منذ أن أعلن عن إستقلال السودان الشكلي ظل الإنتهازيين والنفعيين والمتاجرين بقضايا الدين والوطن، أمثال الصادق المهدي والمرغني، والترابي ومن لف لفهم، وصار في دربهم يتحكمون بمصير البلاد والعباد، مستغلين ما توفروا عليه من علم وثقافة وخبرة في الخداع والنفاق، ليتفننوا في إبتكار الحيل وصنع الذرائع، التي يستطيعون أن يمتلكوا بها كل أسباب القوة والنفوذ في مجتمع كالمجتمع السوداني، ما زال في طور التشكل بحكم رسوخ المفاهيم القبلية والطائفية، وقد فاقمت الفوراق التنموية والحضرية، بين المركز والأقاليم، من حدة هذه الظاهرة في وسط مكونات المجتمع السوداني، وهذا الأمر بالطبع، غير المقبول، لم يأتي ذلك من فراغ، وإنما جاء نتيجة لنشوء الدولة السودانية على أساس غير سليم من الأساس.. لذلك أستغل أؤلئك الإنتهازيين هذا الواقع بتعقيداته وتجلياته المشوهه لبسط نفوذهم السياسي والإقتصادي، حتى لو أدى ذلك إلى تعاونهم مع الأجنبي للحصول على الدعم والمال، وإن أعوزتهم الظروف هذه الفرصة ، تراهم يتراكضون لأداء طقوس الطاعة لأنظمة فاشلة بل شريرة كنظام جعفر النميري، ونظام الإنقاذ الجاثم على صدور الشعب، دافعهم الأول والأخير هو السلطة والثروة، لذلك يصبحون صغاراً كالنمال والبراغيث والقراد، يعيشون على ظهور الشعب، لأن حافزهم كما قلنا، ليس خدمة الشعب، بل مص دمه بالتكويش والنصب والإحتيال والسرقة من جميع الطبقات والشرائح كل ما في لديها من خيرات وفرص حياة، وحاضر ومستقبل وتاريخ ومال ونسب ومجد وكبرياء وأفكار وآمال وأشواق وتطلعات وأرض وموهبة وذكاء وتفكير وكلام وأنين وشكوى، ليمكلوا هم كل ذلك، لأنهم يريدون أن يملكوا كل ذلك وأكثر..! ولعل تاريخهم شاهد على ما نقول، ففي أيام حكم جعفر نميري إستعانوا بالقذافي للحصول على الدعم المالي والعسكري، وحينما فشلوا في الوصول الى القصر الجمهوري، دخلوا في برنامج المصالحة الوطنية في وقت لم تجف فيه دماء شهدائهم بقيادة محمد سعد نور.. وهكذا تكرر الموقف في إبان مجيء نظام الإنقاذ، حيث سارعوا لخطب ود الحركة الشعبية التي ظلوا يقاتلوها خلال حكمهم في العهد الديمقراطي، وحينما خبيت الحركة الشعبية آمالهم، هرولوا الى الخرطوم خاطبين ود نظام صادر إرادة الشعب، وخرب البلاد وإعدم وشرد شرفائها، حتى إنتهى بهم المطاف حلفاءا بل ومدافعين أشداء عنه..! يشككون في كل صوت معارض للنظام، وتجلى ذلك، بعد إعلان الجبهة الثورية ميثاق الفجر الجديد، فقد وصفوا ذلك الإعلان بأوصاف ما أنزل الله بها من سلطان، وحينما خابت كل حيلهم لجأوا الى طرح مسميات مشابهة منها الفجر الإسلامي، والفجر الصادق، وغيرها من شعارات زائفة منافقة، الغرض منها هو تزييف وعي الجماهير وإلهاءها، حتى يظلوا هم المسيطرون على الأمورفي ظل النظام القائم وبعد رحيله، لكي تدوم لهم الظروف المؤاتية ليواصلوا هم سلب ونهب الأغلبية المهمشة، جميع ما تملك من قدرة وفرص وتطلعات مشروعة في الحياة، في وقت يصابون فيه هؤلاء الإنتهازيون بالعمى والصمم في عهد كله ظلم ومظالم وبؤس.. عهد غاب فيه الأمن والأمان.. عهد يسحق فيه الفقر والشقاء والهوان حياة الناس ليل نهار، عهد قضى على الحرية والكرامة والفضلية وقيم التسامح والأخلاق، عهد كله آلام ومظالم وإنتهاكات لحقوق الإنسان، لذلك عليكم يا من تعانون وتشعرون بالظلم، يا من تمثلون الأغلبية المهمشة عليكم أن تثوروا في وجه هذا النظام المجرم ومعاونيه من الإنتهازيين الأشرار.