لما سقطت طهران... صرخت بورسودان وأبواقها    "الأمة القومي": كامل ادريس امتداد لانقلاب 25 أكتوبر    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    الحكم بسجن مرتكبي جريمة شنق فينيسيوس    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    هل سمعت عن مباراة كرة قدم انتهت نتيجتها ب 149 هدفاً مقابل لا شيء؟    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    في شنو تفاوض (جاك ديارا) وتسجل (بخيت خميس)؟!    ماذا قالت الصحف العالمية عن تعادل الهلال مع ريال مدريد؟    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    يوفنتوس يفوز على العين بخماسية في كأس العالم للأندية    تقرير رسمي حديث للسودان بشأن الحرب    التغيير الكاذب… وتكديس الصفقات!    السودان والحرب    حركة متمرّدة جديدة بقيادة عضو سابق في المجلس التشريعي الوطني    الأهلي يكسب الفجر بهدف في ديربي الأبيض    عملية اختطاف خطيرة في السودان    شاهد بالفيديو.. الفنان شريف الفحيل يعود لإثارة الجدل: (بحب البنات يا ناس لأنهم ما بظلموا وما عندهم الغيرة والحقد بتاع الرجال)    بالصورة.. الممثل السوداني ومقدم برنامج المقالب "زول سغيل" ينفي شائعة زواجه من إحدى ضحياه: (زواجي ما عندي علاقة بشيخ الدمازين وكلنا موحدين وعارفين الكلام دا)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    شاهد بالفيديو.. ظهر بحالة يرثى لها.. الفنان المثير للجدل سجاد بحري يؤكد خروجه من السجن وعودته للسودان عبر بورتسودان    الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد بهدف لكلٍ في كأس العالم للأندية    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



22 فبراير - يوم النيل: التحدّيات والفرص د. سلمان محمد أحمد سلمان


1
تحتفل دول حوض النيل الاحدى عشر في 22 فبراير من هذا العام للسنة السابعة على التوالي بيوم النيل. وقد كان يوم 22 فبراير من عام 1999 يوماً تاريخياً ومعلماً بارزاً لدول وشعوب حوض النيل. ففي ذلك اليوم التقى وزراء المياه لدول حوض النيل في مدينة دارالسلام حاضرة جمهورية تنزانيا، مواصلةً للاجتماع الذي كان قد عُقِدَ في مدينة أروشا بدولة تنزانيا في سبتمبر عام 1998. وقد اتفق الوزراء في اجتماع دار السلام على تأطير التعاون حول نهر النيل بإنشاء مبادرة حوض النيل كترتيبٍ انتقالي يتم من خلاله القيام ببناء مؤسساتٍ دائمة تعني بشان التعاون حول قضايا النهر.
كان لقاء وزراء مياه دول حوض النيل واتفاقهم على قيام المبادرة إنجازاً كبيراً لدول الحوض. فقد كانت تلك المرة الأولى التي يلتقي فيها كل وزراء دول حوض النيل ويُوقّعون على وثيقةٍ تحمل موافقتهم على عملٍ جماعيٍ يحمل إسم مبادرة حوض النيل. وقد هلّلت كل الدوائر والمنظمات الاقليمية والدولية المعنيّة بالمياه المشتركة والتعاون بين الدول المشاطئة لذلك اللقاء ولاتفاق الوزراء وتوقيعهم على وقائع اجتماع دار السلام وقيام المبادرة. وهكذا وضع اجتماع دار السلام اللُبنة لقيام مبادرة حوض النيل ولإعلان يوم 22 فبراير من كل عام يوم النيل، والذي بدأ الاحتفال به لأول مرة عام 2007.
سوف نتناول في هذا المقال بعض الحقائق الجغرافيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة لحوض النيل، وتاريخ محاولات التعاون بين دول الحوض، ودلالات إعلان يوم 22 فبراير من كل عام يوم النيل، وكيف يمكن تأطير وتفعيل التعاون بين دول حوض النيل في ظلِّ الخلافات التي زادت حدّتها في السنوات الأخيرة.
2
هناك مجموعةُ من الخصائص تميّز حوض النيل عن غيره من الأحواض المشتركة في العالم. فنهر النيل هو أطول نهرٍ في العالم إذ أنه ينساب لمسافةٍ تزيد عن 6,600 كيلومتر من منابعه من تلال دولتي بوروندي ورواندا حتى مصبه من مصر في البحر الأبيض المتوسط. ويغطّي حوض النيل أكثر من ثلاثة مليون كيلومتر مربّع تساوي عُشر مساحة افريقيا. وتتشارك النهر احدى عشرة دولة هي بوروندي ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا ويوغندا وتنزانيا واثيوبيا واريتريا والسودان وجنوب السودان ومصر.
يبدأ النهر رحلته من مرتفعات بوروندي ورواندا حيث تتجمع مجموعةٌ من الأنهار الصغيرة لتكوّن نهر "كاغيرا" الذي هو أكبر مَصْدرٍ لمياه بحيرة فكتوريا، أُمِّ النيل الأبيض ومصدر معظم مائه. وتتشارك بحيرةَ فكتوريا ثلاثُ دولٍ هي تنزانيا ويوغندا وكينيا. وعليه فإنه عندما يبدأ النيل الأبيض انسيابه من بحيرة فكتوريا (ويسمى وقتها نيل فكتوريا) فإن الدول الخمسة المذكورة أعلاه (بوروندي ورواندا ويوغندا وكينيا وتنزانيا) قد ساهمت في مياهه وأصبحت دولاً نيلية. يدخل نيل فكتوريا بحيرة البرت ويأخذ معه الكثير من مياهها في رحلته لدولة جنوب السودان التي يعبر إليها عبر بوابة مدينة نيمولي تحت مسمى نيل البرت. وتتشارك جمهورية الكونغو الديمقراطية ويوغندا بحيرةَ البرت وكذلك نهرَ سيميليكي الذي يُغذّي البحيرة. ولهذه الأسباب تصبح جمهورية الكونغو الديمقراطية الدولة النيلية السادسة في دول البحيرات الاستوائية.
يدخل نيل البرت جنوب السودان، ويصبح إسمه بحر الجبل، وهو يحمل أكثر من 30 مليار متر مكعب من المياه. وينضم إليه بحر الغزال من الغرب ونهر السوباط القادم من اثيوبيا من الشرق ويصبح إسمه بعد ذلك النيل الأبيض. ولكن انسياب النيل الأبيض (ومعه نهر السوباط) لا يتجاوز 23 مليار متر مكعب عندما يُجمّع النيل نفسه ويخرج من هذه المستنقعات في مدينة ملكال في رحلة العبور إلى السودان. فالتبخّر والتسرّب في مستنقعات جنوب السودان التي تُغطّي مئات الآلاف من الكيلومترات تُفْقِده قدراً مهولاً من مياهه ومن مياه الأمطار، تصل إلى عشرات المليارات من الأمتار المكعّبة.
في الخرطوم يلتقي النيلُ الأبيض بالنيلِ الأزرق القادمِ من بحيرة تانا في اثيوبيا، بعد أن يكون قد انضم إلى النيل الأزرق نهرا الرهد والدندر. ويحمل النيل الأزرق حوالى 50 مليار متر مكعب من المياه، ويكوّن النهران معاً نهر النيل. يلتقي بنهر النيل بعد ذلك نهر عطبرة القادم من اثيوبيا أيضاً، والذي تتشاركه دولة اريتريا مع اثيوبيا عبر رافد سيتيت الذي يُضيف اريتريا كدولة نيليةٍ أخرى. و نهر عطبرة هو آخر رافدٍ يلتقي بنهر النيل، ويُضيف إلى نهر النيل حوالى 11 مليار متر مكعب من المياه. ينساب نهر النيل عبر شمال السودان ثم عبر مصر ليصبَّ في البحر الأبيض المتوسط، مُنْهِياً رحلته هناك. وعليه فإن اثيوبيا هي المصدر لحوالى 72 مليار متر مكعب من مياه نهر النيل، وهي تساوي حوالى 86% من مُجمل مياه النيل، بينما تُضيف البحيرات الاستوائية (خاصةً بحيرة فكتوريا) حوالى 12 مليار متر مكعب تمثّل حوالى 14% فقط من مياه النيل البالغة 84 مليار متر مكعب مقاسةً عند أسوان. وهكذا تنضم دول جنوب السودان والسودان واثيوبيا واريتريا ومصر إلى قائمة دول حوض النيل مع دول نيل البحيرات الاستوائية الستة.
3
يعيش على ضفاف نهر النيل ويعتمد عليه اعتماداً مباشراً حوالى 300 مليون نسمة في دوله الاحدى عشرة، ويُتوقّع أن يرتفع عددهم في عام 2025 إلى حوالى 500 مليون نسمة، يمثّلون ربع سكان افريقيا، ويتحدثون اللغات العربية والانجليزية والفرنسية والسواحيلية ومئات اللغات المحلية. ويعتنق هؤلاء السكان الديانات الإسلامية والمسيحية بمعظم طوائفها، إضافةً إلى عددٍ كبيرٍ من المعتقدات المحلية. ويجب ألا ننسى ارتباط الديانة اليهودية بنهر النيل وقصّة تابوت سيدنا موسى عليه السلام وصراعاته مع فرعون مصر ودور نهر النيل فيها.
وقد قامت على ضفاف النهر أقدم الحضارات وأعرقها في مصر والسودان واثيوبيا ويوغندا. وتمّ بناء أقدم السدود على نهر النيل بدءاً بخزان أسوان عام 1904 وخزان سنار عام 1925، وأكبرها بدءاً بالسد العالي إلى سد النهضة (الألفية) الذي هو تحت التشييد في اثيوبيا على النيل الأورق على بعد 40 كيلومتر من الحدود السودانية.
دول نهر النيل وشعوبه من أكثر شعوب العالم فقراً وبؤساً. فسِتٌّ من دول النيل (بوروندي ورواندا ويوغندا وجنوب السودان واريتريا واثيوبيا) هي من ضمن أفقر 15 دولةٍ في العالم. وباستثناء تنزانيا ومصر فإن كل دول النيل عانت خلال العشرين عاماً الماضية أو ما زالت تعاني حروباً داخلية أو نزاعاتٍ عرقيّة أو دينية أو جهوية حادة.
ليس هناك غير النهر ليربط هذه الدول بعضها ببعض. فالعلاقات التجارية والاقتصادية تكاد تكون معدومةً بينها، ولا توجد علاقاتٌ ثقافية أو تنقّلٌ للناس (عدا القليل) أو المعرفة أو الخدمات بين هذه الدول. ويندهش كثيرٌ من السودانيين والمصريين عند ذكر أن بوروندي ورواندا والكونغو وتنزانيا وكينيا واريتريا هي من دول حوض النيل. فنهر النيل ارتبط في ذهننا فقط بيوغندا حيث بحيرة فكتوريا والنيل الأبيض، واثيوبيا حيث بحيرة تانا والنيل الأزرق.
4
تشكّلت أولى ملامح التعاون بين دول حوض النيل في منتصف الستينيات من القرن الماضي إثر الارتفاع المفاجئ والكبير في بحيرة فكتوريا والذي نتجت عنه مشاكل بيئية واجتماعية كبيرة في تنزانيا ويوغندا وكينيا. كانت هناك عدّة إرهاصاتٍ لهذا الارتفاع في بحيرة فكتوريا، وأنه قد يكون من ضمن أسبابه وقوف مستنقعات جنوب السودان كعقبةٍ في طريق انسياب النيل، أو قد يكون حجز السدّ العالي لمياه النيل. لهذه الأسباب فقد دعت دول البحيرات الاستوائية مصر والسودان واثيوبيا لمناقشة هذه المسألة تحت مظلة برنامج المسح المائي للبحيرات الاستوائية والذي ساهمت الأمم المتحدة في تمويله وتسهيل إجراءاته. تواصلت لقاءات واجتماعات دول الحوض تحت عدة مظلاتٍ لاحقة من بينها النيل الفني، والأخوّة، والنيل لعام 2000.
وفي عام 1997 برزت فكرة مبادرة حوض النيل والتي أخذت شكلها الرسمي كما ذكرنا أعلاه في 22 فبراير عام 1999 في مدينة دار السلام في تنزانيا إثر توقيع وزراء المياه لدول الحوض بالأحرف الأولى على وقائع الاجتماع الذي أسّس لقيام مبادرة حوض النيل. وقد اتفق الوزراء على أن الهدف من المبادرة هو تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة من خلال الانتفاع المنصف والمنافع من موارد النيل المشتركة. وقد قام البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية مع مجموعةٍ أخرى من المانحين بدورٍ تسهيليٍ كبيرٍ في قيام وتدرّج المبادرة وفي تمويل جزءٍ من برامجها وأنشطتها.
وقد نجحت المبادرة في عدّة مجالات من بينها إنشاء سكرتارية بمدينة عنتبي في يوغندا، ومكتب للنيل الشرقي بأديس أبابا، ومكتب لنيل البحيرات الإستوائية بمدينة كيغالي بدولة رواندا، وتمويل عددٍ من المشاريع المشتركة. وبدأ العمل قبل عدّة أعوام في اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل. ولكن كما ذكرنا في المقال السابق (لماذا يتعيّن على السودان الانضمام لاتفاقية عنتبي لحوض النيل؟) فقد أصبحت اتفاقية الإطار التعاوني حجر عثرةٍ كبير في طريق التعاون والعمل المشترك، بدلاً من أن تقود إلى التعاون والمنفعة المشتركة. وقد أدّى اجتماع نيروبي الذي عُقِد في 27 يناير عام 2012 إلى تمحورٍ حاد بين مصر والسودان من جهة، ودول منابع النيل من الجهة الأخرى، وزاد من حدّة النزاعات والخلافات بين المجموعتين.
5
رغم أن نهر النيل هو أطول نهرٍ في العالم (6600 كيلومتر) وحوضه من أكبر الأحواض (ثلاثة مليون كيلومتر مربع)، فإن نهر النيل من أضعف الأحواض المشتركة في كميّة المياه التي يحملها. فمياه نهر النيل مقاسةً عند أسوان والبالغة 84 مليار متر مكعب تساوي 2% فقط من مياه نهر الأمزون، و6% من مياه نهر الكونغو، و17% من مياه نهر النيجر و26% من مياه نهر الزمبيزي. ويساهم هذا الضعف في مياه النيل في زيادة حدة النزاعات بين دول وشعوب حوض النيل.
ولكن رغم هذا الضعف المائي فإن حوض النيل به من الإمكانيات المتاحة ما يمكن أن تدرّ بالكثير من الخير لشعوبه ودوله إن هي قررت التعاون ونبذ الخلافات واستغلال هذه الإمكانيات الكبيرة. فاثيوبيا تستطيع أن تولّد اكثر من 30,000 ميقاواط من الطاقة الكهربائية من نهر النيل وحده، وهي تزيد كثيراً عن حاجة دول نهر النيل الحالية مجتمعةً. كما أن أراضي السودان الشاسعة التي يمكن ريّها من نهر النيل يمكن أن تصبح سلّة غذاء لدول حوض النيل وللعالم العربي معاً. نضيف إلى هذا ثروة بحيرة فكتوريا السمكية الضخمة والتي يذهب الجزء الصغير المستغل منها الآن إلى أوروبا بدلاً من أن تطعم شعوب النيل الجوعى. كما أن إمكانيات مصر الصناعية، خصوصاً في مجال الصناعات الغذائية، تستطيع أن تغطي جزءاً كبيراً من احتياجات دول حوض النيل. ولا بد من ذكر أن دولة الكونغو يمكن أن تكون مدخلاً لزيادة إيراد نهر النيل من نهر الكونغو إذا استطاعت دول حوض النيل تفعيل تعاونها وإقناع دول حوض نهر الكونغو بالتعاون معها وتقديم الحوافز لها.
ولكن هذا لن يتأتّى إلاّ بالتعاون التام والكامل وبحسن نيّة بين دول حوض النيل، وبالإرادة السياسية لتفعيل وتعميق هذا التعاون. وكبذرةٍ لهذا التعاون ولبناء الثقة والمعرفة بين دول وشعوب وادي النيل فإنه يمكننا أن نجعل من يوم 22 فبراير من كل عام يوم النيل بحقٍّ وحقيقة، حيث يلتقى في هذا اليوم من كل عام مثقفو وخبراء وسياسيو دول حوض النيل لمناقشة قضايا ومشاكل التعاون بين دول وشعوب الحوض، وكيفية تفعيل هذا التعاون. ويُقدّم الكُتّاب والخبراء والمحللون إنتاجهم الفكري عن نهر النيل، وتقدّم الفرق الفنية برامجها الثقافية وعروضها الغنائية وموسيقاها التي تعكس التنوّع والثراء الثقافي لشعوب حوض النيل. كما أن شباب النيل من دوله الاحدى عشر يمكن أن يلتقوا في ندوات ومسابقات في هذا اليوم. بل يمكن أن تكون هناك دورة رياضية تُخْتتم في يوم 22 فبراير من كل عام بمبارياتٍ نهائية، تشمل كأس دول حوض النيل لكرة القدم، فهي رياضةٌ يلتقي في عشقها كل شعوب حوض النيل.
6
ظلّت الاحتفالات بيوم النيل تُقام بانتظامٍ كل عامٍ منذ عام 2007، وكان أبرزها الاحتفال الكبير الذي أُقيم عام 2011 في مدينة قوما ومدينة كنشاسا حاضرة جمهورية الكونغو الديمقراطية تحت شعار "معاً من أجل تعاونٍ أفضل." وقد أقيم الاحتفال العام الماضي في مدينة جينجا في دولة يوغندا حيث يخرج النيل الأبيض من بحيرة فكتوريا تحت شعار "من أجل مستقبلٍ مشترك لشعوب حوض النيل."
ويقام الاحتفال هذا العام من 21 وحتى 23 فبراير في مدينة بحر دار الاثيوبية التي تقع على بحيرة تانا عند موقع خروج النيل الأزرق منها (مثل مدينة جينجا اليوغندية على النيل الأبيض وبحيرة فكتوريا). وتنعقد الاحتفالات هذا العام – وهي الاحتفالات السابعة منذ عام 2007 – تحت شعار "استدامة التعاون في حوض النيل من أجل مواجهة التحديات المشتركة: التغييرات المناخية وتآكل التربة." وهذا الشعار يتضمّن مخاوف اثيوبيا التي يجرف النيل الأزرق ونهر عطبرة وأنهارها الأخرى كل عام حوالى 300 مليون طن من تربتها، والتي كانت السبب الرئيسي لفقدان سدود السودان لأكثر من نصف طاقتها التخزينية والتوليدية. ولمدينة بحر دار مغزاها في مجال التعاون في حوض النيل. فمنها يبدأ خط الربط الكهربائي بين اثيوبيا والسودان، والذي بدأت اثيوبيا من خلاله تصدير الكهرباء للسودان قبل ثلاثة أشهر. وتأمل اثيوبيا أن يمتد هذا الخط إلى بقية دول حوض النيل.
يجيئ احتفال هذا العام على خلفية قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 18 ديسمبر عام 2010 باعتبار عام 2013 عام التعاون الدولي في مجال موارد المياه. والغرض من هذا القرار هو زيادة الوعي بالتحديات الضخمة التي تواجهها البشرية في هذا المورد الحيوي، والدعوة لبذل أقصى الجهد في التعاون لمواجهة هذه التحديات الجسام. ويدعو القرار المنظمات الدولية والحكومات ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية والأفراد للعمل معاً بإخلاصٍ وحسن نية لتحقيق هذا الهدف النبيل. وسوف تبلغ الاحتفالات ذروتها بعام التعاون الدولي في مجال موارد المياه في 22 مارس، وهو اليوم الذي كانت الأمم المتحدة قد أعلنته عام 1993 اليوم العالمي للمياه.
7
ونحن نستشرف الذكرى الرابعة عشر ليوم النيل، والسابعة للاحتفال به، لا بدّ من تأكيد ضرورة وحتمية التعاون بين دول وشعوب الحوض لانتشال هذه الشعوب من فقرها وبؤسها وتخلّفها، والذي يزداد كل يومٍ مع الزيادة السكانية المطّردة في كل دولة من دول حوض النيل. وتزداد الحاجة لهذا التعاون أيضاً بسبب التغييرات المناخية والزحف الصحراوي والتدهور البيئي، والتي تؤثّر كلها سلباً كل يومٍ على الحوض وعلى دوله وشعوبه، وتزيد من تخلّفهم ومعاناتهم وفقرهم وبؤسهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.