عاجل.. وفاة نجم السوشيال ميديا السوداني الشهير جوان الخطيب على نحو مفاجئ    عاجل.. وفاة نجم السوشيال ميديا السوداني الشهير جوان الخطيب على نحو مفاجئ    ((نعم للدوري الممتاز)    رئيس مجلس السيادة يتلقى اتصالاً هاتفياً من أمير دولة قطر    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    بنك الخرطوم يعدد مزايا التحديث الاخير    شاهد بالفيديو.. حسناء الإعلام السوداني إسراء سليمان تبهر المتابعين بإطلالة جديدة بعد عام من الغياب والجمهور يتغزل: (ملكة جمال الإعلام وقطعة سكر)    الكشف عن سلامةكافة بيانات ومعلومات صندوق الإسكان    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تظهر في لقطات رومانسية مع زوجها "الخواجة" وتصف زواجها منه بالصدفة الجميلة: (أجمل صدفة وأروع منها تاني ما أظن القى)    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تظهر في لقطات رومانسية مع زوجها "الخواجة" وتصف زواجها منه بالصدفة الجميلة: (أجمل صدفة وأروع منها تاني ما أظن القى)    مفاوضات الجنرالين كباشي – الحلو!    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    محمد وداعة يكتب:    عالم «حافة الهاوية»    مستشفي الشرطة بدنقلا تحتفل باليوم العالمي للتمريض ونظافة الأيدي    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    عقار يلتقي وفد مبادرة أبناء البجا بالخدمة المدنية    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    كوكو يوقع رسمياً للمريخ    برقو لماذا لايعود مديراً للمنتخبات؟؟    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    باريس يسقط بثلاثية في ليلة وداع مبابي وحفل التتويج    جماهير الريال تحتفل باللقب ال 36    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    نتنياهو مستمر فى رفح .. إلا إذا...!    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت    ترامب شبه المهاجرين بثعبان    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فأس من الطين بقلم

مرة أخري بدأ صقور الجبهة الاسلامية أو المؤتمر الوطني أو سمهم ما شئت هجوماً عنيفاً علي الحركة الشعبية علي النحو الذي ظلوا يفعلونه في اجهزتهم الاعلامية وصحفهم بشأن أبيي بعد الهزائم التي حدثت لميليشياتهم في كافة انحاء الجنوب ، والهدف الحقيقي يكمن في الاصرار علي إقناع العالم أن الجنوبيين ليست لديهم القدرة علي حكم انفسهم ، ويريدون بذلك القول ان اهالي دينكا نقوك بصفة خاصة ليسوا بالقادرين علي ممارسة حق إختيار غايتهم الا تحت شروط المؤتمر الوطني ، وانه لا بد من ان تتم السيطرة عليهم أو إبعادهم ، وان المؤتمر الوطني هو الجهة الوحيدة المؤهلة لفعل ذلك بفضل غطرسته واسالبيه اللاانسانيةوسلوكياته غير المشذبة ، وتصرفاتهم الاجتماعية الفظة بفضل عادة ممارسة الكذب لديهم ، وخططهم الاجرامية ذات الطابع الشيطاني ، ولا أرغب في رميهم بتلك الصفات دونما سبب ، فقد خبرنا نحن كشعب ما جادت به قريحتهم من خطط وأفعال والكيفية التي قاموا من خلال تطبيقها.
والحقيقة هي انهم قاموا بفعل كل الذي ارادوا فعله بنا في السنوات الثلاث والعشرين المنصرمة ولكنهم فشلوا! فقد فشلوا اولاً في دحرنا في ارض المعركة بفضل قوة الجيش الشعبي لتحرير السودان عندما خلفوا وراءهم الالاف من القتلي في الاحراش باحجبتهم ومفاتيح الجنان المعلقة علي اعناقهم حين رفعوا شعارات الجهاد ، وفشلوا ثانياً في جرنا الي الوقوف الي جانبهم ضد الشعب ، فقد اردوا لنا ان نقف الي جانبهم عند التوقيع علي اتفاقية السلام الشامل ، وفشلوا أيضاً في إغرائنا بالمال والمناصب علي النحو الذي كسبوا به قبريال تانجينيا وجروجأطور وعبد الباقي ايي ، لقد حاولوا قصارى جهدهم لاخضاعنا بإستخدام الغش في قطاع النفط، لكنهم فشلوا ، ورغبوا في ادخالنا في عالم الفساد ليقوموا بألتهام الجنوب وقياداته ، وكذلك فشلوا في شراء ذمم من ارادوا لهم الوقوف معهم في مجالهم الشيطاني هذا ! فهكذا فشلوا في السنوات الاخيرة هذه في قتلنا وفشلوا في تهديدنا وفشلوا في اخضاعنا وجرنا اليهم وبيع ذممنا وخداعنا ومراوغتنا، لقد ثبتنا في طريقنا نحو الحرية.
ففي 21 من مايو 2011 قام الجيش السوداني والجنجويد والمراحيل والمجاهدين بالاقدام علي أسوأ الافعال باحتلال منطقة أبيي باسناد من القوات الجوية! في اهمال تام للمسؤول الاداري للمنطقة الكوميرد دينج اروب كوال وجزء من وزرائه ، الذين عينهم البشير بقرار جمهوري ، فقد قام البشير بفصل الجهاز الاداري لمنطقة أبيي ثم اعاد تعينهم في خلال اربع وعشرين ساعة علي الرغم من انه قام بطردهم من المنطقة من الناحية الفعلية ، والبشير لا بد ان يكون شعر بالسعادة لتمكنه من انزال العقاب على اهل أبيي ، فهو يعتقد لغبائه انه يحمل في يديه اسباب الموت والحياة وانه يمكن من يلقن اهل أبيي درساً لن ينسوه ، هذه عنجهية اصولي بكل تأكيد ، فهذه هي المرة الاولي في التاريخ التي تقوم فيها حكومة بتجاوز الموظفين التي قامت هي بتعينهم ، يعكس هذا بوضوح موقف رجل فاقد لصوابه.
ليس هناك ما يشير الي ان لديهم نيات لمناشدة اهالي أبيي بالعودة الي ديارهم لانهم ليس مرغوب فيهم في نهاية الامر، واذا تمت دعوتهم بالعودة فذلك سيكون تصرف تكتيكي بخس الثمن يهدف الي خداع المجتمع الدولي الذي يتعرض كثيراً لخداع البشير وزمرته من المهووسين ، فليبقى أهل أبيي دون انزعاج او فزع او وجل ، فقد اقدم هؤلاء علي احتلال ليس بلدة أبيي لوحدها بل المنطقة شمال نهر كيير ككل ، وقد قاموا باحتلالها ولكن هل بوسعهم البقاء في أبيي! ما يحتاج اليه الناس في الوقت الراهن هو تدخل انساني كافي لمساعدتهم خاصة ان موسم الامطار والزراعة علي الابواب ، فعندما قام الاهالي بالفرار والتبعثر قامت القوات المحتلة بتعقبهم حيث قامت بالاستيلاء علي الجسر جنوب منطقة أبيي ، ثم اتجهت هذه القوات شرقاً لتقوم باحراق القري ونهبها حيث قاموا بحرق ونهب قري ( توداج ، تاجليلي ، نووك ، ميكير ،ميجاك ، اولنوم ، واكيني نيال ، وماريال أجاج ، لوو وأبيي ، متقدمة نحو مابوك ورمامير ، يبدوا انهم قد قرروا احتلال كافة المناطق شمال نهر كيير!
هذه هي المرة الاولي التي يقدم فيها المؤتمر علي احتلال أبيي عن طريق القوة ، فعند دخولهم البلدة قاموا بقصف المدنيين لتوفير الغطاء للجنجويد بالتقدم من ناحية الغرب ، وبهذا تكون قد انفحت صفحة جديدة للحرب وذلك باستيراد الجنجويد من دارفور. قالها كوميريد سلفا للبشير بكلمات لا مواربة فيها " اليوم يمكنك أخذ أبيي بالقوة ، غدا سيستردها منك الضعفاء بالقوة" ، ولكن البشير يملك ذاكرة بلهاء كان عليه ان يأخذ هذه النصيحة المجانية من الرفيق سلفا كير مأخذ الجد ، فالرجل شاء ان يخدم تحته بكل التواضع المطلوب ، ولكن البشير فضل ان لا يأخذ بتلك النصيحة .
ما أريد قوله هنا ان البشير سيأسف علي ذلك في يوم ليس ببعيد ، ما نريد ان نصل الي تحقيقه الأن هو الإستقلال في جنوب السودان ، الأستقلال حتي لو أحتل أبيي والجزء الشمالي من ولاية الوحدة ، فالوسيلة التي تحل بها الامور بين الدولتين ليس كتلك التي تحل بها الامور في إطار الدولة الواحدة ، ما نصبوا اليه هو تحقيق حريتنا ، ومن سوء الطالع ان يكون هناك من يعتقد ان الجيش الشعبي ضعيف ، يبدو انهم قد نسوا التاريخ القريب ، وهدفنا الان الرئيسي هو السعي الي السلام وسننال ذلك قريبا ، فعلي جماهيرنا الكف الحديث عن الحرب وعويل الحرب ، بينما نحن نخوض غمار الحرب ، فما يجب ان نتحدث عنه هو السلام فالسلام هو هدفنا النهائي.
يجب علينا ان لا نملأ الفضاء بالحديث بلغة الحرب ، بل يجب علي الناس ان يدركوا ان الحرب لم تسدل استارها في ذلك الركن، لأننا بدءاَ قد اقدمنا علي حرب من أجل السلم ، دع البشير يقرع طبول الحرب ويجول حول العالم معلنا انه قد الحق الهزيمة بالحركة والجيش والشعبي! ولكن في نهاية الامر سيتيقن أن طبول الحرب سوف لن يكتب لها النجاح ، دعه يسأل رفقائه في ذلك الدرب، دعه يسأل هتلر أو صدام حسين فقد قضوا نحبهم بذات الصوارم التي شهروها ، فجماهيرنا كانت في ما مضى تتحدث عن ما قد لا يكون لهم به إلمام كافي ، لكن الوضع لم يعد علي ما كان عليه سابقا ، فلندع الخبز للخباز فسيقوم الخبازون بصناعته بكفاءة وعلي نحو رائع ، وهناك الكثيرون ممن يسوقون بضاعتهم لكنهم في نهاية الامر يفشلون.
طوال سنوات المقاومة لم يتسن لشعبنا التوحد بالقدر الذي عليه هو الأن ، ولم يتسن لهم الحلم بجنوب حر ، فبعض من شعبنا لا يزال يتحدث بلغات هي من لغات الدول التي قدموا منها، وهم ما زالوا يتعرفون علي بعضهم البعض حتي اللحظة ، وما زالوا يأكلون ويلبسون باشكال مختلفة ، فكان من الطبيعي ان يفكروا باشكال مختلفة ولكن ذلك الاختلاف انتفى تماما في مناسبة واحدة هي عند قيامهم بالادلاء باصواتهم في الاستفتاء ، فقد تحدث الجميع بلغة واحدة لايمانهم جميعا بالحقيقة ، فتلك هي اللغة التي نحتاجها في مثل تلك المناسبات. فعلي الجميع العمل علي بناء الوعي الراقي الذي يتجاوز حدود المشاعر الفردية للفصل بين ما هو قومي وما هو عرضي وتافه ، فالذين قاموا باحتلال أبيي لا يدركون التقدير الذي يكنه الجنوبيون لأبيي ، فأبيي هي واحدة من عدة مناطق جنوبية لم يتم رسم الحدود فيها وهنا تكمن المشكلة ، فاذا نجحوا في احتلال أبيي بالقوة فما الذي يمنعهم من الاستيلاء علي بقية المناطق الاخري؟
هناك حوجة الي الشعور الوطني الأن أكثر من اي وقت مضي طلما أردنا بناء أمة لها شأن ، وانني لعلى يقين ان الذي حدث ان كان قد لحق ببلدة ييي سوف لن اتأخر في الدفاع عن ييي وهي منطقة الكاكوا لان اهالي المنطقة لديهم اعتبار خاص للمنطقة والبقاء فيها ، فالجنوبيون ربما لم تتمالكهم ذات الاحساسيس تجاه حلايب كتلك التي تتمالك أهل شرق السودان وليس الحال بمختلف عند اهل شرق الاستوائية تجاه أهل راجا ، وهذه مسألة إعتيادية سواء كان ذلك في مرحلة تأجيج المشاعر الوطنية او عند تراجعها ، ففي السودان القديم كان الوضع يحتم عليك عند سماع وقوع مأساة في ناجيرو وكنت انت موجوداً في ملكال او جوبا فتبدأ بالنظر حول محيطك وعند ادراكك ان شيئا لم يحدث حيث تتواجد فتستكين لعدم وقوع شيئ حولك ، وبذلك تكون هذه مأساة اهل ناجيرو هي مأساتهم لوحدهم ، فعلينا تشجيع جماهيرنا لخلق وحدة الشعور بينهم ، الانعزال في واقع الامر يعتبر في غاية الخطورة ويمكن له ان يسود حتي بين الشخص واقربائه.
الأن يتبقى امام البشير طريقان ، الطريق الاول يغريه بالتقدم جنوبا بعد ان يقوم بدراسة طبيعة الارض ، والثاني هو ان يتخندق في منطقة ابيي وهي المنطقة التي يدعون تبعيتها لهم ومن ثم اما الانتظار حتي يتمكنوا من الاستيلاء عليها بكليتها او انتظار الجزء الذي قام بالتحكيم فيه الرئيس امبيكي وغريشن عقب قرار محكمة لاهاي الدولية ، القرار الذي فتح شهيتهم للمزيد ، ولانهم يعتقدون ان الجنوبيين ضعفاء وليس لديهم الاستعداد للحرب بشأن ابيي علي حساب الجنوب ككل وذلك ما تخبرهم به ميليشياتهم وجواسيسهم! فمن الواضح انهم يريدون تهديد الجنوبيين بفصل اطرافهم بفأس غليظة من الطين عند الغسق حين تبهت الالوان ، كما يجري المثل. وسيقومون حتما بمحاولة البقاء في ابيي لإستغلال نفطها وتوطين الجنجويد بها بعد ان استقدموهم من دارفور وغرب افريقيا للاستقرار بمنطقة ابيي ، مرحبا بكم ايها الجنجويد فها انتم قدمتم من الصحراء التي يقال ان الناس يأكلون النار!
خدعة اخيرة رخيصة يقومون باستخدامها الأن وهي قولهم للجنوبيين "انه بسبب ابيي سيقوم الشمال بسحب كلما هو يحتاجه الجنوب بشكل ضروري لتكوين دولته " ، ففي حقيقة الامر ان المؤتمر الوطني لم يقم مطلقا بمنح السلام الي الجنوب طوعاً ، فقد خافوا من تواترات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 في وجه تصاعد ازمة دارفور، ومن المؤسف ان بعض الجنوبيين ظلوا يصدقون الاداعاءات التي يطلقها المؤتمر الوطني حتي داخل اروقة المجلس التشريعي ، فمثل هذا التفكير تجدني آسفا ان اقول انه هو ليس الا التفكير بعقلية العبد المحدودة والتي تدفع العبد الي الاعتقاد ان الخير لا يمكن ان يحدث الا برضاء وموافقة السيد حتي وان كان ذلك السيد غبيا ابلهاً مثل هؤلاء التعساء لا يصدقون ان بوسعهم نيل الحرية ، فهم نوع من البشر لا يؤمنون بان جرح الاصبع لا يتداعى له باقي الجسد، فجسد مثل هذا لا بد ان يكون قد حقن بمادة مخدرة لبقية الجسد ان يفقد الاحساس.

لدينا خبرة متواضعة في لعبة "الربح والخسارة" هذه ، فكم بلدة تبادلنا بيننا وبينهم؟ فالبشير يعتقد ان ابيي ستبقى تحت سيطرته كما حدث لميوم والتي استولينا عليها منه دون اطلاق رصاصة واحدة في عام 2005 ، ونعلم ان البشير ووزير دفاعه المنغولي سيبذلون كل جهدهم في إطالة بقاءهم في ابيي، وسيقومون بدفع المسيرية والمراحيل والجنجويد بكل قوة لحفزهم علي الدفاع عن مواقعهم بابيي ، وبالطبع سيكون عدوهم الاول هم الدينكا نقوك الذين لا يردون تواجدهم في المنطقة ، وذلك ما سيؤدي الي اجلائهم من المنطقة كقوة اجنبية محتلة ، فهذا هو الوقت الذي يجب ان لا نزرف الدموع او ندير فيه ظهورنا عن الواجب ، فان عملية بناء الامة هي عملية معقدة وقاسية ، فرفقاءنا الذين سقطوا في ارض المعركة في السنوات الماضية والذين قدموا التضحية من اجلنا لم يقوموا بذلك غباءا بل بقصد لأجلنا ، انقضى الزمن الذي كان يقدم فيه الجنوبيين التضحيات كما تفعل الثيران في حلبات المصارعة باسبانيا من اجل الغير ، يجب علينا النهوض وتقفي خطواتهم ونيل الشرف.
هناك امر استراتيجي يتوجب علينا التركيز عليه ، وهو توفر النظرة الكلية للازمة ، فيجب علينا ان لا ننظر لأبيي ونكثر من الصراخ بان ابيي قد فقدت! علينا النظر بحرص الي الاحداث في اطار المرحلة ، احدي النقاط الرئيسة التي يجب ان نقف عندها هي مستقبل هجليج والمناطق الي الشمال منها ، فمن الواضح ان نصيبنا البالغ 50 % من انتاج البترول بالمنطقة سيفقد لانهم يعتقدون ان المنطقة قد منحت لهم كنتيجة لقرار هيئة التحكيم الدولية في لاهاي في يوليو العام 2009 ، هذه المنطقة تابعة لولاية الوحدة كجزء من محافظة (فاريانق ) ، الخطر ليس علي ابيي فقط بل علي الجنوب ككل طالما ظلت الحدود غير مرسمة ، فعلينا ان نتسم باليقظة ، هناك من يعتقد ان الحرب بين الدولتين لم تبدأ حتي بالكلام بعد ، الخرطوم تريد ان تشن علينا الحرب باي ثمن طالما ظلننا صامتين وسلبيين ، فقد سمعنا ما اخبرته الخرطوم للامم المتحدة بانها سوف لن تضمن سلامة الوفد حال ذهابه الي أبيي في الوقت الذي يحتلون هم فيه ابيي! يا لهم من كذابيين فهؤلاء هم نفس المجموعة التي كانت بالامس تحاربنا فما الجديد الذي يملكونه؟ فرئيسنا وقائد الحركة الشعبية يدرك تماما هذه الحقائق وهو يدرك تماما ما يريد فعله كقائد صاحب خبرة.
هناك من يعتقد بان الشمال يستطيع إكتساحنا في بضعة ايام! ولكن بماذا؟ فلماذا لم يقدموا علي ذلك حين كانوا متواجدين في عدة مدن في الجنوب؟ ليست هي الاسلحة التي تحارب لوحدها مهما كانت نوعيتها ، كلا ، الاسلحة تحتاج الي عزيمة وثبات من يستخدمها ، ولكنهم فقدوا 98.5 % من الجنوب ومهمشي السودان ممن تعودوا لجلب المجندين منهم لخوض الحرب نيابة عنهم ، فاليوم لم يعد الشمال هو الشمال الذي عهدناه ، الشمال اليوم منقوص من عدة مناطق ، والسلاح يحتاج الي حجج قوية لتبريره ولكنهم فقدوا الحجة بالمرة ، فقد رأينا كيف اعتمدوا علي الجنجويد لأن المسيرية كانوا منقسمين في أمر الهجوم علي أبيي ، والجيش لم يكن قد تمكن من الوصول عند وقوع الهجوم الرئيسي .
ففي الخرطوم اليوم قد بلغ الحنق بالناس من نظام المؤتمر الوطني مبلغاً عظيماً ، لم يعد الناس علي استعداد للموت من أجل هذا النظام علي النحو الذي فعلوه من قبل ، فالنظام هو نتاج لايدولوجية لا إنسانية وغريبة الاطوار ، الناس في الشمال يسعون كل علي سبيله للبحث عن اسرع الوسائل للتخلص من هذا النظام! الكثير منا يتوجسون من اي تغيير قد يحدث في الشمال باعتبار ان تغيير كذلك ربما يؤثر علي مكتسبات الجنوب ، ولكن باي السبل؟ يجب ان لا ننظر الي الشمال ونضعه في كتلة واحدة تتمثل في الشمال القديم الذي نعرفه ، الاغلبية في الشمال لا تساند النظام ، هذه حقيقة يجب ان نفهمها بوضوح ، هناك نقاط ضعف عديدة في الشمال اذا تم استغلالها بشكل سليم يمكن ان تقلب البساط وليس المناضد في وجه المؤتمر الوطني قبل نهاية السنة!
ويجب علينا ان ندرك ان لدينا قوة شديدة المراس تتمثل في الحركة الشعبية وهي منتشرة علي طول الشمال وعرضه ، اليوم بدأ المؤتمر الوطني في اصدار التهديدات بقتلهم ، وذلك لأنهم يخشونهم لانهم يشكلون البديل ذا الجدوي لهم ، وأعتقد ان تهديداتهم هذه هي البداية لفعل قد يرتكبونه ما لم يتحلى الناس بالحرص اللازم ، وهناك بعض العناصر قد تكون عرضة لهذا النظام الاجرامي الذي يقوم بالادعاء بانهم أرباب الاتفاقية حتي يتمكنوا من تخويف الناس بضرورة وجودهم واستمرارهم في الحكم ، هذا النظام قوامه اصلا الدهماء ممن يؤمنون بالحكم عن طريق البندقية والنهب متي ما تيسر لهم ذلك ، الجنوبيون المرتبطون بالمؤتمر الوطني يسهل التعرف عليهم بالطريقة التي يأكلون ويلبسون ويمشون ويتحدثون بها بغير لغاتهم ، أصوليو المؤتمر الوطني هؤلاء لهم قدرة علي تغيير الشخص من الداخل والخارج ثم لا يترددون بالقاء الضحية في قارعة الطريق حال اختلافهم معه او معها بسبب قرش او مهمة.
الشئ الوحيد الذي نصبو اليه هو السلام ، فحين فرغنا من وضع تلك الاتفاقية لم تكن هناك مثقال ذرة من شك في التزام الحركة والجيش الشعبي بتلك الاتفاقية ، وكان سلاماً في الجنوب وفي النيل الازرق وجنوب كردفان وأبيي وسلاماً في السودان ، اننا ملتزمون بالسلام روحا وجسدا ، ولكننا لم نضعه سلاماً من غير شروط ، السلام له محدداته والتي من خلالها وحولها يجب الحفاظ عليه ، السلام ليس للموافقة علي سوء التصرف او اذكاء الشكوك ، فيجب ان لا يتملك الناس الخوف من ضياع السلام وصعوبة تحقيقه مجددا! ففي نهاية الامر من الذي اتى الينا بالسلام؟ فنحن كنا اشد الناس حاجة الي السلام وقد قدمنا والمال والشهداء من اجله فالمؤتمر وحده الذي يعتقد ان هو الذي اتى الينا بالسلام ، وهم يكثرون من الصياح بان الذي اتى بالسلام عليه ان يقوم باخذه ، السلام ليس نكتة سخيفة فهو في عمق المشاعر المقدسة لمن يؤمن به حقيقة ، فهل في مقدور شخص ما قياس السلام! فذلك هو السلام الذي ننشده والذي ندعو الرب لنشره والحفاظ عليه لصغارنا علي اقل الفروض.
في ذات مرة قال الدكتور جون قرنق بان الجبهة القومية الاسلامية حزب يعاني من تشوهات عديدة لا يمكن معها اصلاحه ، ويبدو ان ذلك لا يزال صحيحا اليوم ، فقد اثبتوا انهم بدون شك حزب لا يصلح ان يكون جاراً ، فهم يحشرون انوفهم في شؤون الجيران! فحقيقة انهم يقومون بالعودة الي الحرب دون ان يكونوا علي استعداد لها وهذا امر عجيب ، فهم يعشقون العيش في ظل التناقضات الحادة ، ا ذ يرون ان من الضروي خلق المصاعب حتي يتمكنوا من العيش فهم يعشقون ايضا الاشياء التي هي اكبر واعظم من طائلتهم لانهم غير معنيين بشعور الاخرين ، فقد قاموا في الخرطوم اليوم بممارسة التعذيب ضد معظم قادة المعارضة والذين يجلسون معهم للتحاور والحديث عن الوقوف التضامني في هذا الزمن الحرج ، ولكنهم يلتقون معهم دون اسف او حياء.
الاصوليون السودانيون هم الذين قاموا بمحاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك في أديس أبابا! فهم ذات الفئة التي قامت ببيع كارلوس الي فرنسا من اجل حفنة من المكاسب ، هم ذات الفئة التي قامت بدور (القابلة ) لانجاب القاعدة وقاموا بايصال بن لادن الي افغانستان ، هم أول من قام بجمع المال للقاعدة ، هم الذين قاموا بإختلاس مال بن لادن ، هم الذين قاموا بارسال الشيخ عمر عبد الرحمن لتفجير مركز التجارة الدولية بنيويورك مستخدما جوازاً سودانياً دبلوماسياً ، وكان لهم ضلع في تفجير مركز التجارة الدولية ، هم الذين قاموا بارسال الاسلحة الي الجزائر وتونس وليبيا وعبر الصحراء الي باب العزيزية بطرابلس ، فهم ذات الجماعة التي ارسلت المجاهدين الي البوسنة ، هم اول من دفع المال لحماس حال انشقاقها عن منظمة التحرير ، هم ذات الجماعة التي قامت بتدريب شيخ حسن شيخ أحمد الرئيس الحالي للصومال حتي وصوله مقديشو تتبعه جماعة الشباب الاسلامية ، هم يمثلون بيت المال الخاص بالحركة الاسلامية العالمية ، فقد قاموا بتجنيد وتدريب جوزيف كوني ويحتفظون به الآن في دارفور ، هم ذات الجماعة التي قادت الابادة في دارفور ، والبشير يقف اليوم مطلوبا حول العالم لجرائم ضد الانسانية ، وهم ذات الجماعة التي قامت بتجنيد الجنجويد ضد المدنيين في دارفور واليوم بأبيي ، وهم من قاموا يتزوير الانتخابات في الخرطوم ، هم الذين قاموا بتزوير الانتخابات في جبال النوبة اخيراً ، وهم الذين قاموا بتوقيع اتفاقية السلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان والتي يقومون باجهاضها الآن.
عندما تعاون صلاح قوش مع المخابرات المركزية الامريكية فلا بد انهم قد وصلوا الي نتيجة مفادها ان صلاح قوش لم يكن صادقا وانه يروي لهم قصصا قديمة لا جدوي منها ، نعلم ان المؤتمر الوطني هو أمين خزانة الحركة الاسلامية العالمية وانهم يقومون بتسيير اعمال تحت الغطاء في كافة انحاء العالم ولديهم عدة الوف من الموظفين ، ومئات من الاطباء والمهندسين وموظفين آخرين من جنسيات عديدة وهم معلومون للاسلامين السودانين باسماءهم ومواقعهم ، وهذا هو سر تواجد اعداد كبيرة من السودانين في هياكل التنظيم العالمي.
علي الرغم من البشير والدكتور الترابي يختلفان حول السلطة في السودان ، الا انهم لا يزالان مرتبطان ببعضهما البعض من خلال عضويتهما في الحركة الاسلامية العالمية وهي المنظمة العليا التي تقرر في المنحى الذي يجب ان يأخذانه ، وهذا ما يدفع البشير بان يمارس كل هذه العنجهية التي جعلته ان يقوم باحتلال أبيي تحت أعين الامم المتحدة ، فكيف يمكن له ان يكترث فقد اصدرت الامم المتحدة تحذيرات للانسحاب من ابيي ، لكن هل ستؤدي تلك القرارات الي انسحاب البشير من أبيي؟ فلماذا لم يذعن البشير الى تلك القرارات المتعلقة بدارفور؟ فالبشير بعقليته المتصلبة سوف لن يمتثل لاي من تلك القرارات الصادرة من الامم المتحدة ، لا توجد دولة افريقية صدرت في حقها قرارات بالقدر الذي صدر بخصوص السودان ولكن دون جدوي.
قام النظام بتلقيننا درسا مر المذاق يجب ان نتعلم منه ، فقد قام بقطع الامدادات الضرورية التي نحتاجها في الجنوب الى حد قطع امدادات البترول عنا وهو البترول الذي تنتجه ابارنا ، أشياء عديدة تم ايقاف مدنا بها من الشمال وهذا امر يجعل البشير في غاية السعادة ، فهذه حالة زهانية سياسية موجهة الي الجنوب ، يجب ان يتيقظ الناس ليروا ، وهم بهذا يكون قد تيقنوا من ان الانفصال كان الخيار الافضل من العيش مع الاصولية الاسلامية تحت سقف واحد ، فقد قاموا بختم تصرفاتهم الرديئة باحتلال أبيي بالقوة في الوقت الذي يستعد فيه الجميع للاحتفال بالاستقلال ، فهذه دروس يجب ان يتعلم منها الاغبياء معنى الاصولية الاسلامية ، فلم اتفاجأ بما اقدم عليه البشير ، ولكن الذي فاجأني هي العقلية العبودية التي يتحلى بها البعض حين صدقوا ان البشير هو رجل سلام ، فالبشير ليس الا مخرب للسلام.
تحمل اهل ابيي الكثير من المآسي خلال سنوات الفترة الانتقالية الست الماضية ، فهناك من صدق ان الخرطوم تاتي بالسلام وقرر غسل ايدهم من المشكلة فهم يصدقون ما تقولوه لهم الخرطوم ، ولكنني كنت من ضمن القلائل الذين يعرفون قادتهم معرفة جيدة منذ ايام الدراسة ، فهم يغيرون اسمائهم والوانهم كالحرباوات ، من الاخوان المسلمين الي الاتجاه الاسلامي ثم الجبهة القومية واليوم المؤتمر الوطني ، كل خطوة من هذه الخطوات قصد بها تغطية الماضي وعدم اتباعه ، ففي 1975 و 1976 ربطوا انفسهم بانقلابيين غير ناجحين في الخرطوم وهما انقلاب حسن حسين والانقلاب الآخر بقيادة محمد نور سعد ولكنهم فجأة انقلبوا وصادقوا نميري الي ان قاموا بالمشاركة في خلعه في العام 1985 ثم قاموا بانتاج صورة جديدة لهم في 1989 ثم الي الرمز الذي يستخدمونه الآن وهو حزب المؤتمر الوطني.
في ليلة واحدة وجد اهل ابيي حكماً صادراً ضدهم من قبل رئيس وقع بنفسه علي اتفاق توسط في المجتمع الدولي حكماً طرد الناس بفضله من ارضهم وارض اجدادهم ليصبحوا مشردين ، فماذا يمكننا قوله! هذا استفزاز واساءة لعقولنا ، فقد قمنا بمتابعة المفاوضات وحرصنا علي حضورها بصورة منتظمة ، ولكن يبدو اننا بالغنا في اظهار احاسيسنا بالقدر الذي اظهر ضعفنا الذي سجلوه ليمكنوا انفسهم من التخطيط للمكيدة بالهجوم علي ابيي ودخولها منتصرين ، فقد امتثلنا لممثلي المجتمع الدولي دون ان يكونوا علي علم بالامر ، فقد حسبونا ضعفاء نستحق المساعدة والحماية من المسيرية المتجانسين ، دون فهم للمقاصد الخفية للمؤتمر الوطني، باستخدام المسيرية كحصان طروادة !
ما جدوى مراقبي الامم المتحدة في ابيي اذا كانت اعينهم مغمضة عند ما حدث ما حدث بمعرفتهم التامة! فلم يقوموا بتحذير الناس بالخطر الماثل حتي يقوموا بتجنبه ، الآن فقد تبعثرت الاسر في احراش ابيي وقد فقد الكثير من الاطفال في الغابات! فقد آن الاوان لمراقبي الامم المتحدة ان يرحلوا من المنطقة ، ليرحلوا حتي نقوم بمجابهة الامر بانفسنا بالطريقة التي نعرفها ، الآن فقد اخلوا المنطقة حسب الاوامر الصادرة من المؤتمر الوطني ، لا يمكن لنا ان نقبل الذل تحت اسم السلام ، نعم نحن نتوق الي السلام ولكن السلام بشرف وكرامة ، فهذه هي المرة الاولي في التاريخ التي يقع فيها تشريد شعب بينما الامم المتحدة هي الشاهد الاول والاخير ، فمن كان ينظر لحظة وقوع الاحتلال ، هذه حقا فضيحة الفضائح.
*رئيس الاستخبارات الخارجية السابق في الجيش الشعبي لتحرير السودان
24 مايو 2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.