وزير الداخلية المكلف يستعرض خلال المنبر الإعلامي التأسيسي لوزارة الداخلية إنجازات وخطط وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية وفترة ما بعد الحرب    روسيا ترفض لتدخلات الأجنبية في السودان ومخططات تمزيقه    البرهان يودع سفيري السودان لمصر واثيوبيا "الفريق أول ركن مهندس عماد الدين عدوي والسفير الزين إبراهين حسين"    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    طباخ لجنة التسيير جاب ضقلها بكركب!    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    الانتفاضات الطلابية مجدداً    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    السودان..البرهان يصدر قراراً    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما هي التحديات الكبرى التي تواجه العلاقات التشادية السودانية رغم التطبيع بين انجمينا والخرطوم؟؟؟ محمد علي كلياني


[email protected]

يمكن القول وبلا شك، أن العلاقات التاريخية التي تربط كل من تشاد والسودان ضاربة في القدم، وتطورت عبر القرون, ورغم التحديات التي تواجهها من جراء مشكلة دارفور, إلا أن الفرصة لازالت متاحة كي تتطور أكثر، ونعتقد أن التوتر الذي لازم كل مراحلها خلال الأعوام الماضية، هو مجرد سحابة صيف خلفتها الأوضاع المتأزمة في دارفور, وعلى الرغم من قسوتها ومرارتها، فإنها قطعا تركت أثرا بالغاً في نفوس جميع التشاديين والسودانيين علي حد سواء، ولكن تلك تعتبر أوضاعا عابرة لا تؤثر إطلاقا علي التواصل بين شعبي البلدين، ف"العلاقة بيننا اكبر من كل تعقيدات".
ولا نجانب الصواب أن قلنا أيضًا، أن هذه العلاقة ظل نطاق البحث فيها ضيقا رغم أهميتها الكبيرة، ولم يحدث أن شملها بحث أكاديمي دقيق ومتعمق يمكننا من الاهتداء به إلي كل الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بالتفاصيل, فضلاعن أن الدور الدبلوماسي في البلدين ظل كذلك في اغلب الأحيان تقليدياً، ويعتبر قفل قنصليتا البلدان في الجنينة وأبشي وطرد السفيران من البلدين، ثم قطع العلاقات الدبلوماسية لاحقاُ، وإعادتها ثانية بطريقة تبدو غريبة في الأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها، هي كذلك تكشف لنا حجم الخلل الدبلوماسي الكبير في مسيرة العلاقات الدبلوماسية بين تشاد والسودان.
جاءت تلك الأحداث بين البلدين متسلسلة ومتلاحقة وسريعة من حيث تطورها وأبعادها على الساحتين، وذلك عقب مهاجمة مجموعة تشادية متمردة العاصمة أنجمينا في صبيحة 13 ابريل 2006م, الأمر الذي اعتبرته الحكومة التشادية عدواناُ سودانياً على أراضيها انطلق من جهة السودان بهدف إسقاط نظام الرئيس ديبي، وتلتها أحداث أخرى في محاولة استيلاء المتمردين على القصر الرئاسي للرئيس إدريس ديبي في 2يناير 2008م، وتمت محاصرته عدة ساعات، وتلك المحاولات قد أوشكت أن تطيح بسلطة انجمينا لولا تدخل القوات الفرنسية المتركزة هناك لمنع الفوضى المسلحة في العاصمة التشادية, بينما نفت ذلك في ذاك الوقت الحكومة السودانية بشدة التدخل في الشأن الداخلي التشادي معللةً بان ديبي يتهم السودان جزافاً للهروب من التعاطي مع واقع أوضاع بلاده الداخلية والتي بدأت في التحلل والانفجار, ثم تلتها عمليه الذراع الطويل لحركة العدل والمساواة الحليف التقليدي لإدريس ديبي في تلك الأيام لترد علي الخرطوم بنفس المنطق في هجومها علي مدينه ام درمان..
ونظراً لان البلدين يمران بتحولات كبري في مجال بنياتهما الاقتصادية،الاجتماعية، السياسية والأمنية, وعلى ضوء كثير من المتغيرات الإقليمية والدولية, فان الحالة تستدعي الوقوف عند هذه العلاقة وتسليط الضوء عليها بغية تأصيلها، ونقصد بالتأصيل هنا هو النظر إلي هذه العلاقة عبر وسائل البحث والتوثيق وتفحصها جيدا، والتي يمكن أن يساهم ذلك في خدم مصالح الشعبين, خاصة في ظل الإحداث التي شهدها إقليم دارفور، وتداعيات تلك المشكلة علي العلاقات بين الشعبين وانعكاساتها على الأوضاع الداخلية التشادية وكذا السودانية، وان دارفور كما يعلم الجميع تعتبر منطقة تماس وتداخل لمجموعات سكانية وعرقية لها دورهام وحاسم في رسم وتوجيه هذه العلاقة في مجالها السياسي والاقتصادي والثقافي والأمني, دعك من الثوابت التاريخية التي تشكل المعين الأول لاستقراء العلاقات التشادية السودانية، ولا يمكن لأي احد في البلدين أن يتجاوزها، وأول هذه الثوابت هي الإسلام الذي تدين به الأغلبية الساحقة في كلا البلدين، وارتباط أغلب المجموعات بالموروثات الشعبية المشتركة من العادات والتقاليد والأعراف، كما ترتبط معظم هذه المجموعات بعامل الثقافة الإسلامية والعربية، والتي عمقت دورها وتأثيرها القويين السلطنات الإسلامية عبر مؤسساتها الإدارية والقانونية في دارفور(السودان)ووداي(تشاد) قديما.
وتلك الثوابت هي التي تجعل من الشعبين امتداداً وجدانياً واحداً ومتجانساً, خاصة إذا ما أضفنا إليها روابط التداخل القبلي عبر صلات الرحم والقربى وهي الأجدر بالاهتمام، وهى الصلات التي تكونت عبر حركات هجرة تاريخية من داخل وخارج البلدين, فمثلما كانت تشاد مدخلاً لبعض الهجرات الأكثر تأثيرا في تاريخ السودان, فان تشاد نفسها على ذات النسق قد تأثرت بهجرات تاريخية من السودان ولازالت أثارها باقية حتى اليوم. وتتضح لنا هنا، ومن خلال حركة التاريخ والجغرافيا والتي شكلت نقاط التقاء وتواصل دائم في الحدود مضيفة الحيوية والدفء لهذه العلاقة.
وفي خضم تقييمنا لتطورات هذه العلاقة، وهى تشهد منعطفا جديداً في مسارها السياسي والامنى(عملية التوتر التي اعترها وكذا تحسنها فيما بعد), وذلك بفعل انعكاسات حرب إقليم دارفور وتوجيه الحرب إلي مناطق التماس الآمنة والتي امتدت النزاع فيها ليصل في بعض الأحيان إلي عمق البلدين(الغارات علي انجمينا وهجوم أم درمان)ونري أن بعض المناطق الحدودية تحولت هي الاخري إلي نقاط توتر ساخنة ومستمرة بين المجموعات القبلية من جهة، والحكومتين التشادية والسودانية ومعارضيهما من جهة ثانية(توفير الدعم للمعارضات المسلحة ضد بعض), وهي الأحداث التي أثرت دون غيرها علي الكل في تشاد والسودان, إضافة إلى عوامل أخرى داخلية وخارجية هي أيضاً لها دورها الأعظم في تعميق الهوة وتأجيج الصراع ليس في دارفور فحسب، بل في تشاد ذاتها(الانشقاقات السياسية وتنامي عمليات التمرد المسلح ضد سلطة ديبي في انجمينا).
ومن المؤكد من أن ذلك تقف ورائه أيادٍ خارجية خفية تعمل علي تأجيج النزاع، وهي تلك التي أضرمت النيران في تشاد في عقود مضت من ثمانينيات القرن الماضي.
ومن المعروف أيضا إن البلدين يتأثران بجملة من التطورات والمواقف التي تمربهما على الصعيدين الداخلي والخارجي، لان الذي يجرى في دارفور لا يمكن التعامل معه بالعواطف او الأحلام, بل يجب إن تكون الخطوات المشتركة بين البلدين أكثر جدية للحيلولة دون تفاقم الأوضاع أكثر من ذلك، والبحث عن أطر وآفاق تدفع باتجاه تطوير هذه العلاقة التاريخية من خلال عملية نقدية تحليلية وموضوعية تمكن الجميع من إعادة النظر وبشكل جذري في نمط العلاقات السائدة بين البلدين الرسمية والشعبية ماضيا وحاضرا، وهذا لا نعنى التردد او الحيرة فى أمر هذه العلاقة, ولكن لابد من وضع أسس قوية ومتينة تستجيب لواقع وتطلعات الشعبين وما يمكنهما من التكيف مع التحولات المحيطة بالبلدين إقليميا ودولياً، وما ينبغي كذلك أن يحتمل من وقائع جديدة فى المستقبل الذي ينتظر المنطقة كلها, وبخاصة في ظل المتغيرات التي طرأت علي القارة الأفريقية جمعاء مطلع الألفية الثالثة، وإذا ما أخذنا المعارك التي تدار على مستوى العالم حاليا، فهي في حقيقتها ليست معارك عرق أو دم او قبائل، كما جرت العادة على تسميتها في الصراعات الأفريقية،(تحديدا في تشاد والسودان)، وإنما هي معارك بقاء الكيانات السياسية وطموحها في التوسع الجغرافي والاقتصادي والديمغرافي، وهي متسلحة بتحالفات وتكتلات متناغمة ومعبرة عن مصالحها المشتركة إقليمية أو دولية.. ويتمثل ذلك بجلاء في الصراع الخفي بين القوى الدولية على موارد القارة الأفريقية، ويبدو ذلك واضحاً للعيان من خلال اتجاه الصراعات التي تنشأ في دول القارة الأفريقية، وهذا في واقع الحال تعبيراً صريحاً من أن قادة دول القارة الأفريقية ما زالت لا تعرف أولويات المعركة الحقيقة التي تنتظر شعوبها سياسيا واقتصاديا في المستقبل، وهذا لا يعني إننا في أفريقيا متخلفون لدرجة العمى السياسي الطائش، ولكن لا يستقيم عقلاً أن نكون على هذه الدرجة من الأوهام الدائمة في التخبط السياسي وان نتقاتل فيما بيننا مع انبلاج القرن الحادي والعشرون دون مصالح حيوية تخدم امننا واستقرارنا وتقدم شعوبنا علي المدى المنظور.
وفي سبيل تحليلنا مسار العلاقات التشادية السودانية في ظل أحداث دارفور نسلط الضوء عن كثب على القضايا التي تواجه البلدين ضمن الإطار الإقليمي العام في المنطقة، والتي تعتبر أكثر القضايا إلحاحا في انتظار الحل العاجل, وتأتى قضية دارفور على طرفي الحدود لتكون هما مشتركاً لكلا البلدين, لان التأثيرات مباشرة من جراء انعكاسات الأحداث وتداعياتها، وهى بطبيعة الحال تتطلب قدرا عاليا من تحمل المسؤولية والموضوعية مع سعة البال والخيال والأفق عند تناولها ومعالجتها، وبالقدر نفسه لا يمكن ان يصبح حلها بعصا سحرية أو بضربة لازب وهي في محطتها الأخيرة في دوحة الشيخ حمد بن خليفة أل ثاني أمير دولة قطر راعي المفاوضات.. فضلا عن تطور الحوار المباشر بين انجمينا والخرطوم الممثل في القمة الثلاثية التي جمعت انجمينا والخرطوم وبانغي مؤخراً، وقد أعطت تلك القمة أيضا دفعة ونكهة سياسية للعمل المشترك ودفعت بالأطراف في الدوحة إلي انجاز(وثيقة الإطار العام لمفاوضات السلام في دارفور).. وعلي الرغم من انعكاس الأزمة المالية العالمية على دول المنطقة، فقد ساهم المال الخليجي– القطري- في كسر الجمود في معضلة إيجاد المقر الملائم للحوار بين أطراف النزاع في دارفور وتعهدت قطر بتقديم دعما مقدرا لجهود تحقيق السلام بقيمة(مليار دولار لاعتمار دارفور). ونرى، في هذا الشأن أن الحل دائماً يأتي بتضافر الجهود المشتركة وتوفير المناخ الملائم والثقة بالنفس، والتخلص من العقد التاريخية التي لا تخدم المصالح العليا لاستقرار الشعوب في المنطقة، ولكل ذلك وغيره، نجد انه لابد من اتخاذ كل التدابير اللازمة لاحتواء الأزمة في نطاق حدودها الطبيعية, والتي لا تهم السودان وحده، بل كل دول المنطقة، لأن تفاقم أزمة دارفور يمكن أن تشكل خطراً يأخذ منحى ينذر باضطراب خطير قد يشمل المنطقة في حال التقاعس أو الإبطاء في مواصلة الجهود المخلصة والرامية إلى مسعى السلام الأمثل، وباتساع دائرة تلك الأزمة إلى دول أخرى في ظل الحدود المفتوحة وامتداد السنة اللهب إليها(تشاد أفريقيا الوسطي..الخ), فليس مستبعدا تماما في هذه الحالة، فأن الأمر سوف يهم جميع دول المنطقة والعالم أيضا، علي اعتبار ان التجربة التشادية والسودانية في أزمة دارفور رغم قسوتها كانت درسا وعبرة كافية لمن يهمهم الأمر.
إذن، وبهذا المفهوم، فإن الوساطة التي يقودها الاتحاد الأفريقي وشركائه في العاصمة القطرية الدوحة، تأتى في سياق الحلول الإقليمية والدولية في مساعدة دول المنطقة للحد من مزالق خطورة تلك الصراعات واحتواءها ضمن أضيق الأطر خدمة للأمن والسلم الدوليين، وهذا على الأقل مما يجنب دول المنطقة المأزق الحالي في دارفور، والمتمثل في التدخل الدولي العسكري علي المنطقة وخطورته علي تكبيل الإرادة السياسية في القارة الأفريقية وهو الأمر الذي وصفته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون خلال زيارتها القارة بان هنالك قوي دولية تريد الهيمنة علي أفريقيا ووصفتها بان ذلك يعتبر استعمارا جديدا من قبل تلك القوي .. وهي تعني بالتأكيد الصين الشعبية التي تحاول الولوج إلي عمق القارة الأفريقية وغزوها اقتصاديا دون شروط مسبقة لذلك.
وبهذا المعنى يجب على الدول المعنية في القارة الأفريقية أن تتحمل المسؤولية تجاه ما يمكن القيام به لحل قضية دارفور والتخفيف من حدة مخاطرها علي دول المنطقة، بل يجب أيضا الإسهام في إيجاد العلاج المناسب لاى جزء من أجزاء الجسم الافريقى الكبير، وعلي الصعيد ذاته قد لا تنفصل المشاكل البيئية كالتصحر ومرض(السيدا)الايدز الكابوس الأخطر الذي بات يهدد حياة الشعوب الأفريقية، هذه او تلك كلها تشكل قضايا تهم اى مواطن أفريقي في هذه القارة، بجانب قضايا الأمن والاستقرار، والتي تقتضى تعاوناً على كافة المستويات - ثنائيا وإقليميا- بين كل الأطراف لمعالجتها واحتوائها سوياً.
فالجهود المخلصة التي تقوم بها دول المنطقة ضمن منظومة الاتحاد الأفريقي لابد من أن تصب في جهود المجتمع الدولي القاضية بتعجيل الحل السلمي رغم تضارب المصالح الدولية في ذلك، لأنه لا سبيل لتجاوز المشكلة او المخاطر المترتبة عليها أوقد تنتج عنها لاحقاً، إلا بدعم جهود السلام والتعايش السلمي وليس سحب الوفود من مفاوضات سلام نبيلة، كما دأبت تشاد على فعل ذلك إبان مفاوضات أبوجا عام2006م، لان ما يهم شعوب المنطقة هو الأمن والاستقرار والسلام، وليس الخلاف والقطيعة، ويعاب علي السياسة التشادية سحبها الوفد التشادي من سلام أبوجا، مما أحدث شرخا عميقا في سلام دارفور وجاء ناقصاً ومبتوراً وتلاشي في نهاية المطاف مع خروج مني مناوي من اللعبة السياسية في دارفور برمتها، الأمر الذي عرض أهل دارفور من المواطنين العزل لعدم استقرار دائم واستمرت معاناتهم باستمرار الخلافات بين قوي المعارضة وتكريسها فهما خاطئا وضيقا(إذا لم تتحقق مصالحنا السياسية في دارفور فليذهب الشعب إلي الجحيم)، وبالعكس يرى الحادبون علي أمر السلام أن تتكلل الجهود الرامية إلي إعطاء السلام فرصة، لان لاجئي دارفور في المخيمات سئموا الانتظار طوال سنوات عديدة املأ في أن يتفق القوي السياسية في دار فور لإيجاد صيغة موحدة للحل والتراضي فيما بينهم من اجل مواجهة الخرطوم والوصول إلي تحقيق سلام عادل وشامل .. وقد كان الأمل اللاجئين والنازحين في ذلك كله هو العودة إلى ديارهم التي شردوا منها بفعل الحرب الدائرة بين الحكومة والمتمردين، وان أمل العودة إلي أوطانهم يعتبر حق طبيعي لهم بعد سنوات من الدمار والتشرد، ومن سخرية الأقدار وسوء حظ لاجئي دارفور في تشاد فقد وجدوا الأرض التي لجئوا إليها هي ذاتها تموج اضطراب امني خطير، حيث تدور المعارك أحيانا بين قوات ديبي والمتمردين التشاديين حول المخيمات التي نصبوها للجوء في الهواء الطلق، بينما تجوب العصابات الإجرامية المخيمات لاغتصاب النساء فيها، وهو ما اقلق كثيرا شبكات منظمات الإغاثة الإنسانية والتي اقترحت سحبهم إلي داخل عمق الأراضي التشادية وهم حاليا يعيشون في المخيمات في حياة ك(الديك المعلق في الحبل)كونهم يعيشون خارج أراضيهم الطبيعية ولذا فإنهم يفضلون العودة الطوعية خيرا لهم من جحيم تشاد التي تاجرت بقضاياهم أكثر من اللازم.
عليه.. ومهما كانت حجم الأزمات الداخلية والخارجية التي تعصف بالبلدين سياسيا، فان ارض تشاد والسودان تشكل نقاط التقاء دائم ومشترك للشعبين في تحديد الأطر والآفاق لمسيرة التخلص من الحروب والدمار والتخلف.. فقد أصبح استغلال الثروة النفطية"الذهب الأسود"نشكل إضافة مهمة لاقتصادياتهما القومية وموارد جديدة تمكن الشروع في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في البلدين علي الرغم من عمليات الفساد الواسعة التي تطال تلك الثروة وسوء استخدامها في غير وجهتها المفترضة(الفساد والمحسوبية..الخ)، خاصة وأن العالم اليوم يشهد تطورات ومتغيرات لم تكن متوقعة من قبل على الساحتين الإقليمية والعالمية.. وهو المتمثل في التوجه الدولي العام لدعم الاتجاه الشعبي نحو تحقيق متطلباته المشروعة في التغيير(علي هدي ثورات الربيع العربي)، ورغم كل هذه التحديات والتطورات فإنها تترك في كل حين وآخر أثاراً ومضاعفات أعمق يحتاج معها الشعبان إلى التمعن فيها جيداً، بل وتدعو تلك أيضا شعوب المنطقة إلى التعاضد والتآزر للوقوف مجتمعة في وضع النقاط علي الحروف لتقييم هذه المسيرة المستقبلية علي صعيد ساحة البلدين، ولهذا فان النموذج السيئ في إدارة دفة مسار العلاقات التشادية السودانية كان قد أعطي انطباعا إقليميا ودوليا متشائما يوحي بان تلك المنطقة كادت أن تكون مرتعا خصبا لكل تناقضات العالم اجمع..ولذا جاء حجم الحراك الدولي حولها قويا وغير متوقعه لحجم تصورات القيادات السياسية فيها.. حيث أضحت موازين التدخل العسكري الدولي بالمنطقة تتخطي الإرادة السياسية في السودان وتشاد.. فضلا عن الملاحقات القانونية واتهامات خطيرة ساقها المجتمع الدولي وطالت قيادات كبيرة علي حد سواء وشملت معارضين وحكاما في السلطات القائمة.. وهي تتمثل في: مذكرة توقيف صدرت بحق الرئيس البشير وإدراج قوائم أخري تتضمن أسماء لقيادات متمردة من دارفور يوجه إليهم القانون الدولي تهما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات واسعة في استخدام العنف المفرط في حرب إقليم دارفور.
ولذا فإن التحدي الذي يمثل أمام الشعبين هو يكمن في تحقيق قدرا أفضل من مستوى الأمن والاستقرار وضمان المعيشة الكريمة والنمو الاقتصادي وتنمية مجتمعات البلدين باتجاه تحقيق السلام والتعايش السلمي بين كافة فئات المجتمع ضمانا لسلامة تعايشها السلمي والسلس في المستقبل.

تنويه: إن كل المقالات التي تم نشرها والتي لا تزال.. فهي عبارة عن مختطفات من أبواب كتاب ألفته عن مشكله دارفور وأثرها علي العلاقات التشادية السودانية.. وقريبا سيتم إنشاء روابط علي الإنترنت للإطلاع عليه كاملا ومفصلا عن طريق ملفات ال((PDF..توقعوها قريباٌ.. المولف: محمد علي كلياني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.