيرون بأصابع الاتهام إلي أن الأمر يتجاوز الانتقام من الطلاب إلي إخفاء فساد مالي يضرب هذا الصندوق !!، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فأن هذه الأحداث لم تجد العناية الكافية ولا الدراسة بغرض محاصرتها ، لم نسمع أن تحقيقا جنائياً يتبع الأحداث المتعلقة بحرق الداخليات وفقدان ممتلكات الطلاب وتشريدهم ! ولا يعرف علي وجه الدقة من وراء هذه الأحداث لم يقدم أحد للمحاكمة ولا حتى تحديد الجهة المسئولة وما لنا نذهب بعيداً في الحديث عن الممتلكات بينما لم تتحرك الحكومة في التحقيق في الأحداث التي أدت إلي إزهاق أرواح الطلاب في جامعة الجزيرة الذين اغتيلوا بطريقة بشعة مع أن وزارة العدل أقدمت علي أثرها تكوين لجنة للتحقيق لم نسمع عنها شيئا بعد وقبلها لجان كثيرة تكونت ولكن لم نسمع لها همساً ولا ركزاً أليست هذه الظاهرة تعامل الحكومة مع الأحداث هي الجريمة نفسها؟! وهكذا تمضي الظاهرة تبث سمومها في بيئة الجامعات والكل يتفرج..............حتي أدارة جامعة الخرطوم لا تملك الا البيان الممهور بتوقيع عميد شؤؤن الطلاب الذى يستنكر ويدين المسلك من دون الاشارة حتي الي تحقيق مجرد التحقيق الروتيني أيعقل أن يقدم الطلاب القاطنين في هذه الداخليات علي حرقها ؟الا أن يكونوا مجانين والجنون فنون !! إلي أين يمضي بنا هذا النظام الذي لا يكتف بعجزه في المحافظة علي القيم والسلوك القديم الذي كان سائداً في المجتمع السوداني بل سعى بسياساته البائسة وبعقليته السلطوية إلي تدمير كل القيم السمحة واستبدالها بقيم لا تمت إلي مجتمعنا وديننا بصلة – التسلط واستخدام القوة والعنصرية والجهوية والاستعلاء وهلمجرا...................... أن ما يرتكبه هذا النظام من جرائم فظيعة في حق البلاد والعباد يتجاوز سوء الإدارة وسرقة المال العام إلي تفكيك النسيج الاجتماعي وزراعة الشقاق والفتنة بين مكونات أهل السودان فهل نتركه يفعل بنا هذه الأفاعيل!!