السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما السبيل لدرء الخطر الإيراني الداهم ؟ (2-5)


أبوالبشر أبكر حسب النبي
إلى سوريا ولبنان....
من بضع سنين خلت ..كنت أشاهد -عبر التلفاز - لقاءاً مع أحد زعماء الطائفة النصيرية ( نسبة إلى أبي شعيب محمد بن نصير بن بكر النميري البصري مؤسس هذه الفرقة ) (العلوية ) في تركيا ..عندما سأله المذيع : ما هي أهم مطالبكم من الحكومة التركية ؟ رد قائلا :" الكف عن بناء المساجد في قُرَانا " ! اندهش المذيع ،كما نحن ، وقال هذا مطلب غريب ، ألستم بمسلمين ؟ كان رد هذا الزعيم النصيري أكثر جراءة وغرابة من إجابته الأولى إذ قال : بكل هدوء و( أدب) : " الأغبياء وحدهم يعتقدون بأننا على الملة الإسلامية " !! أي والله .. هكذا سمعته بأذني ( وكان بجواري الأخ الدكتور "الفاضل سبيل محمد "يمكنكم أن تستوثقوا منه ، لمن يعرفونه بالطبع ).
كان الزعيم السوري (العلوي ) صالح العلي مهتما جدا بإخراج طائفته من القوقعة الجبلية التي رانت عليها حينا من الدهر .. وغسل العار التاريخي الذي ظل يلازمها ويطاردها بسبب مؤازرتها الغزاة من كل جنس ونوع ، من لدن المغول والتتار والصليبين إلى الفرنسيين الذين هذبوا اسمهم البغيض (النصيرية) وأهدوهم اسما جديدا هو ( العلويين) .. وكان من خططهم، أي الفرنسيين ،إنشاء دولة مستقلة لهم تحت اسم (جبل العلويين) . وقد أفشلها الزعيم المذكور الذي بذل كل جهد لديه لدمج العلويين في الكتلة الوطنية السورية إلى حد أنه تجرأ وعزم على ( هتك ) أحد أكبر المحرمات (التابوهات ) لديهم ألا وهو بناء المساجد (أو المعابد إن شئت) ! ... وقام ببناء مسجد في قريته،وهو صنيع تطيَّر منه أعيان وشيوخ الطائفة ( وعلى رأسهم المضلل ومدعي الإلوهية سليمان المرشد وسليمان الأسد جد الرئيس الحالي ) وعدّوه آية من آيات قيام الساعة ! وأجبروه على هدمه ..مع ذلك نجح صالح العلي ورفيقه سليمان الأحمد ( والد الشاعر المعروف محمد سليمان الأحمد " بدوي الجبل") في إنزال عدد لا بأس به من الشباب العلوي من الجبال وإرسالهم غربا صوب اللاذقية وشرقا نحو دمشق للالتحاق بالمدارس الحديثة .. في الحقيقة إن لالتباس عينه الذي يحدث عند ذكر المنطقة الشرقية من السعودية حيث يتبادر إلى أذهان التي تنقصها البيانات (الجيو-سياسية ) بالقدر الكافي بأنها معمورة بالشيعة .. في الوقت الذي لا يوجد الشيعة في هذه المنطقة الواسعة إلا في واحة صغيرة اسمها (القطيف) ؛ فنفس هذا التباس يحدث عند يذكر الساحل السوري الذي يعده حتى بعض المحللين المتمكنين (وقد سمعت مرة الدكتور عزمي بشارة يقول الساحل السوري الذي يقطنه العلويين ) بأن سكان الساحل من العلويين ، في الحقيقة لا يشكل العلويون أي أغلبية في المدن الساحلية إلا في طرطوس حيث أن 70% من أهل اللاذقية من السنة وتكاد تشكل السنة نسبة مائة بالمائة من سكان بنياس ( الساحل ) التي تعرضت لمجزرة رهيبة قبل أيام .حتى هذه السلسلة الجبلية المعروفة باسمهم ليست معمورة بالكامل بأتباع هذه الطائفة وأجزاء منها نصيب للإسماعليين كما أن هنالك السنة في (جبل التركمان) و(جبل الأكراد) .
حافظ الأسد والعهد الذهبي للطائفة العلوية
من غرائب المفارقات أن الناس- أو المثقفين منهم على الأقل - كانوا لا يلحظون انعكاس العقائد الباطنية النصيرية إلا على الأدب والفن والشعر – كما في "رواية وليمة أعشاب البحر " لحيدر حيدر وأشعار الشاعر العلوي على أحمد سعيد الملقب ب(أودنيس ) وبعض مسرحيات سعد الله ونوس على سبيل المثال لا الحصر - ولكن قليل منهم –أي الناس بعامتهم - من حظي بقدرة تحسس خطوط وخيوط مقدرة حافظ الأسد في كبح جماح أمارات سياسته الطائفية في أن تتجلى في فضاءات السياسة( الخارجية) ، لقد تمكن حبك منظومته الداخلية الباطنية بدقة متناهية .. وعند غداة وفاته وتسليم السلطة لابنه -( كنت أتابع الوقائع التسليم عبر إذاعة ال(بي بي سي) حيث لم يعترض على هذه وراثة المفضوحة والمشينة إلا نائب واحد اسمه "منذر موصللي" من أعضاء مجلس الشعب البالغ عددهم أربعمائة عضو ) ! -كانت الطائفة العلوية قد سيطرت على جميع مفاصل الدولة السورية ، شيء (مذهل)! .. يحكى أن الرئيس حافظ الأسد سأل الزعيم الدرزي اللبناني الراحل كمال جنبلاط قائلا:انتم الدروز تشكلون 10% من سكان لبنان كيف تمكنتم من لعب كل هذا الدور ؟ فرد عليه جنبلاط بسؤال مضاد قائلا : انتم العلويون تشكلون 5% من سكان سوريا كيف وصلهم إلى سدة الحكم ؟ المصادر التي تذكر هذه الحكاية لا تورد رد حافظ الأسد على سؤال جنبلاط ( ربما كان رده اغتيال هذا الزعيم الدرزي )! ..في كل الأحوال ، كانت حبكة حافظ الأسد تقوم على العناصر التالية :
أولا: جعل حزب البعث (حصان طروادة ) للتسلق والتسلل إلى المناصب والمراتب مع كتم وإخفاء النزعة الطائفية وزرف دموع التماسيح على الهوية الوطنية والبكاء على أطلال القومية العربية حتى غدا كل علوي بعثي بالضرورة أما من حرد ورفض دخول هذه (الزريبة) وسلوك هذه الجادة الضليلة فمصيره التحقير والتنكيل حتى يفر إلى المنافي هكذا فر كثير من المثقفين والأدباء والفنانين المنتمين لهذه الطائفة واحتمى بعضهم بالانتماء إلى الحزب القومي السوري (حزب العلويين في لبنان ) .
ثانياً : المرور إلى الكليات العسكرية والأجهزة الأمنية بإعداد كبيرة .. كان الالتحاق بالكليات العسكرية محسوبة بدقة متناهية اعتمادا على نسب المحاصصة التالية 40% للعلويين 30% اللسنة ( بما فيهم الأكراد والتركمان ) و30% للأقليات (الدروز والمسيحيين والاسماعليين وغيرهم ) شريطة أن لا يذهب إلى الكليات المتخصصة مثل الكلية الجوية والمؤسسات الأمنية المهمة مثل ذلك الجهاز الرهيب باسم (المخابرات الجوية) إلا عدد قليل جدا من أبناء السنة .. أما البقية فيتم توزيعهم بعد تخرجهم إلى فرق المشاة والقوات البرية .. لذلك نجد أن أغلب الذين هربوا وانشقوا في ظروف الثورة الحالية هم من هذه القطاعات ، الأمر الذي لم يقد إلى التداعي الكامل للجيش السوري ، حيث توقفت نسبة الخسارة في حدود 30% ، كأنهم كانوا يتحسبون قدوم مثل هذا اليوم .. نحن هنا نتحدث عن الجيش الحقيقي ( الضباط وضباط الصف والجنود المحترفين ) وليس أرتال المجندين التي لا تأخر ولا تقدم .
ثالثا: تشجيع العلويين للهجرة إلى دمشق بكثافة مع إعطائهم امتيازات وتسهيلات مالية سرية لشراء الأراضي والدور و(احتلال التلال )وإقامة (المستوطنات )على الطريقة الصهيونية تماما !..قبل أكثر من عشرين عاما كنت في دمشق ، ضمن مجموعة ، فكرى لنا الوسيط شقة في حي (المهاجرين) ،فكان صاحب الشقة يفاخر بأن رئيس الجمهورية نفسه وعدد كبير من كبار رجال الدولة والرتب العليا في الجيش والأمن يقيمون بالقرب من شقته ، وأن عددا من كبار رجال الدولة السودانيين قد أقاموا في شقته عند زيارتهم لدمشق ، فتبينا أن الوسيط قد أخطأ التقدير وكرى لنا شقة في الحي رقم (1) في دمشق لطلاب دراسات عليا غلابة! فوبخناه ورحلنا إلى حي متوسط الحال اسمه (الإطائفية ) . وقبل شهور قرأت تقريرا ل(رويترز) يقول بأن حي المهاجرين غدا معقلا رئيسيا العلويين في دمشق فجميع سكان الحي الذين أجرت معهم الوكالة لقاءات لا يرددون إلا عبارة ( الأسد أو يوم القيامة )! .. فجميع المصادر التي اطلعت عليها تفيد بأنه قبل قدوم الأسد الأب إلى دمشق رئيساً –أيقبل أربعين عاماً -لا يوجد ولا علوي واحد في هذا الحي .. وهو ما يؤكد النجاح المذهل الذي أحرزته عملية استبدال وإحلال المبرمجة ،وقد حدث الشيء نفسه في كثير من أحياء الفيحاء الأخرى ، خاصة تلك التي تقع في أماكن مرتفعة .
رابعا : ولوج باب التجارة والأعمال وهو مجال جديد تماما ، إذ لا توجد في ثقافة العليويين غير الفلاحة التي لا تتعدى زراعة (التباكو )في الوديان ورعاية أشجار الحمضيات في السفوح.. وزاحموا - بدعم من الدولة - طبقة (تجار الشوام ) من السنة وبعد الأقليات مثل الأرمن و(اليهود ).. عندما أوقف حافظ الأسد تصدير النفط العراقي عبر الأراضي السورية عام 1980 م دعما لإيران في حربها مع العراق ولقاء مبلغ نقدي ضخم يدفع شهريا ، اشترطت إيران أن يتم إنفاق هذا المبلغ على النشاطات الداعمة لتمكين الطائفة العلوية وتدفقت كل هذه الأموال في قنوات هذه الطائفة .. حتى أصبحوا أثرى أثرياء سوريا يتقدمهم رامي مخلوف أبن خالة الرئيس .
خامساً :نسج روابط داخلية وخارجية قوية بالكتل الشيعية في الخارج خاصة في كل من إيران ولبنان وفتح الأبواب والنوافذ لكل ما من شأنه يعين ويساعد على نمو الأقلية الشيعية(الجعفرية) الصغيرة جداً في سوريا ..لقد ذكرنا في مقال سابق بأن (موسى الصدر) هو أول من أفتى بجعل النصيرية طائفة من الاثني عشرية (الجعفرية/الإمامية ) وما ذلك إلا لتوفير غطاء سياسي له للتبشير بالتشييع في سوريا .. وقد سمعت أحد (المحللين ) الشيعة يقول بأن العلويين هم ( صوفية الشيعة )! ..وقد أغلق حافظ الأسد جميع المعاهد الدينية / الشرعية السنية بدعوى أنها تخرج (أخوان مسلمين) وفتح الباب على مصراعيه لإنشاء الحوزات الشيعية - على رأسها الحوزة الزنبية بدمشق التي تعتبر الأكبر في العالم خارج إيران والعراق- وبناء الحسينيات والمآتم في طول وعرض البلاد ..وكان يتولى هذه المهمة إيراني اسمه (حسن الشيرازي).
سادسا : السيطرة على الأغلبية السنية بمنهج رئيسي ينهض على البطش والقهر والتخويف بتسليط أجهزة أمنية عاتية وجبارة لا ترحم ولا ترأف حتى نجحت في توليد (خوف جماعي ) يسر لها السيطرة التامة ..وهو أحد أسوأ أنواع السيطرة .. ومن ثم أنشأ النظام شعبتين ضمن أجهزة استخباراته ، الأولي مهمتها أن تتعهد بخلق علاقات تشعبية مع طبقة (تجار الشوام) في كل من دمشق وحلب بشكل خاص ، والذين هم في غالبهم من السنة .. وكانت وسيلتها للتحكم بهذه الطبقة هي إظهار سلاح ( الجمارك والضرائب والإتاوات والجبايات ) على من يشك في ولائه للنظام .. وكان معيار الاستفادة من فوائد مشروعات الخصصة التي أصبحت أحد أهم مجالات الإثراء في عهد الأسد الإبن هو معدل الولاء للنظام , فتزلف كثير من التجار السنة للتقرب من النظام حتى لا تفوتهم هذه الكعكة الثمينة . .. لذلك –كما لاحظتم - كانت هذه الكتلة من التجار هي آخر من التحقت بالثورة من قطاعات الشعب السوري .. وبسبب الحرص الشديد من قبل النظام على دمشق وحلب وإهمال بقية المدن حدث خلل كبير في البنى الاجتماعية والاقتصادية حيث أدت إلى إفلاس المدن التي تعتمد على الصناعات الحكومية التقليدية مثل حمص وتلك التي تعتمد على الزراعة مثل بلدات الريف الدمشقي ودرعا ودير الزور ..الخ بينما أنعشت النزعة الماراكنتالية كل من حلب ودمشق الأم .
أما الشعبة الثانية فكانت مسئولة عن العشائر التي هي في غالبها سنية.. مهمتها القيام بتنصيب قيادات بعثية وضابط جيش سابقين على رأس هذه العشائر شيوخا ..وإعطائهم الحصة المقررة للسنة في الكليات العسكرية .. وبما أن أبناء العشائر أقل وعيا بالمسألة الطائفية مقارنة بأقرانهم من أبناء المدن فقد تمترس بعض القادة العسكريين من ذوي الأصول العشائرية في مواقعهم .. و كانت محافظة الرقة آخر المحافظات التي ثارات وما ذلك إلا لبنيتها العشائرية القحة .
سابعا : محاولة تقريب أفراد من السنة من ا(لأقليات ) العرقية وسماح لهم بالترقي والصعود في سلكين العسكري والمدني مثل الجنرال الشهير (حسن تركماني) الذي تم التخلص منه في( الوقت المناسب) مناسب بالنسبة للنظام بالطبع .. وقد حدث شيء مماثل في المؤسسة الدينية إذ حرص كل من الأسد الأب والإبن على أن يشغل المناصب الدينية الكبيرة مثل وزير الأوقاف ومفتي الجهورية وعميد كلية الشريعة ..الخ سني ينتمي عرقيا لإحدى الأقليات وهذا ينطبق على المرحوم الشيخ أحمد كفتارو (كردي) الذي ظل مفتيا للجمهورية لمدة غير يسيرة والمرحوم الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ( كردي ) الذي ظل عميدا لكلية الشريعة في جامعة دمشق لفترة طويلة (عند زيارتي لدمشق السالفة الذكر كان الحديث الديني الوحيد الذي ينقله التلفزيون السوري هو محاضرة الدكتور البوطي كل جمعة بعد تلاوة قصيرة جدا . وجميع المساجد تغلق أبوابها في غير أوقات الصلاة باستثناء الجامع الأموي الذي يظل مفتوحا طوال اليوم لاستقبال السياح )!. وقد تخلص النظام من الدكتور البوطي مؤخرا بطريقة تنم عن الخسة والدناءة ونكران الجميل ، فقط لأنه أبدى اعتراضه (لدى الرئيس ) على تدمير المدن بهذه الطريقة .. رحمه الله رحمة واسعة كان علما من أعلام الإسلام .وقد حضرت عددا من محاضراته وقرأت معظم كتبه كم حزنت على قتله بهذه الطريقة الغادرة ، للرجل هنات ولا ريب في ذلك ، فلكل عالم هفوة . على رأسها ما يذكر أنه قال أمام الأسد الأب و جمع غفير من الناس في حفل تأبين (الشبل ) الهالك (باسل) "إنني رأيت (باسلا) في المنام وهو يرفل في جنة الفردوس مع الصديقين والشهداء" !! .. و قد جلب له هذا الكلام سخط قطاعات واسعة من الطائفة التي ينتمي إليها .. مع ذلك تخلصوا منه بطريقة تنطوي على البربرية وسوء السريرة.
في الحقيقة ، نحن نستخدم مفهوم " الأقلية" هنا حسب الدلالة التي أراد النظام استغلالها ؛ إلا فأن الكتل السنية الحضرية الكبيرة في سوريا فهم في غالبهم أخلاط من الترك والكرد والشركس والهنود والأفغان وما إليها من سكان بلاد ما وراء النهر.. كما هو الحال في العراق (الموصل وبغداد ) وبصورة أكثر وضوحا في مصر والحجاز ( مكة ، المدينة ، جدة )، لذلك نردد دائما بإن عبقرية الشعوب في الاختلاط والتمازج وليس التعدد والتنوع كما يردده بعض الأغبياء في السودان (كان محمد كرد على رئيس المجمع العلمي السوري (كرديا ) وأحد خلفائه سعيد الأفغاني( أفغانيا) وزعيم الحزب الشيوعي السوري خالد بكداش ( كرديا ) الشاعران العراقيان العظيمان الرصافي والزهاوي (كرديان) محمود العقاد من (عائلة كردية ) سيد قطب من (عائلة هندية) يحى حقي كان( تركيا قحا )المجاهد السوداني عثمان أبو بكر دقنة حفيد (تاجر كردي) ) ..الخ
ثامنا : الاقتراب و الاقتران ببعض العائلات السنية بالمصاهرة كما فعل الأسد الابن وحضور صلاة العيدين (فقط ) لا جمعة ولا جماعات ، وجلوس ما بين المفتي ووزير الأوقاف وأداء الصلاة على (الطريقة السنية )! .. في الوقت الذي تعتبر (السرية التامة ) قاعدة أساسية في أداء الطقوس التعبدية لدى العلويين بحيث حتى الزوجة لا تعلم كيف يصلي زوجها والعكس .. كثيرا من الناس ينخدعون بمثل هذه التمثيليات فيقولون "ها هو الرئيس المؤمن يصلي ويدعو ربنا مع الشيوخ "!.. هذا هو مراد النظام بالضبط من حضور الرئيس لصلاة العيدين .
تاسعا : تسكين السنة في هياكل جوفاء مثل منصب نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس الشعب و بعض الوزارات الهامة مثل الخارجية والدفاع التي ظل أفراد من السنة يشغلونها بشكل راتب وهي أفرغ من فؤاد أم موسى ! و ما هي إلا هياكل خاوية على عروشها ولا وظيفة لشاغليها غير ال(شو) .. لأنهم لا يملكون أي سلطات بل بعضهم يظل في وظيفته قسرا و تحت التهديد ، بالمعنى الحرفي ( أخذ أحد أفراد عائلته رهينة مثلا) .. تذكر حالة رئيس الوزراء السابق (رياض حجاب ) عندما قرر الانشقاق لم يفعل ذلك إلا بعد أن تأكد عبور جميع أقربائه حتى من الدرجة الثالثة حدود السورية . وقد فعل الشيء نفسه من قبله (عبد الحليم خدام ) والعماد (مصطفي طلاس ) الذي لم يترك خلفه إلا ابنه (مناف) الصديق الوفي ل(ماهر) وقد لحق بوالده بعد أن تم تهريبه بطريقة دراماتيكية وما أن علم النظام ذلك حتى انهال بقنابله على مسقط رأس آل طلاس (الرستن ) وسواها بالأرض .
عاشرا : رفع الشعار الكذوب ( المقاومة والممانعة ) وهو شعار من بنات أفكار ملالي قم ولا توجد كلمة حق أريد بها باطل( وهذه مقولة لإمام علي كرم وجهه) في التاريخ مثل هذا الشعار إلا رديفه ( الموت لأمريكا والموت لإسرائيل)!.. قبل يومين من كتابة هذا المقال هاجمت إسرائيل بعض المواقع في دمشق ،ماذا كان رد فعل النظام؟ قذف وقصف مخيم اليرموك في دمشق ! .. منذ عام 1976 وهو يفعل ذلك عندما ارتكب مجزرة رهيبة في مخيم( تل الزعتر) مرورا بعام 1982 عندما هدم مخيم (نهر البارد ) على ساكنيه .
هنالك تقارير كثيرة حول تمكن المخابرات الإيرانية في التأثير على بعض الشخصيات السنية السورية وجذبهم نحو التشيع مثل المفتي الحالي (بدر الدين حسون) الذي نقل عنه إنه قال في أحد المنابر ( يتمنى أن يحشر يوم القيامة في زمرة آل البيت) وهي إشارة أقرب إلى التصريح منه إلى التلميح ومن ضمن الذين يرد أسمائهم أحد وزراء التعليم العالي السابقين - لا يحضرني اسمه الآن- . تأخذ هذه التقارير جزءا من مصداقيتها من الأسئلة التالية:" ماذا ينتظر هؤلاء ؟ وأين يذهبون عند كنس نظام الأسد إلى مزبلة التاريخ ؟" هل هم مخدوعون بما يقوله المحللون الشيعة الذين يتم استضافتهم - من لبنان في الغالب – الذين يرددون في جميع المنابر والقنوات الفضائية لازمتهم المحفوظة ( النظام في سوريا لن يسقط) ! و يلقون في وجوهنا أسئلتهم المضطربة من شاكلة "منذ سنتين تقولون النظام يسقط ولم يسقط ". حتى المالكي انضم لهذه الجوقة وقال ذات مرة، بذات الجزم إن (السلطة في سوريا لن تسقط ).
لماذا لم يسقط النظام في سوريا وصمد حتى الآن ؟
أولا : لأن النظام كان يتوقع مثل هذا اليوم - وهذا يحسب له – واستعد له طائفياً ( الأسد أو يوم القيامة ) ! إي القتال لآخر رجل .. لأنه لا خيار آخر ! .
ثانيا : تواصل الدعم الإيراني الذي لم يكن جديدا ولكنه تضاعف بمعدلات كبيرة .. قد يسأل سائل
بما أن إيران نفسها دولة محاصرة وتعاني من كثير من المشاكل الاقتصادية كيف لها أن تتكفل بدولة كاملة لمدة سنتين ؟ سؤال وجيه ، فمرد ذلك أن الدعم الإيراني الأساسي يتمثل في توريد السلاح و تقديم البيانات الاستخباراتية و التقنيات الإلكترونية مثل غلق المواقع الإلكترونية والتشويش على القنوات الفضائية أما الأموال -وهنا بيت القصيد - فتأمر حكومة المالكي في العراق بشحن مليارات دولارات إلى دمشق .. و قد امتصت سوريا فائض دولارات العراقية الناجم عن زيادة إنتاج النفط وارتفاع أسعاره.. وقد خلقت الأوامر الإيرانية مشاكل داخل العراق نفسه ، منها طرد محافظ البنك المركزي العراقي (السني ) وتولي مكتب المالكي الشئون النقدية للبلاد ..وإقالة أو دفعه لاستقالة وزير المالية (رافع العيساوي ) وفضائح الرشاوى والعمولات بأرقام خرافية في صفقات الأسلحة (الدباغ مثالا ) ، جل هذه الأموال استقرت في خزائن النظام في دمشق نظيفة بعد غسلها في بيروت !.
ثالثا : المد بالرجال من لبنان والعراق بشكل خاص (الغربان السود / جيش المهدي) وكتائب مليشيا (حزب الله) فكونوا معاً لواء (أبوالفضل العباس ) الذي ينتشر في دمشق ، ويرتكز في منطقة السيدة زينب بشكل أساسي .. فمن المفارقات كانت المخابرات السورية تدفع صوب العراق بآلاف من مقاتلي تنظيم العاقدة حيث تستقبلهم المخابرات الإيرانية وتحدد لهم أدوارهم في إزعاج أمريكان. والآن -ولا نقول انقلب السحر على الساحر - قد قررت المخابرات الإيرانية قلب الآية – لأنها تعلم يقينا أن أحد أهم الوسائل لضرب الثورة السورية هو إظهار القاعدة في الساحة. فدفعت بمقاتليها صوب سوريا .. إن وجود تنظيم القاعدة (جبهة النصرة ) في سوريا تعتبر النقطة المعتمة الوحيدة في بساط ثورة سورية البيضاء لأن ظهور هذا التنظيم في العراق كان سببا في انهيار الثورة العراقية.. كلما أرى تلك الرايات السوداء واللحى الكثة.. أصاب بالفزع وأشفق على مصير هذه الثورة المباركة أيضاً .
رابعا : مواقف (القيصر الجديد) في روسيا المنافق بوتين الذي يوفر للنظام الغطاء السياسي في المنابر الدولية .
هذا ما كان من قصة سوريا مع الشيعة والمتشعيين فلننتقل إلى أختها الصغرى لبنان .. ولا طائل من عناء القدح وإهراق المداد لتوصيف التخريب الشيعي للبنان المدعوم إيرانيا لأن ذلك جلي ومعلوم لدى للقاصي والداني ..وقد ابتلعت إيران لبنان من زمن وأغرقتها في وحل الطائفية منذ نصف قرن أو يزيد .. وبتنا لا نسمع غير صوت سعد الحريري الذي لا يتجاوز صداه بيروت ..فكل المشاكل اللبنانية المتشعبة مصدرها إيران ، وهي أخذت تصدر إليها حتى من قبل ثورتها ، منذ ذلك اليوم الأسود الذي هبط على الأديم اللبناني رجل الدين الإيراني الغامض – غموض اختفائه - ( موسى الصدر ) وشروعه في إنشاء المليشيات تحت دعوى إنصاف (المحرومين )من الشيعة . فقد استمر الشيعة منذ ذلك الحين في بناء دولة داخل دولة حتى اكتمل شكل الدولة بقيام (حزب الله)- الذي أنشأ حتى كوابل اتصالات خاصة به بدعوى حماية ( المقاومة ) فرية المقاومة تتناص مع كذبة (المحرومين ) - ..الشيعة في لبنان يتفقون - العلماني منهم والمتدين – بأن وجودهم مرهون بتدثر بالعباءة الإيرانية ، إلا من بعض المراجع من عقلاء الشيعة مثل المرحوم محمد حسين فضل لله ومحمد حسن الأمين و هاني فحص وغيرهم من الذين يعون تماما - وظلوا يحذرون - من أن الاتجاه الذي يقود إليه كل من حسن نصر الله ونبيه بري أي الارتهان الكامل للإرادة الإيرانية والإتكاءة إلى ما يصدر من ولاية الفقيه والاكتفاء بابتلاع شعارات ملالي قم لن يقود شيعة لبنان إلا إلى المهالك .. إن تطور الأحداث الحالية يؤكد بأنه لا الجيش اللجب ولا الترسانة الضخمة من السلاح التي يكنزها (حزب الله ) يفيد الشيعة في المدى المتوسط والبعيد .. خاصة بعد تراجع الهيمنة السورية على لبنان التي كانت تعينهم لضرب مفاصل خصومهم.. لأنه من المعروف أن التضامن ما بين المخابرات السورية والإيرانية هو وراء تغيب شخصيات بارزة من أهل السنة في لبنان في جميع المجالات ..في الدين (الشيخ حسن خالد مثالا ) وفي الفكر ( الدكتور صبحي الصالح مثالا ) وفي السياسة ( رشيد كرامي ورفيق الحريري مثالان )باتخاذ حزب الله أداة لتنفيذ تلك الجرائم .. وعلى الرغم من أنه حتى الأطفال باتوا يعرفون بأن جريمة اغتيال المرحوم الحريري مثلا قد تمت بتخطيط مشترك بين المخابرات السورية والإيرانية وتنفيذ حزب الله ، يستمر السيد حسن نصر الله في نفاقه ويردد في أحديثه عبارة ( الشهيد رفيق الحريري ) !!.
قرر حزب الله القتال بجانب الحكومة السورية رسميا وعلنيا ( حديث حسن نصر الله الأخير ) ولكن المحير ما هو الرهان ؟ هل هو ما قاله مستشار مرشد(الجمهورية الإسلامية )علي أكبر ولاياتي قبل أيام بأن إيران لن تدع الأسد أن يسقط ..ولولاها قد سقط من زمان .. وإن إيران ( لم تكشف كل أوراقها بعد ) ؟!
(إلى الحلقة القادمة حول اليمن وفلسطين )


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.