العقيد الصوارمي خالد سعد رجل كثير التصريحات لأجهزة الإعلام وهذا ليس فى صالحه، بالنظر لما حدث لحسب الله من قبله. لغرض الإنصاف، لا بد من القول بأن كثرة تصريحات الرجل لا تعود لصفة شخصية فيه، بل هى تنفيذ لسياسة مرسومة، وهى سياسة بالقطع خاطئة . فالتصريحات الصادرة من أجهزة الدولة الفنية للصحافة، فيما يتعلق بالسياسات العامة، هى أمر غير معهود، ولا محمود، خاصة بالنسبة للقوات المسلحة. لقد ذكرنا مراراً وتكراراً، أهمية عدم الخلط بين ما تقوم به أجهزة الدولة الدائمة، وبين ما تقوم به أجهزة الحكومة المتغيرة، أو بلغة أخرى الفرق بين ما يقوم به التكنوقراط، وهم موظفون عموميون تم إختيارهم لمناصبهم بسبب مهاراتهم الفنية، وبين السياسيين المعينين بواسطة الحكومة القائمةGovernment of the day بغرض تنفيذ سياسة معينة، أو شرحها . موظفو الدولة من الفنيين فى الأنظمة الديمقراطية، لا يصنعون السياسات ولا يشرحونها، على الأقل ليس بشكل مباشر، وإنما تقتصر مهمتهم على دراسة المشكلة، وإقتراح الحلول للسياسيين، وليس للرأى العام، ليقرر السياسيون السياسات بناء على المعلومات التى يوفرها الفنيون، وفقاً للفلسفات السياسية التى يتبنوها، والتى تم إنتخابهم على أساس من برامج تمت صياغتها، وفقا لتلك الفلسفات. ولنأخذ مثلاً قرار حول ضريبة على سلعة معينة، يقوم الفنيون بتوفير المعلومات التى توضح نتائج ذلك على زيادة موارد الدولة، وما تؤدى له من تأثير على القوة الشرائية للشرائح المختلفة، والأثر الإجتماعي، والإقتصادي، لكل ذلك، ويقوم السياسيون بإتخاذ القرار وفقا للسياسة العامة التى يتبنونها . متى تم إتخاذ تلك السياسة فإن السياسيين أيضا هم الذين يقومون بشرح السياسة للرأى العام. والسياسيون هنا قد يكونوا أعضاء الحكومة، أو ضباط الإعلام الذين يعينوهم، لإعتبارات سياسية، وهى وظائف غير دائمة، يرحل شاغلوها بالضرورة عند رحيل من عينهم، ولذلك فإن الناطق الرسمي، هو ضابط إعلامي يوضح سياسة الوزير المختص، وهى وظيفة سياسية . العقيد الصوارمي هو ضابط يتولى وظيفة فى أحد أهم أجهزة الدولة الثابتة، وهو الجيش، وقد تم إختياره بسبب كفاءته الفنية، فى أعمال القتال، تدريباً، وتخطيطاً، وتنفيذاً، ولا شأن لعقديته السياسية بوظيفته تلك. والجيش فى زمن السلم ليس له ما يذكره للرأى العام، وما يقوم به من عمليات عسكرية محدودة، فى مناطق النزاع العسكري الداخلي، وهى حالة نشهدها فى دارفور فقط، يكون القرار فيها للسياسيين وليس للقوات المسلحة . فإذا رأت الجهات الفنية العسكرية ضرورة الإستيلاء على بلدة معينة، أو إبعاد قوى مسلحة من منطقة معينة، فإنها لا تفعل ذلك مباشرة بل ترفع الأمر للقيادة السياسية، التى تقرر فى المسألة، وحينئذ تستقل القوات المسلحة بوضع الخطط العسكرية وتنفيذها بعيداً عن تدخل السياسيين . الذى يقوم بالدفاع عن السياسة وشرحها يجب أن يكون من الطاقم السياسي للحكومة، وليس الطاقم العسكري، وبالتالي فإنه يستحسن أن يدلى بالتصريحات حول ذلك مسئول إعلامي لوزارة الدفاع، وليس ضابط بالقوات المسلحة . فى تصريحه لصحيفة الصحافة عدد الأحد 15 مايو، تذكر الصحيفة على لسان العقيد الصوارمى " أكدت القوات المسلحة، أن جنوب كردفان ولاية شمالية، وتقع فى قلب الشمال، وأن أية محاولة لإدارة شئونها من قبل الحركة الشعبية، أو لمجرد الوصاية عليها مرفوضة " ياللهول! عن أى حركة شعبية يتحدث العقيد؟ أليست هى نفس الحركة الشعبية التى تنافس فى الإنتخابات الجارية فى الولاية التى يتحدث عنها العقيد؟ فإذا كان العقيد الصوارمي لا يسمح للحركة الشعبية بأن تقوم بأية محاولة لإدارة شئون الولاية، فمن سمح للحركة الشعبية بخوض الإنتخابات ؟ ألا يعنى خوض الحركة الشعبية للإنتخابات فى الولاية، أنها تحاول على رؤوس الاشهاد وبمساعدة الهيئات الدستورية المختلفة أن تدير شئون الولاية؟ بل وأن تحكمها (عديل كدة) ؟ إذا كان الثابت هو أن ذلك كذلك، فماذا سيفعل العقيد الصوارمي لمنع ذلك ؟ وهل القرار فى هذه المسألة فى يد العقيد الصوارمي ؟ يعود العقيد الصوارمي فيذكر " لا تفريط أبدا في أمن الولاية ، ولا يحق لأي وجود عسكري غير القوات المسلحة، وبقية القوات النظامية الأخرى التابعة لحكومة السودان، فى التواجد في هذه المنطقة " عن أى قوات يتحدث العقيد الصوارمي ؟ هل يتحدث عن الجيش الشعبي لتحرير السودان ؟ إذا كان قصد ذلك فإنه يكون قد تجاوز كل الخطوط، الحمراء منها والخضراء. ألا يعلم العقيد الصوارمي أن الجيش الشعبي لتحرير السودان هو جزء من القوات المسلحة السودانية وفق المادة 144 (1) من الدستور وتنص على : ( تظل القوات المسلحة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان منفصلة وتكون قوات مسلحة نظامية وإحترافية وغير حزبية وتعامل معاملة متساوية بإعتبارها القوات المسلحة القومية السودانية ) . ولكن بفرض أنه بسبب نتيجة الإستفتاء، فإن الجيش الشعبي بعد حل القوات المدمجة، يمكن إعتباره جيشا أجنبيا ( وهى فرضية تحتمل كثيراً من الجدل من حيث التوقيت)، فهل العصف به كما يهدد التصريح هى مسألة يقررها العقيد الصوارمي ؟ لا شك أن قرار الإشتباك بقوات أجنبية، سواء أكانت نتيجة ذلك الإشتباك هو العصف بتلك القوات، أم لم تكن، هى مسألة تقررها القيادة السياسية المنتخبة للبلد فى أعلى مستوياتها، وليس للعقيد الصوارمي أن يخوض فيها . إن ما يخوض فيه العقيد الصوارمي، وهو رجل حرب، ليس من إختصاصات رجال الحرب، بل هو من أخص إختصاصات رجال السياسة، فلماذا لا يترك العقيد ذلك لأهله ويتفرغ هو لما يجيده. نبيل أديب عبدالله المحامى