مجوك نكديمو أرو/ ملف جوبا فى الرف لم تعد خافيا على أحد أن حكومة الإنقاذ الوطنى فى الخرطوم لا تعش لحظاتها الأخيرة فحسب بل تتعامل مع أزمة فى غاية الخطورة وهو ملف مياه النيل...وبصورة أدق، أزمة سد النهضة التى تشيدها أثيوبيا فى ظل مخاوف مصرية أن السد ستؤثر على حصتها من مياه النيل. وتبحث الخرطوم ألان عن صيغة توفيقية مثلى بين القاهرةوأديس أبابا للخروج بأقل خسائر ممكنة وتأمين مصالحها المائية. والحق يقال إن الخرطوم ورثت فى ملف المياه أخطاء تاريخية متراكمة خلفتها الحكومات المتعاقبة. ولقد بح صوت خبراء المياه الذين ظلوا يلحون على الحكومات المختلفة لتعامل بصورة جدية مع هذا الملف الحيوى. والسؤال الملح الذى يتبادر إلى الذهن هو: هل تملك الخرطوم ألان أوراق الضغط على القاهرةوأديس أبابا لحل الأزمة ودياً؟ يبدو أن ظهر الخرطوم مكشوف بسبب الإستقطاب السياسى الداخلى الحاد والأزمة الإقتصادية الخانقة. ويبدو أيضاً أن الأزمة صعبة جداَ لدرجة لا يمكن أن يتحمله الحزب الحاكم (المؤتمر الوطنى) وحده دون الإستعانة بالمعارضة وخبراء ملف المياه. إن الخرطوم ألان تعرف أين تكمن مصالحها ولكنها فى وضع صعب جداً..إنها ساعة الحقيقة لا تنفع معها المناورة أو كما قال الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش بٌعيد أحداث سبتمبر: "إما معنا أو ضدنا". وقد ظهر تخبط الخرطوم فى أعقاب الإعلان الإثيوبى بتحويل مجرى النيل الأزرق لملء الخزان بالمياه إيذاناً ببدء مشروع سد النهضة، وهو إجراء روتينى مؤقت فى مثل هذه الظروف. وفى القاهرة أعلن السفير السودانى كمال حسن على هناك مناهضته للسد وتضامنه مع القاهرة وبينما أعلنت الخارجية السودانية أن سد النهضة لن تؤثر على السودان بل أن السودان ستستفيد من بنائه فى مجال الطاقة. وأغضب هذا الموقف القاهرة غضباً شديداً. وكان يمكن فى مثل هذا الموقف التريث وإعلان أن الخرطوم تدرس الأمر بوجود لجنة ثلاثية مكونة من ثلاثة عواصم لدراسة تأثيرات السد. وفى ظل الضغوط المصرية الشديدة لمناهضة السد بحجة إنه ستؤثر تأثيراً بالغاً على مصالحها المائية الحيوية ورغبة إثيوبية ملحة لإنتاج الطاقة والتى ستكون له دوراً مؤثراً فى التنمية، تاهت الخرطوم التى تريد أن ترضى الجانبين مع الإلتفات لأول مرة لمصالح السودان المائية. ولكن القاهرة التى إعتادت على دعم الخرطوم لها فى ملف المياه لا تتوقع موقفاً آخر حتى الحياد. وتقف الخرطوم إلى جانب القاهرة فى رفض مبادرة عنتيبى التى تساندها إثيوبيا بشدة، وهى مبادرة تناهض إتفاقيتى مياه النيل فى عامى 1929 و 1959 وتدعو إلى إعادة تقسيم حصص المياه بين دول حوض النيل مجتمعة. أن الخرطوم لا ترغب فى إغضاب أديس أبابا حتى لا تدعم الأخيرة الجبهة الثورية النشطة هذه الأيام. فلقد دفعت ثمناً باهظاً عندما ساعدت الحركات المسلحة المناوية لأديس أبابا. وللأسف الوضع لا يتحمل مسك العصا من منتصف لان القاهرة لن تطاق هذا الموقف الجديد من الخرطوم!! وجنوباً آثر جوبا الصمت لان الأمر لا تعنيها بسبب أن النيل الأبيض أقل أهمية بالنسبة للقاهرة.. حيث تساهم النيل الأبيض ب 14% فقط فى مياه نهر النيل. وستقلل الخرطوم من المواجهات بالوكالة ضد جوبا فى تواتر الأنباء بتخليها التدريجى عن المليشيات الجنوبية المناهضة لجوبا لتركيز جهودها فى الملف المائى المعقد ولو عن طريق التهدئة مع جوبا. إن خرطوم الإنقاذ فى وضع لا يحسد عليها. إنها حقاً فى جحر الضب، حيث قلبها مع القاهرة كما أعتادت، ولكن عقلها لأول مرة مع أديس أبابا نظراً للفوائد المحتملة من السد وتجنب غضب أثيوبيا.