مصطفى عبد العزيز البطل [email protected] عمرو أديب هو الاعلامي المصري الشهير الذي طرده الثوار من ميدان التحرير وقذفوه بالاحذية وعلب الكشري الفارغة عندما زار الميدان بعد نجاح انتفاضة يناير. كانت الموضة وقتذاك ان يذهب المشاهير الي ميدان التحرير فيعلنون مؤازرتهم للثورة وينال كل واحد منهم قسطاً من أضواء فلاشات الكاميرات. ولكن حالة عمرو أديب كانت مختلفة نوعاً ما، لأنه مثل شقيقه الاعلامي البدين عماد الدين أديب، كانا من كهنة المعبد المباركي ومن أنصاره المجاهرين. الاعلاميون والصحافيون المصريون اشتهروا تاريخياً بأن لديهم قدرات خارقة على التحول بين الأنظمة وتغيير جلودهم في أزمان قياسية. عمر أديب ليس استثناءً. كل ما في الأمر أن محاولته دخول ميدان التحرير وأرتداء قبعة وقميص وسروال الثورة بتلك السرعة جعلته يبدو كبلهوان في سيرك استعراضي، أكثر من ثائر حقيقي. ولم يقع ذلك موقعاً طيباً من شبيبة الثورة. كثير من لوامع نجوم الفضائيات مثل لميس الحديدي، زوجة عمرو أديب، وخيري رمضان ووائل الابراشي وتامر أمين وتوفيق عكاشة )الذي نشرت له صور وهو يقبل يد وزير الاعلام الاسطوري صفوت الشريف(، وعمرو أديب نفسه بطبيعة الحال، عانوا أشد المعاناة واستعصت عليهم عملية التحول وتغيير الجلد لأسباب كثيرة ومعقدة. من بينها درجة وعي شباب الثورة وصعوبة الالتفاف حولهم، ومن بينها أيضاً ثورة التكنولوجيا ومنتجات تقنياتها المصورة والمذاعة، بحيث استعصى على نجوم الاعلام المباركي العثور على أى مكان يصلح للاختباء ريثما يتم استبدال الملابس وتغيير ملامح الوجه ونبرات الكلام. وقديماً قيل كل زمان له آية، وأية هذا الزمان الانترنت واليوتيوب وكاميرات الموبايل التي ترصد وتوثق وتفضح كل شئ، بحيث يصبح الهرب من التاريخ مهمة عويصة. ولكن الاعلامي الحق عليه أن يؤمن بأن فرج الله قريب. وقد جاء الفرج الى هؤلاء على جناح السرعة. وهكذا ركب نجوم الفضائيات موجة العداء للاخوان المسلمين، مثلما ركب علاء الدين بساط الريح، واهتبلوا الفرصة لغسل وجوههم واعادة انتاج انفسهم، بحيث زالت عنهم غمامة الفلولية التي كدرت حياتهم على مدى عامين كاملين. فإذا فاتهم قطار الثورة على مبارك في يناير، فها هم قد لحقوا اتوبيس الثورة على مرسي في يونيو. ولا فرق بين مبارك ومرسي الا بالتقوى. يذكرني أمثال عمرو أديب وزوجته لميس الحديدي واصحابهم، بكادرات الاتحاد الاشتراكي وجهاز أمن الدولة وبعض الصحافيين عقب انهيار نظام جعفر النميري في ابريل 1985. عاش هؤلاء بعد الانتفاضة أياماً أسود من الخرّوب، حتى جاءهم الفرج الاكبر عندما جرى الاعلان عن تشكيل حزب الجبهة الاسلامية القومية. التحق أغلب هؤلاء بحزب الجبهة وذابوا في بطنها الكبير. افتعلوا الغيرة على الاسلام وبيضته، وأدعوا حب الشريعة والدفاع عن حوبتها، وجعلوا من الدعوة الى تطبيقها، على حين غرة، قضيتهم الاولى. هذا مع ان كثير من هؤلاء لم يكن يعرف عدد ركعات صلاة المغرب. الغرض واضح وهو: الانتماء الى كيان، أى كيان، واستعادة الكرامة والكبرياء، وتغذية الشعور الخاص والعام بأن لهؤلاء قضية ومبدأ وموضوع! وعلى ذات المنوال والنمط سار الفلول من نجوم الفضائيات المصرية. هرعوا الى مولد الهجوم على الاخوان المسلمين وتصدروه، وكأن لهم ثأرا بائتاً مع حسن البنا. أشعلوا النيران ورفعوا الدخان، وشطحوا ونطحوا. وبلغت بهم الحماسة المفتعلة والهوس المصطنع مبالغ جعلتني وانا اتابع عروضهم الصاخبة عاجزاً عن التفرقة بينها وبين البرامج الكوميدية. ولا ضير، فقد عاد أبطال الفضائيات من فلول الأمس الى مواقعهم آمنين، نجوماً في المجتمع وقادةً للرأى العام، وهم لا يكادون يصدقون. يسترجعون حالهم البئيس أيام القنوط والمذلة التي صحبتهم اثر سقوط النظام المباركي، ثم يتفحصون المآلات بعد أن جاءهم الخلاص على يد موجات التمرد الرافضة لحكم الاخوان المسلمين. دخلوا عصر السيسي ظافرين فوق أحصنة الفضائيات، وقد هدأ منهم البال واطمأنت الأفئدة، يقولون في خويصات قلوبهم: "ربك كريم، يقطع من هنا ويوصل من هنا"! هل رأيت، أعزك الله، عمرو أديب وهو يقفز من على كرسيه، يحمل العلم المصري، يلوح به ويلفه حول رقبته وكتفيه وهو يصرخ: " يا أحرار مصر .. يا ثوار مصر .. وصل عدد المتظاهرين الى أربعين مليون مصري"! ثم يقرأ محبوراً جزلاناً من شاشة اللابتوب الاخبار التي نشرتها متزامنة وبصيغة موحدة عدد من الصحف المصرية، على نحو يعطي الانطباع بأن مصدره وكالات الانباء العالمية. نص الخبر يقول: (أعلن موقع قوقل العالمي أنه وفي تمام الساعة العاشرة والنصف تماماً بتوقيت القاهرة، ومن واقع الصور الملتقطة لمصر يوم الجمعة 26 يوليو وصلت أعداد المصريين بالميادين خلال مظاهرات تفويض الجيش لدحر الارهاب 40 مليون مصري)! الخبر في كل مكان في مصر. البركة في عمرو أديب ونجوم الفضائيات الذين أخذوا يرددونه كالببغاء على مدار ساعات. ولكن هناك خبر آخر، من نوع المضحكات المبكيات أذاعته شبكة سي ان ان الامريكية، وبي بي سي الانجليزية والعربية، ونقلته عدد من وكالات الأنباء العالمية. بيد أن عمرو أديب لم يحفل به، كما لم يحفل به أى من نجوم الفضائيات الاخرين، أثناء طيرانهم فوق بساط الريح. وأغلب الظن ان صحيفة واحدة لم تنشره. عنوان الخبر يقول: (قوقل تنفي أنها أحصت عدد المتظاهرين في مصر). أما المتن فقد جاء فيه: (نفت شركة قوقل العالمية الاحد أن تكون قد أحصت أعداد المتظاهرين في مصر. جاء الرد على لسان المتحدثة الرسمية للشركة بمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، التي قالت في بيانها ان برنامج قوقل ايرث لا يتيح إمكانية قياس أعداد المتظاهرين في اى مكان في العالم. جاء الردّ تفنيداً لتقارير تناقلتها وسائل اعلام مصرية أشارت الى ان قوقل توصلت الى أن عدد المتظاهرين المعارضين لمرسي بلغ 40 مليوناً في محيط ميدان التحرير). انتهي الخبر! الى أين تمضي مسيرة المحروسة تحت رايات الهوس السياسي والاعلامي الراهن؟ الله أعلم. لكن الذي نحن على يقين منه هو أن الكذب حبله قصير، وكذلك الأجندة الضيقة والحسابات والمصالح والرغائب الذاتية!