هناك غياب لمبدأ تقصي الحقيقة وعرض اعتصام رابعة العدوية وغيره من الاعتصامات بصورة موضوعية . في هذه الازمة الحالية فشل الاعلام ، فهناك في المقابلات والطرح ما يشير الي أن الكثير من المذيعين لديهم تعليمات في التعبئة السياسية علي حساب البحث الصادق عن الحقيقة بما في ذلك تضخيم دور فئات فلسطينية وسورية خارج سياق الحدث ، ولهذا تتداخل كل الاطراف والقضايا والتواريخ في لحظات تاريخية كبيرة لان مصر تعيش ارهاصات دولة مدنية ديمقراطية ، والجيش المصري الان في أقوي لحظاته لكنه في الوقت نفسه في بداية تراجع تاريخي لمصلحة المدنية والمدنيين ، تماما كما كان التيار الاسلامي في أقوي تجلياته منذ شهور لكن ذلك وضعه علي محك مسار مختلف منذ 30 يونيو 2013. ما يقع الان في مصر هو تعبير عن ارهاصات دولة مدنية لا تريد أن تخضع لسلطة الجيش كما خضعت في السابق ، ولا تريد أن تخضع لسلطة الاستبداد كما كان في السابق ولا تريد تحويل الدين الي أداة قمع كما كان في السابق. لهذا ستزداد فكرة الدولة المدنية حضورا في مصر بحيث يكون جوهرها حكم المدنيين (وليس العسكريين) الديمقراطي واحترام الحقوق والحريات والسعي نحو العدالة الاجتماعية وضمان مكانة الدين وحريته في المجتمع. وعلي رغم كل التفاصيل المؤلمة والخسائر والشهداء ، يتغير المجتمع المصري كما لم يتغير في السابق، لقد قطع المصريون شوطا كبيرا جدا في عام ، لكنهم منذ ثورة 25 يناير يعيشون تحديات الانتقال العسير نحو دولة مدنية ديمقراطية. صحيح أنه عندما تم انتخاب محمد مرسي رئيسا لمصر في يونيو 2012 ، كانت تلك هي المرة الاولي التي يصل فيها اسلامي الي منصب تنفيذي عبر صناديق الاقتراع في العالم العربي ، وصحيح أن حكومة مرسي لم تنتهج مسار حركة طالبان الافغانية المتشددة ، أو ايات الله في ايران ، لكن مرسي و"الاخوان المسلمين" لم يضعوا مصر في الوقت ذاته علي الطريق الي نظام ديمقراطي شامل حقا. هل كانت الامور ستختلف لو ان الاصلاحيين داخل جماعة الاخوان المسلمين وضعوا أجندة الجماعة عقب سقوط نظام حسني مبارك الاستبدادي عام 2011؟؟؟ ، في حقيقة الامر تبني الاصلاحيون داخل الجماعة تفسيرات أكثر تقدمية للاسلام تؤكد أفكار التعدد والتسامح وحقوق الانسان وكانوا أكثر تقبلا لوجود الجماعات العلمانية كشركاء محتملين لا كمنافسين ، الا أنه جري تهميش الاصلاحيين بشكل كبير في صفوف الاخوان وترك البعض منهم ليحسموا أمرهم ، بينما طرد الاخرون. والان ، ما زالت تلك الاصوات الاخوانية بالكاد مسموعة أمام التخل العسكري ، وأي قدر من التظاهر لا يتوقع أن يعيده الي السلطة مرة أخري نظرا الي أن الجيش والاحزاب العلمانية والملايين من المواطنين المصريين العاديين يعارضونه بشدة. كان كبار قادة الاخوان يجيدون دائما تجنيد الاعضاء وحشدهم في الانتخابات وفي الشوارع ، لكنهم أقل براعة في التفاوض والتسوية ، وربما هذه المهارات تحديدا هي كل ما كان يلزم "الاخوان " للعب دور بناء في تشكيل مستقبل مصر.